بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 تشرين الثاني 2021 12:02ص عـن نـقطـة ولـيد بـُخـاري

هل تكتفي ثرثرة قرداحي بإحداث أزمة متدحرجة مع الخليج؟

حجم الخط
على المسرحِ اللبناني البائس، تزدحمُ مشاهد المسلسل السوداوي لجرائم وفضائح منظومة الميليشيا - مافيا التي تخطف لبنان، وتدمّر علاقاته بالعالم وبمجاله الحيوي العربي، وتعكس خفّة ودونيّة ولصوصيّة وفساداً وتنكّراً لكل قيم الدولة واعتبارات المصالح الوطنية، كان أبرزها كلام وزير الإعلام جورج قرداحي الذي يتهم السعودية والإمارات بقيادة عدوان خارجي على ميليشيا الحوثي في اليمن، ما تسبّب بأزمة متدحرجة تكاد تهدد علاقات لبنان العربية، وربما أكثر.

الواقع أنه لا يمكن لعاقل، فضلاً عن أن يكون مثقفاً أو مسؤولاً، أن يبرّر هيمنة ميليشيا مسلحة على القرار السيادي والوطني لبلده أو بلاد أخرى، ثم يخرج ليُبرّر فعلته، أو أن يُبرّرَ له بأن ما قاله مجرّد «مواقف شخصية»! بهذا المعنى، إن ما تفوّه به الوزير العبقري ليس سقطة شخصية موتورة. هو انعكاس لتيار وميليشيا، ولنهج تدميري وعدواني. هو فردٌ في منظومة متكاملة تنتهج العبثيّة والتضليل والعصبيات لخدمة أغراض خبيثة وأجندات مشبوهة تناقض المصالح الوطنية والعربية، والدليل هو سيل التصريحات الداعمة والمبرّرة له، والمتمسكة به ولو أدى ذلك إلى استجرار أزمة كارثيّة.

في لبنان نفايات سياسية عصيّة على التدوير وقد باتت عبئاً على البلد وشعبه ومحيطه، والمطلوب وقف تدمير علاقة هذا البلد بالعالم العربي والعالم الأوسع

السؤال الذي يتكرر مع كل أزمة أو فضيحة من هذه المنظومة وأزلامها، من أيّ قعر يؤتى بهؤلاء، وهل من سبيل إلى تدوير النفايات السياسية التي باتت عبئاً على لبنان وشعبه ومحيطه؟ ومن يوقف تدمير علاقة لبنان بالعالم العربي، والعالم الأوسع؟

سياسةُ النعامة وغضبُ الحليم

الموقف الرسمي اللبناني، كالعادة، جاء انهزامياً، ملتبساً، مربكاً، فاكتفى بـ«الأسف» والمناشدة والتمني. لم تصدر الحكومةُ المنشغلةُ بمناقشةِ قضايا التغيّر المناخي في اسكوتلندا بياناً يدين ما حصل، اكتفت بالمواقف الفردية المتفرقة. احتيال كلامي عريق، يجري استحضاره مع كل إساءة أو فضيحة، بما يشبه التسليم بتحوّل لبنان جرّاء هيمنة السلاح إلى ساحة للمسّ بدول الخليج.

هل يكفي تكرار دعوة السعودية وبقية دول الخليج إلى عدم معاملة لبنان بجريرة ما يفعله السفهاء والجَهلة والموتورون والحاقدون والشعبويون.. ولبنان بسببهم بات خارج اهتمامات الدول التي بقيت تاريخياً إلى جانبه في كل الظروف، وفي مختلف المجالات، بعد أن تحوّل دولة فاشلة بحدود سائبة. لكن هل تستحقُ ثرثرةٌ سطحيّة تعكس جهلاً وخفّةً وكيديّة وحقداً، ردود الفعل التي حصلت؟

إن كلام قرداحي لا يعدو كونه هرتلةً وهذياً، ومع ذلك يبقى أصغر بكثير من أن يكون سبباً لمواقف وتحركات سياسية من دولة عظمى كالسعودية، ودول خليجية أخرى. هنا يُقرأُ التحرك الخليجي بمعنى أوسع يتعلق بقضايا أكبر من سقطة القرداحي التي سرّعت ربما في انتهاج هذا المسلك.

ديبلوماسيّة الرمز

لطالما واجهت السعودية، ودول الخليج، الإساءات والاعتداءات المنطلقة من لبنان باتجاهها بكثير من التعالي والصبر، وهي فوق ذلك سبقَ أن نبّهت السلطات اللبنانيّة تكراراً للتحرك باتجاه وقف استخدام الأراضي والمرافق اللبنانية منطلقاً لممارسة البلطجة السياسية والإعلاميّة والمافيوية باتجاهها، فيما بقيت السلطة في بيروت ملتزمةً صمتَ التماسيح. هنا كان على الرياض أن تتحرك، فالدولَ لا تبني أمنها الاستراتيجي والوطني، وقضاياها الحيوية ومسائلها السيادية والأمنية على القيم فقط.

قبل فترة، علّق نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان على ما تمر به العلاقات اللبنانية – السعودية بالقول: «نرسل السياح إلى لبنان، وإيران ترسل الإرهابيين، نرسل رجال الأعمال، وإيران ترسل المستشارين العسكريين، نبني الفنادق ونخلق فرص العمل، وإيران تخلق الإرهاب، نريد للبنان أن يكون بلدًا أفضل وأقوى ومزدهرًا، وإيران تريد أن يخوض حرباً نيابة عنها وتريد منه أن يقوم بمشاريع طهران التوسعية». وأمس، أوضح وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان أنه «ليست هناك أزمة مع لبنان بل أزمة في لبنان بسبب هيمنة وكلاء إيران»، مؤكدا أن «لبنان بحاجة إلى إصلاح شامل يعيد له سيادته وقوته ومكانته في العالم العربي».

توازياً، وعلى طريقته في انتهاج ديبلوماسية لغة الإشارات المختصرة لكن البليغة، ذكّر السفير السعودي وليد بخاري بموقف الرياض من دويلة الفساد والمليشيات والتهريب وخطف لبنان من عروبته وشرعيته، تغريداً فقال: «تُعْتَبَرُ النقطة (.) على السَّطْرِ الرَّمْزَ الأعْظَمَ في النصِ». نقطة بخاري كافية للتنبيه، أو لإعادة الأمور إلى نصابها إن أحسن المعنيون فهمها، وهي لا يفهم منها أنها نهاية، بل بداية لمرحلة جديدة، وتعاملٍ جديد، وطريقة تعاطي جديدة. وعلى ما يبدو ليس من السعودية فقط، بل من دول الخليج كافة، ومن مصر أيضاً التي بقيت لفترات تغلّب منطقَ الجَسرِ والاستيعاب والتفهّم.

عن وقاحة لا حدود لها

إلى أي مدى ستذهب دول الخليج في ردة فعلها على الإمعان اللبناني باستفزازها إرضاءً لأذرع إيران ومليشياتها؟ ولعل الصيغة الأنسب للسؤال، إلى متى سيبقى لبنان رهينة المافيا – ميليشيا؟ إلى متى ستتصرف هذه المنظومة بطريقة رعناء وقحة ومصلحية، ومتى ستفهم أن لا حياد في علاقة لبنان مع العالم العربي؟ وأن الزمن تغير وما عادت تنفع سياسات التكاذب وبيع الكلام؟ هل تستقيل الحكومة، أو متى ستستقيل الحكومة صونا لما تبقى من هيبة لبقايا الدولة؟

مؤسف حتى الخجل، أنه في الوقت الذي يهوي فيه لبنان نحو قعر الحضيض، إفلاساً وجوعاً وظلمة وتعاسة، تبدو دول كثيرة في المنطقة سائرة باتجاه التعافي فمصر ألغت حال الطوارئ، والعراق أجرى انتخابات دالّة في نتائجها، فيما دول أخرى تخطو باتجاه اجتراح المزيد من الإنجازات، فالسعودية التي تشارك العشرين الكبار التخطيط للمستقبل، مهتمة بجعل الشرق الأوسط أخضراً وأكثر، أما الإمارات فمنشغلة بتعداد الملايين التي تزور «اكسبو 2020» وتسعى لما هو أضخم..

خطيئة قرداحي أظهرته خفيفاً، سطحياً، وتمسكه بها كشفته شبيحاً، بلطجياً. تخيلوا، للحظة، أن المصلحة الوطنية تقفُ على استقالة هذه العينة؟!

مجدداً، وللمرة الألف، من أيّ قَعر يُؤتى بهكذا نماذج إلى سدّة المسؤولية؟