بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 نيسان 2023 12:08ص تحسّسوا أعناقكم

حجم الخط
تمادى الغرب على بلاد العرب فأبّدها وجعلها أسواقاً لا يجب أن تشبع من اقتناء السلاح وضخّ الثروات في فمه المفتوح أبداُ. وتضاعفت الضغوط على أعناق الدول التي تمتلك الموارد وخصوصاً النفط والغاز، بما جعل قادة العالم يتخابطون برؤوسهم لتسقط تيجان العظمة المتشاوفة إبرازاً للملامح الردعية والمُخيفة لمواجهة المستقبل الذي تمّت عنونته كذباً بـ«نهاية عصر البترول». وبدت الجيوش المثخنة بالسلاح المستورد المفروض والتي وجدت أساساً للذود عن الأوطان وصيانة السيادة والاستقلال لا همّ لها سوى استهلاك تواريخها وتكديسها للقتال الممنهج والعنيف داخل الأوطان العربية والإسلامية ناسين أننا في عصر العولمة والذكاء الإصطناعي والوعي العالمي العام.
لنعترف بأنّ الصعوبات والأنانيات الإقليمية المذهبية والمصلحية تجذّرت وأقامت في أرض العرب بشكلٍ لافتٍ ومُخيف، وبدا الحال ثقيلاً بلبنان وسوريا بما يجعلنا منقادين قطعاً إلى تفكيك معضلات التردّد لدى القادة بل بثّ الشجاعة السياسية القادرة على حسم بل استيعاب المخاطر الكبرى الناشئة المتراكمة أمامنا، على الأقلّ، في خطوات دول العظمة الدولية التي لن ندركها ولو تعلّقنا بأعناقها الدوّارة بين الشرق والغرب الحافلين بالصعوبات لا المستحيلات.
ما يحصل في بلدٍ عربي من قلقٍ داهم أو مقيم مثلاً يُشابه ما يحصل في بلدٍ آخر. ولو تفحّصنا أعناقنا عرباً بأعقاب زلازل الربيع المثمر بارتداداته المُقلقة المستمرّة بالتحديات المتراكمة بين الشرق والغرب ساحبةً الأنفاس والرؤوس والقرارات نحو روسيا، أوكرانيا، والشرق وكأننا حيارى في عالم متغيّر جديد يفترض البحث عن عقولٍ جديدة.
صحيح أن الموقد الأعظم سيزداد اتّقاداً في الشرق والغرب، لكن مواقد كثيرة أخرى سياسية تعب جمرها ولا يمكن نسيانها بسهولةٍ من تونس ومصر واليمن والصومال والعراق والسودان والسعودية وصولاً إلى سوريا ولبنان «النونو» الذي يُغالي حكّامه في إشعال نيرانهم فوق السطوح.
أعني بمصطلح المثلّثات الدول المحصورة في زوايا ثلاثة مبهمة قائمة على الشعب والجيش والنظام بمعنى القادة والحكّام وفطنتهم ومقارباتهم واستيعابهم لأبواب مصالح دولهم في عصر الحداثة والتحديث الفالت والمُقلق والمتطلّب الحكمة والجرأة والقرار، سواء  أكان هذا النظام قديماً أم مستحدثاً أم في طور التحديث على أنساق ما يتجاوز «الثورات» الجديدة/ العتيقة وفي ما يتجاوز أغنيات «الشعب يريد تغيير النظام» المستوردة بل المستولدة لكنها المتلوّنة والخطيرة والتي استنسخت التجارب الخطيرة والملغومة غير المحسومة بعد في نظافتها ومراميها نهائياً لا في أرحامها الغربية ولا في أجيالها الشرقية الذاوية.
إنها تجارب فلشت أو ستفلش ملامح خرائط وُزّعت للعملاء سرّاً وكأنها تُكشف للعيان لكن العميان لم يروا بعد حجم تطلّعات السلطات العظمى في الرعي لا في رعاية خيرات ما أسميه بـ «قطعان الدول الغنيّة»، وتحديداً في الشرق الأوسط لتتحطّم أبوابه للنفاذ عبر القطب المتجمّد في الشمال لتطويق أوروبا والعالم من العنق.
النقطة الأعقد ربّما على الإدراك السياسي والشعبي في تلك المثلّثات المنعزلة والمتداخلة، هي زاوية الجيوش وبيع السلاح بالقوة، سواء كانت الأسباب أو النتائج دموية كما حصل في العراق بعد حلّ الجيش وشرذمته ما إن رفع رأسه من حروبٍ دامت عقداً كاملاً مع إيران، أو في دفاعه المستقتل في اليمن، أو في ضمان حياديته وقوّته التي بقيت لفترةٍ متحيّرة بين القصر والساحات كما حصل وتمّ حسمها في مصر، أو في انخراطه المتجذّر الكامل في معارك الداخل كما حصل في سوريا التي أضناها التعب واندفع العرب بلهفةٍ نحو عناقها إثر الزلازل الكبرى التي أصابتها مؤخّراً في الشمال وأعادت تجميع القبلات العربية وإضاءة قاعات جامعة الدول العربية إلى لهفة مصر والإمارات العربية المتحدة وغيرهما نحو دمشق العربية مجدداً وبلحنٍ يتناغمٍ بين شرق وغرب ويتجدّد برويّةٍ وبقوة.
قد يُربك لبنان بالنظرات القيادية الحمراء غير الصافية إلى زاوية الجيش الذي تتطلّع إليه غالبية الشعب بعدما رفعت الأغطية كليّاً لتُظهر عجز الحكّام الهائل في لبنان للخروج من الحفر السياسية المتعفنة الكثيرة. هذا اللبنان المتداخل شماله وشرقه مع سوريا بالمعنى الجيوستراتيجي، وبشكلٍ غير مباشر مع الكثير من الأنظمة القريبة والبعيدة التي استمرأت التقاتل والتهديم في نخاعه. لنعترف بأنّ لبنان باقٍ بين دولةٍ لا يعترف بها ودولة لا تعترف به ولا تستمرؤه ولا يستمرؤها بدوره، كما يشاع، ولو حكمه التداخل الجغرافي والشعبي والإرادات العربية والغربية بما يجعل اللبنانيين راقصين على حدّ السيف يتبادلون الإتهامات والعمالات والتعاملات جزافاً سرّاً أو علانيةً، إلى درجةٍ نرى بأنّ العديد من حكّام لبنان الأبديين باتوا لا يألفون النوم الهادئ فيستذكرون قتل صدّام حسين في الحفرة صبيحة أضحى مبارك، واغتيال رفيق الحريري في قلب بيروت إلى سبحة من الاغتيالات والجدران التي تنتظر صور الشهداء كباراً وصغاراً في مستنقع البؤس المقيم في الآذان شرقاً وغرباً.

* أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه
عضو الهيئة العليا للإشراف على الانتخابات البرلمانية