26 آب 2023 12:00ص سوريالية الصور التذكارية على منصَّة الحفر: المعطّلون يتزاحمون على جني الثمار

لبنان خارج الأولوية السعودية – الإيرانية .. وباريس على وشك الخروج!

حجم الخط
دخل لبنان، عملياً، زمن التنقيب عن الغاز والنفط في الرقعة رقم 9، حيث من المأمول أن تجد توتال إنيرجيز مع شريكيها إيني الإيطالية وقطر بتروليوم، كميات تجارية وافرة في غضون شهرين ونيّف.
لعلّ أغرب ما سجّلته الأيام الغازية الأخيرة، المسارعة الرسمية الى التقاط الصور التذكارية من سفينة الحفر والإستكشاف، وفي الواجهة من كانوا شديدي الحرص على إحباط الثروة النفطية ومنع استخراجها بقوة تعطيل المراسيم والقوانين الخاصة بها. ولا يسقط من بال أحد أن التفاوض الذي قاده رئيس مجلس النواب نبيه بري عقداً من الزمن مع الأميركيين أفضى الى ما سُمّي اتفاق إطار كان من شأنه أن يمنح لبنان بموجب خط هوف أكثر بقليل من نصف الحق الذي حصّله الرئيس ميشال عون في البلوكات الجنوبية. كما لا يسقط ما فعله نجيب ميقاتي في حكومته الثانية (2011 و2014)، من إجهاض للمراسيم ذات الصلة، وصولا الى استقالته في آذار 2013 لتكريس هذا الإجهاض، وحرمان لبنان من ثروته، أو في أضعف الإيمان تأخير الإفادة منها 10 سنوات كاملة. كما لا تُخفى حال الإنبساط والانشراح التي اعترت هؤلاء يوم أعلنت توتال إنرجيز قرارها الملتبس إقفال البئر في الرقعة رقم 4، حتى لا يحصل هذا الإنجاز في عهد الرئيس ميشال عون.
يفترض هذا التحوّل الإستثنائي، في حال حصل، مقاربة استراتيجية على مستوى الدور المنتظر للبنان، وهو ما ليس في الإمكان تحقيقه الآن، أقلّه بغياب رئيس للجمهورية. فيما مكمن العلّة يتمثّل في فقدان الثقة بالطبقة – المنظومة التي أدارت الثروات اللبنانية على امتداد الـ30 عاما الفائتة، وقادت البلد إلى الإفلاس والانهيار، واللبنانيين الى حال العوز والشظف.
كما يُفترض أن يطلق أي اكتشاف نفطي آليات جديدة خارجية من أجل تثبيت الإستقرار اللبناني، تبدأ أولاً في إنهاء التعطيل وانتخاب رئيس جديد للجمهورية. ولا يكون ذلك سوى بتكثيف الضغط على الطبقة السياسية، وهو ما قد يشهده شهر أيلول المقبل الذي يُعدّ بحق خطا فاصلا، بمروره بلا نتيجة ستنتفي على الأرجح أي عناصر لمبادرة جديدة:
1-على المستوى الفرنسي، لا يخفى أن الإدارة الرئاسية مستاءة مما آل إليه التعاطي اللبناني مع مبادرتها، نتيجة الممانعة التي تبديها قوى في المعارضة، وفي مقدمها القوات اللبنانية. ولا تعزل باريس تلك الممانعة عن موقف دول في المجموعة الخماسية من مبادرتها، وهو موقف يمتدّ من التحفظ إلى الرفض. وعليه، صارت زيارة الموفد الرئاسي جان-إيف لودريان لا- يقينية. وهو يبحث جدياً في إلغائها، أو في أضعف الإيمان دفعها إلى نهاية أيلول، ربما في انتظار المشاورات التي ستحصل بين المجموعة الخماسية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وهي مشاورات لن تخرج عن السياق العام الذي رسمته الرياض في اجتماع المجموعة في الدوحة، وهو بالتأكيد سياق لا يتناسب مع رغبات الثنائي الشيعي ولا مع ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
2-على المستوى العربي، تواصل قطر حراكها اللبناني بزخم لكن بلا استعراض. والمولجون بالملف في زيارات غير متقطّعة الى بيروت من أجل المتابعة وطرح الأفكار، وأحدها ترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون. أما الرياض فعلى موقفها المبدئي، لكنها لا تسقط احتمال إثارة الشأن اللبناني برمّته مع طهران، وخصوصا في الزيارة المرتقبة للرئيس ابراهيم رئيسي الى المملكة.
وكانت لقاءات وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان في الرياض مؤشّراً إلى تغييرات قد تصيب أكثر من ملف إقليمي عالق، بالنظر إلى التأثير الحاسم الإيراني - السعودي في أكثر من عاصمة عربية، ومحوريتهما في صنع القرارات الوطنية، ولا سيما في مناطق التأثير المشترك، مع ملاحظة حقيقة أنهما يركزان راهناً على حلول للمسألة اليمنية ومن ثم العراقية، فيما لا يُلحظ لبنان بعد على رادارهما. أمّا المفاجئ فإخراج الملف السوري من اهتماماتهما المشتركة، وهو، على ما يبدو، حدث بفعل إلحاح أميركي. فواشنطن ساءها التطبيع التدريجي المفترض بين العرب ودمشق، مما حتّم إخراج الملف السوري راهناً من المحادثات القائمة بين الرياض وطهران. هذا الواقع وضع التعهدات المشتركة التي نتجت من وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الى دمشق في ١٨ نيسان الفائت، في وضع معلّق، كما التعاون المشترك والذي على أساسه بدأ مسار التطبيع. فكان أن علّقت الرياض إجراءات فتح سفارتها في دمشق، كنتاج لتجميد عملية التقارب. 
انسحب مجمل هذا الواقع مراوحة لبنانية، حيث الفراغ السياسي والرئاسي هو المتحكّم، بينما يبقى الحوار بين التيار الوطني الحر وحزب الله موضع رهان لدى الثنائي الشيعي، ويعلّق عليه لإعادة بث الحياة في ترشيح فرنجية. لكن لا تُدرك الأمور بالتمنيات وحدها!