بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 كانون الثاني 2024 12:01ص جمهورية إنحرفت عن مسارها الدستوري

حجم الخط
هل بإستطاعتنا الإعتماد على هذه الطبقة السياسية القائمة خلافاً للنظام الديمقراطي وإستناداً للفقرة /ج/ من مقدمة الدستور والتي تنص «لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل». وفقاً لمبادئ علم السياسة علينا إمّا أن نتصدّى مباشرة بصورة حصرية وضيِّقة للآثار والمفاعيل التي تنجم عن هذا الأداء على الصعيدين الشعبي والوطني، وإمّا أنْ نعتمد منطلقًا آخر يضع الأمور في إطارها المحلي - الإقليمي - الدولي، وهذا الأسلوب وفقاً لدراسات أعددناها كمركز أبحاث PEAC يبدو الأسلم في نطاق هذه المعالجة التقويمية لأنه يحيط بجملة الظروف التي طرأت منذ أنْ إستلمتْ هذه السلطة التي تُخالف أبسط القواعد الديمقراطية والتي لا بُـدّ من معالجتها لجـلاء الصورة في أفقها الشامل وإستخلاص النتائج المرجوّة.
إننا كمركز أبحاث PEAC لدينا خوف في لبنان من احتمالات المستقبل وسيطرة الروح الإنهزامية والطائفية على الكيان اللبناني وهناك خوف مؤكد من تيارات فكرية جديدة لا تمُّتْ إلى الواقع اللبناني الديمقراطي السليم، كما هناك خشية من إستفحال السلاح غير الشرعي، وعدم الإطمئنان إلى نظام الحكم القائم خلافاً لإتفاق الطائف، كما هناك تخوّف من خطر التغيير الديمغرافي الذي يُهدِّد التوازن بين اللبنانيين واللاجئين والنازحين، إذ ناهــز عدد هؤلاء النازحين نسبة 40%، فأصبحوا الأكثر إنتشاراً وعدداً، كما هناك استغلالاٍ للأوضاع العامة وعدم الانضباط في الوسط السياسي اللبناني، كما التسلُّح لدى العديد من اللبنانيين، وهو ما يترك أثراً سلبياً على الأوضاع في لبنان وكل هذه الأمور ستطيح بكيان لبنان ونظامه.
التنكُّر للهوية اللبنانية وميّزات لبنان الحضارية مجرد فكر بلا زمان ومكان، بلا مجتمع وبلا حضارة، إنما هو تنكُّر لنظام فكري ينشأ في مجتمع ويقوم به جيل منقسم على نفسه، ويخدم مجتمعاً ويُعبِّر عن حضارة غريبة عن تاريخ لبنان. هذا ما يُحاول الممسكون بزمام الأمور وأصحاب المنهج التدميري في هذه السلطة الجائرة سلوكه. قد تكون أزمة التنكُّرْ للهوية الوطنية ولميِّزات لبنان هي عدم الوعي بهذه البديهية وعيًا علميًا كافياً، وإنْ كانتْ تُردِّدُها فيما يبدو في كل مناسبة هذه المجموعات السياسية التي لا تؤمن والتي لا تُعير أي إهتمام بالهوية اللبنانية وبعضوية لبنان في جامعة الدول العربية وعضوية لبنان في هيئة الأمم المتحدة. هذا الوضع هو الذي يدعونا كمركز أبحاث الى التفكير في علاقة هذه المجموعات بالموقف الذي يُتخذ من هذا الجيل، فنحن كباحثين وناشطين لا نتحدث عن أزمة لبنان، فهذه لا وجود لها في حال كانتْ هناك أجواء ديمقراطية فكرية تربوية توّعي جيلنا على هويته وكيانه وميّزات لبنان على ما ورد في الإرشاد الرسولي للبابا يوحنا بولس الثاني.
هذه الطبقة السياسية جعلت من لبنان ساحة للصراع والتنافس بين القوى والهويات المختلفة، ولكون هذه الطبقة السياسية مكوّنة من مجموعات طائفية تتبنّى نظاماً سياسياً يقوم على التمثيل المذهبي والكيدي و«المصلحجي»، وتتوّزع المناصب العليا في هذه المرحلة بين مكوّنات سياسية متناحـرة بحيث يصل إلى النظام مجموعات لا تؤمن بالوطن ولا تُعير أي إهتمام لدستوره وقوانينه وهذا ما أضفى سيطرة مطلقة لا بل مطبقة على كل أجهزة الجمهورية، ممّا جعل القرار نابع من القوى الخارجية الداعمة لهذه الطبقة... كما ساهمتْ طبيعة هذه المرجعيات في تعزيز الهوية الطائفية - المذهبية دون الإتفاق على هوية وطنية موّحدة وهذا ما أدّى إلى تفاقم الأزمات حيث نشهد منذ العام 2019 أزمات سياسية - أمنية - اقتصادية مالية - إجتماعية، وأصبحنا عرضة للتفاعلات المختلفة الداخلية - الإقليمية - الدولية.
«تضارب المصالح» هو العنوان الأبرز في مسار هذه الجمهورية، وهذا العنوان مكّن كل ساسة الأمر الواقع من تحقيق مصالحهم المادية والمعنوية على حساب الواجبات الوطنية، ولم تسعَ أي حكومة أو مرجعية سياسية لحد الآن إلى مكافحة هذه الآفة بقوانين وسياسات عمليّة حفاظاً على ما كرّسوه من أمور مخالفة للدستور وللقوانين. بصفتي باحث وعضو في مركز PEAC لاحظتُ في هذه الفترة كل التصرفات والمواقف التي تحقق المصالح المادية أو المعنوية لهؤلاء الساسة والتي غالباً ما كانت تتعارض مع النظام والدستور والقوانين المرعية الإجراء. وفي كل مرّة كنّا والمركز ننبِّه بعض الغيارى على الضرر الناتج عن هذه الممارسات، وكم كُنا ننبّه من عدم الإلتزام بالمتطلبات التشريعية والآليات الإدارية المتبعة في الدول الحضارية التي تحترم قوانينها وشعوبها.
نعم نحن في جمهورية إنحرفت عن مسارها الدستوري، وها نحن اليوم أمام إهمال تطبيق المبادئ الدستورية وأمام إهمال حقوق المواطنين واهمال حرياتهم لأنّ النظام القائم لم يُعِـر أي إهتمام للدستور والقانون. أن الوضع العام يُلزمنا إيجاد وسيلة لوقف هذا الإنحراف وإيجاد الجزاء الملائم والذي يتكفّل ببقاء الأمور على ما هي عليه. كفى إنحرافات في ممارسة الوظائف السياسية والتشريعية، هل من يسمع؟!

* كاتب وباحث سياسي