بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 حزيران 2021 07:52ص عن دعوات الفيدرالية والطائف.. و«الثورة»

حجم الخط
مع كل مرحلة توتر سياسي وطائفي في البلاد يعود الحديث عن الفيدرالية وهو المصطلح الذي خرج الى العلن كثيرا في الحرب الاهلية. حينذاك ذهب كثيرون، خاصة في الساحة المسيحية من أحزاب ومفكرين، الى رفع شعاري الفيدرالية وحتى التقسيم مع اعتبارهم بأن لبنان الوطن الذي تأسس ليشكل موئلا آمنا لهم، قد انتهى.

 خرجت الشعارات التقسيمية خاصة في بداية الحرب وشكل المثال الاسرائيلي مثال جذب إليها، لكن في المراحل اللاحقة من الحرب استبدل كثر مفهوم التقسيم بالدعوة الى الفيدرالية، وهي للواقع تخفي هي الاخرى أهدافا تقسيمية ورفضا للآخر.

 شكلت أحزاب وتيارات اليمين رأس حربة هذا المشروع الذي رفضه كثيرون ايضا داخل المجتمع المسيحي مع بزوغ نجم العماد ميشال عون حين تمسك هؤلاء بالشرعية في وجه الميليشيات وأعلنوا تأييدهم لحربه على التواجد السري في لبنان.

 على ان الانقسام لم يكن مختزلا بهذه البساطة، ذلك ان بين حلفاء عون نفسه بطل «حرب التحرير»، كان ثمة متطرفون، لكن هزيمة الرجل في 13 تشرين الاول العام 1990 شكلت سقوطا لمشروعه السياسي، ومعه للأوهام المتطرفة، لصالح إقرار اتفاق الطائف الذي قدم بالفعل تسوية يمكن ان تؤدي، ولو نظريا، الى حلّ في البلاد.

 خمدت الدعوات اليمينية المتطرفة حتى عادت الى الارتفاع في السنوات الاخيرة بعد التحولات التي طرأت على البلاد منذ العام 2005 وبعده. واليوم تحاول تلك الدعوات الجديدة القديمة التي ضمّت إليها على ما يبدو قيادات سياسية كانت وحدوية في السابق، توجيه كل خراب البلد ضد هيمنة السلاح وتغيير وجه لبنان عبر مشروع إيراني يغزوه وهو ما يشير بصراحة الى مخاوف طائفية ديموغرافية وإقتصادية وإجتماعية.

 وإذا كان من الملاحظ ان تلك الدعوات تصدر عن جهات غير كبرى على الساحة المسيحية، إلا أن الحقيقي ايضا ان شرائح شعبية واسعة داخل الاحزاب المسيحية الكبرى مثل «القوات اللبنانية» و»الكتائب» وحتى «التيار الوطني الحر»، تنادي بذلك ويستدل على مزاجها على وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام وفي النقاشات الشعبية المباشرة كما في الأروقة المغلقة.  

 ويبدو ان تلك الدعوات تتمتع اليوم بظهير مادي اعلامي متنوع وتستفيد من حالة الخراب الاجتماعي التي يعيشها لبنان والتي أدت إليها تراكمات السنوات الطويلة الماضية. وهي ستتعزز مع كل تعمق للانهيار الحاصل، لكنها ستخفت، من دون ان تنتهي، في حال تلمس لبنان خطواته نحو الخروج من الأزمة.

 على أن الدعوات تلك لا تزال متواضعة الفعل ولا تحظى سوى بتعاطف كلامي يعلم مطلقوه باستحالة الفيدرالية في لبنان نظرا لعوامل كثيرة، أولها ان مشروع الفيدرالية قد سقط فعلا في المنطقة كما في سوريا والعراق والخليج في منطقة تتوجه اليوم نحو التفاهم بعد مرحلة عبثية من القتل والنار لم يعد من راع دولي لها. وقد كان من سوء حظ لبنان انه بنى اقتصاده الريعيّ غير المنتج على معايير أثبتت انها لا يمكن ان تقدم الحل وسط التوترات، لكنه اليوم سيفيد من عودة المنطقة الى توازنها وخروجها من الانقسامات المريرة التي طبعت العقد الأخير.

أسئلة بلا إجابات

 ودعوات الفديرالية تبدو واضحة الثغرات ولا تقدم حلا للعامل الجغرافي في بلد صغير قاصر في الاصل عن مقاربة نظام حكم كهذا. وهناك أسئلة موجهة الى الفيدراليين لا أجوبة عليها: كيف ستكون مواجهة سلاح «حزب الله» عبر نظامهم هذا؟ ماذا عن القضايا الموحدة، كالإدارة المالية والسياسة الخارجية والدفاعية؟ من سيتولاها؟ كيف التوصل الى حل في مناطق الاختلاط الطائفي والمذهبي؟! ماذا عن خوف كثيرين من ذهاب الاقليات ضحية اكثريات في بعض المناطق؟ ثم ماذا عن النفوذ الخارجي في مناطق الاختلاف تلك؟ وقبل كل ذلك، اذا كانت الدعوات تلك مجردة من الطائفية، ألا تكفي دعوة الطائف نفسه الى اللامركزية الإدارية التي تعزز الايرادات المحلية ولا تذهب في اتجاه استقلالية عن الدولة؟

 لكن في المقابل سيكون على اللبنانيين الاتفاق على تطبيق وثيقة وفاقهم الوطني. فقد قدم الطائف الحل ودعا الى نظام مدنيّ ومن العبث محاولة اجتراح نظام جديد، ويُخشى ان لا يخلو اي تغيير او حتى تعديل للنظام الحالي من الدماء. مثلما ان الواقع الحالي في العالم ولبنان ينحو في اتجاه القيم الجامعة والحريات وتعزيز الديمقراطية بأشكالها المتنوعة، من دون نفي دعوات يمينية هنا او هناك لا تؤثر على المسار العام في بلادها.

 وفي لبنان أطلقت شرائح واسعة متنوعة طائفيا وجغرافيا «ثورة» شعبية على أركان المنظومة الحاكمة، وهذه الشرائح وان تلتزم بالصمت اليوم، إلا أنها أسست لوعي مستمر ومتصاعد وسط الفورة الإعلامية وهي سترفض حتما أي مشروع تقسيمي يُذكّر بالحرب الأهلية.