بيروت - لبنان

اخر الأخبار

7 تشرين الأول 2021 12:01ص جمال عبد الناصر الثورة البيضاء

حجم الخط
28 أيلول 1961 و28 أيلول 1970 تاريخ نكبتين متشابهتين نزلا بالأمة العربية، انفصال سوريا عن مصر ووفاة جمال عبد الناصر، وما زالت تداعياتهما الخطيرة قائمة وسارية دون أدنى معالجة لإستعادة التضامن العربي مفتاح قوة العرب ودولهم وشعوبهم.

وما يخرجنا من النكبات والآلام عندما تهلّ علينا ذكرى ثورة 23 يوليو - تموز 1952 التي قادها زعيم الأمة وقائدها جمال عبد الناصر ونحيي مبادئها العظيمة التي لا تقدم للعرب بدون استعادتها ومنهجها الثوري والاستقلالي ومقاومة الصهيونية والاستعمار ودعوات التقسيم والتفتيت والطائفية والمذهبية والعشائرية والجهوية، ونصادق من يصادقنا بلا تبعية ونعادي من يعادينا.

تهلّ علينا ثورة 23 تموز (يوليو) 1952 بأنوارها المجيدة وأهدافها العظيمة لتكون شاهدة حق على زمن عربي أصيل بعث في أمة العرب العزّة والكرامة والدور القيادي الذي شغلته على مدى أزمنة طويلة كانت فيه احدى الأمم القليلة صانعة الحضارة الإنسانية فقدّمت علوما مختلفة وعلماء كثيرين في الطب والهندسة والعمارة وعلم الاجتماع والفلسفة والفلك وعلوم أخرى ما زالت تذكر مقرونة بأسماء علمائها الخالدين في التاريخ العالمي عدا الدول والمعاهد ودور البحث العربي التي أصيبت بفقدان الذاكرة ونسيان الهوية والتاريخ مستعيضة عنها بما أنتجه الغرب من تشويه وتزوير لحضارتنا العربية الإسلامية بعناوين الاستشراق المتعدد الغايات والأهداف وصولا لتقسيم البلاد العربية وإقامة دول تحمل في تركيباتها وأنظمتها بل وشعوبها كل عوامل الوهن والضعف والتنازع القبلي والعائلي والطائفي والمذهبي وكان أخطرها تقسيمات سايكس-بيكو المعروفة ووعد بلفور المشؤوم الذي أسس لزرع الكيان الصهيوني في قلب الأمة العربية الخالدة ووسط بلدانها التاريخية وعواصمها دمشق، وبغداد، والقاهرة.

وأوجد الغرب الاستعماري ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وتوزيع التركة العثمانية دولا وأنظمة مصنّعة ومركّبة في محيطنا العربي بعناوين الانتداب الفرنسي والمحميات البريطانية، وكانت مصر، وسوريا ولبنان والعراق والمغرب العربي داخل هذا الجسد المشرذم والمعتل تسهيلا لتبعيته وخنق نموّه ومنع إستعادة حريته وتقرير مصيره.

في هذا الواقع الاستعماري وزرع الكيان الصهيوني بفلسطين وطرد القسم الأكبر من شعبها قامت ثورة الضباط الأحرار في مصر التي قادها جمال عبد الناصر بكفاءة نادرة وبمميّزات انفردت بها عن باقي ثورات العالم السابقة لها واللاحقة.

وكانت الثورة البيضاء بكل المعاني والمدلولات، فلم تهدر نقطة دم واحدة وهي التي اقتلعت النظام الملكي الذي أطبق على مصر والمصريين وحكم بالتبعية والإذلال وبالفساد والإفساد والاقطاع وسيطرة رأس المال الأجنبي في حين ان ثورات شعوب أخرى غيّرت وجه التاريخ سالت عبرها دماء كثيرة وأرواح بالملايين منها: الثورة الأميركية (1765-1783) واستقلالها عن بريطانيا العظمى وتحوّلها الى دولة لمقاتلة الشعوب واستعمارها وتاريخها الأسود في هذا الإجرام كبير  - الثورة الفرنسية (1789-1799) استمرت باضطرابات عنيفة، دموية وسياسية وانتهت بدكتاتورية نابليون وتوسع السيطرة الاستعمارية خاصة على منطقتنا العربية في الجزائر والمغرب العربي وسوريا ولبنان - الثورة الروسية ثورة الجياع والبلاشفة واقتلاع النظام القيصري وأفضت الى قيام الاتحاد السوفياتي الذي أحدث تغييرا في مجرى التاريخ وكانت حصيلته الثورة الحمراء بسبب الملايين من البشر التي أهدرت دماؤها.

عبد الناصر الزعيم العالمي الذي ترفّع عن هدر الدماء في مصر وفي سوريا عند حصول جريمة انفصال سوريا عن مصر وكانت الجماهير العربية مستعدّة مع الشعب السوري الوحدوي للزحف لإبادة الانفصاليين والرجعيين المدعومين من القوى الاستعمارية في عهد قيادته المخلصة لمصر ولأمة العرب   لا حروب أهليه كما هو حاصل بعد رحيله ولا هدر للدماء العربية ولا فتن طائفية ولا مذهبية ولا عرقية ولا وصايات أجنبية ولا تبعية ولا الاستنجاد بدول أخرى ومنحها سيادة على الأرض والشعب والثروة وخلال النزف الدموي بالأردن بين المقاومة الفلسطينية والنظام الأردني ورغم تحذير الأطباء له صحيا بعدم القيام بأعمال وتعب قد يؤدي بمخاطر كبيرة على حياته قال كلمته: لدينا في الأردن اخوة يموتون ولا بد من التصرف، حياتي ليست أغلى من حياة هؤلاء الاخوة.  وتصرف وجمع العرب في قمة عربية بالقاهرة وتمّت المصالحة التي أرادها لكن دفع حياته فداء للأمة  ورحل. كان رجلا وقائدا عظيما في أمة وكان أمة في قائد ورجل.

في حرب 1948 التي قامت بها عصابات الصهاينة على فلسطين بدعم وترتيب من بريطانيا المستعمرة آنذاك لفلسطين وحصار  (الفالوجة) لمجموعات من الجيش المصري وكان من بينهم البكباشي جمال عبد الناصر الذي أدرك بحسّه الوطني العميق ورؤيته الثاقبة وذل الحصار ان المعركة الحقيقية هي في القاهرة ومصر وتنظيف البلاد من الملكية الفاسدة ومن أرض الفالوجة بفلسطين بدأ التخطيط للثورة وتكوين تنظيم الظباط الأحرار وكانت خطوة الانطلاقة بالانقلاب على الملكية وزمرتها من الأجانب والمحميات والخونة من الشخصيات المصرية والموزعة قواعد عسكرية في مواقع عدة منها قناة السويس الشريان الحيوي لمصر والممسوك استعماريا والذي استعادها لمصر بقرار ثوري جريء وشجاع بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس الذي أحدث زلزالا لدى الدول الاستعمارية أفضى لعدوان ثلاثي على مصر وعبد الناصر تحديدا قامت به كل من بريطانيا العظمى وفرنسا وإسرائيل لكن العدوان اندحر وانتصرت مقاومة الجيش والشعب المصري بقيادة جمال عبد الناصر وخلفه جماهير الأمة العربية التي هبّت لمناصرته ومبايعته قائدا وزعيما عربيا من المحيط الى الخليج العربي وما ترك هذا الصمود والانتصار على شعوب آسيا وأفريقيا التي اندفعت بالعمل الثوري بمواجهة المحتلين لأوطانها طلبا للاستقلال وقد تم ذلك وصار هذا القائد العربي رمزا وزعيما لشعوب آسيوية وأفريقية تجلّى ذلك بقيادته مع نهرو زعيم الهند ومع تيتو زعيم يوغوسلافيا لكتلة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز كخط عالمي ثالث لا ليبرالي أميركي ولا شيوعي سوفياتي وهما قطب الرحى العالمي آنذاك.

ونردد من أقواله ومن كفاحه ما يعيننا على تجاوز النكبات والأزمات ومنها: ان الآلام العظيمة تصنع الشعوب العظيمة، وما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. ان المقاومة الفلسطينة وجدت لتبقى وسوف تبقى. تحرير الجولان قبل سيناء والقدس والضفة قبل سيناء.. وكان سيفا قاطعا لكل يد تمتد لأمة العرب ودولها وشعوبها. وكان يهتم بتعزيز صداقة الصديق وعزل العدو. وان حرية الكلمة هي المقدمة الأولى للديمقراطية وان تحرير رغيف الخبز شرط أساسي لتحرير ورقة الانتخابات. وهو القائل ان الرسالات السماوية هي ثورات استهدفت شرف الإنسان وكرامته. لم يكن يوما طائفيا ولا مذهبيا ولا سلطويا والحديث يطول ويطول وتساءلنا يوما تجاه هذا التردي اما من عبد الناصر آخر يا أمة العرب وشعوب آسيا وأفريقيا ودول عدم الانحياز والحياد الإيجابي!؟