بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 تشرين الأول 2023 12:32ص غداً ستحاور إسرائيل هؤلاء!

حجم الخط
في حرب اجتياح إسرائيل للبنان عام ١٩٨٢ سأل مراسل حربي غربي ثلاثاً من نساء الجنوب وجَدهنّ في حقل يجدلْن البصل: كيف تعملن والقذائف طائرة فوقكن؟ فكان جواب إحداهن: «إذا إجت القذيفة وما متناش.. منكَمّل جَدْل البصل»!
هذا المنطق هو الذي قاوم الجيش الإسرائيلي بعد ذلك، في لبنان.
فهل هناك أهدَأُ بالاً، وأفضلُ حالاً، من أن تعيش في بلدٍ اسمه إسرائيل يحاصرُ جيشُه الهمجيّ وشعبه المُفَصَّل قِطعاناً، شعباً آخر داخلَهُ هو الشعب الفلسطيني بكل اتجاهاته  السياسية، ويقطّع أوصالهُ، ويَعْدُم كل إشارات الحياة فيه، وتوضع في خدمتك كمستوطنٍ كلُّ الظروف الفردوسيّة، وحين ينتفض عليك الشعب المحاصر طلباً لحرية ٍ ورغيف آمِن، تهبّ الدول الكبرى في كبرِها الصغير، والصغيرة في صِغَرها الكبير، للدفاع عنكَ وعن «بلدك» الذي سلَبتَه من أهله وآبائه وأجداده منذ ثمانين عاماً بتشريدهم وقتلهم والتشنيع بأقدارِهم التي رسَمها عدوّهم ونفّذها عدوّهم ويسهر على استمرارها إلى الأبد، عدوّهم تحت عيون المجتمع الدولي «العادل» و«الشامل» في عدْله؟
العالم كلّه مشغول من رأسه إلى كعبه في ما أصاب إسرائيل من هجوم «حماس» الخلّاق والمُبدِع وغير المسبوق في تاريخها وتاريخنا، ويريد أن يطيّب خاطرِها بترتيب الأمر العربي والعالمي أمامها لتستطيع أن تردّ بمعاييرها الدموية الخاصة وتخنق الفلسطينيين أو ما أبقت منهم بشكل منهجي مدروس لا يُسمَع فيه صوت لمُعتَرض من دولة عربية، ولا صاروخ لرافض من حزب عربي، ولا قنبلة لمجاهد من قبيلة عربية، ولا تشارك فيه جبهة مُساندة في دولة معانِدة. بوضوح: ينبغي أن ينام الجميعُ لمدّة أقلّها شهر حتى تقبع إسرائيل أهل فلسطين من جذورهم وترميهم على أبواب دول عربية قريبة أو بعيدة، وتنتهي للمرة الأخيرة... حدّوثة فلسطين!
وفور انتهاء العملية الفدائية لحماس، قدّمَت إسرائيل نموذجاً مما تريده ردّاً: حدّدت كيلومترَين مربعين تقريباً من أرض غزّة مأهولَين بالسكان والأبراج وصبّت عليهما (وعلى غيرهما!) حقدها التدميري الدفين فسوّت عشرات البنايات بالأرض وجعلت المساحة ركاماً، وأكملَت هجومها الصاروخي على شوارع وأحياء ومناطق المدينة. فقالت بذلك إسرائيل بوضوح: هكذا ستكون غزّة كلّها... وانشغلَت قياداتها في مشاورات عربية وعالمية لتنفيذ مخطّطها التهجيري كأنه يحدُث للمرة الأولى.
يعرف الإسرائيلي والأميركي، والعربي المتواطئ معهما، أن سيناريو تهجير الفلسطينيين في نكبة جديدة إلى بعض الدول العربية بات مستحيلاً سياسياً وعسكرياً. فإذا قُدّر للضغط السياسي أن يفلح في لَيّ أعناق دول عربية «رافضةٍ» المشروعَ الأرعن، لكنها تخشى ردود أفعال الثعبان الأميركي، فهل سيمكنُ أميركا أن تتجاوزَ الضغط العسكري الإقليمي الذي قد ينفجر على مستويات عدّة ضد مشروعها إبتداءً من لبنان مروراً بسوريا والعراق وصولاً إلى اليمن؟ وماذا تستطيع إسرائيل وحاملات الطائرات الأميركية معها أن تفعل حين تُختَرق الحدود الإسرائيلية من جبهات عدّة غير زيادة سعير الحرب والخسائر واستدراج دوَل وقوى كبرى؟ وهذا ليس كلاماً في الهواء، فإذا كان التلويح باجتياح غزّة وتدميرها وإحراق أهلها والمقاتلين فيها والمدنيين على حد سواء ممكناً وسط هذا العالَم المُستَنفر من شرق كُرَته الأرضية إلى غربها، فلماذا يكون الهجوم المتعدّد المصدر على إسرائيل مستحيلاً؟
في «حرب تموز ٢٠٠٦» فعلَت إسرائيل الجريمة نفسّها: حدّدت كيلومترَين مربّعَين من بئر العبد في الضاحية الجنوبية وكرسَحَتهما حجراً حجراً فضلاً عن مئات الصواريخ الأخرى على البنايات، وانتظرَت أن تنتهي الحرب على هذا المشهد التدميري الذي تعبُدُه في عقيدتِها عبادةً لا مثيل لها، وحين «تذكّرَت» أنها إذا لم تحتل الأرض وتطأها بأقدامِها، فكأنها ما فعلَت شيئاً، حرّكَت دباباتها للسيطرة على الأرض فكان «الكورنيت» على «الكوع» وحدثَت مجزرة الميركاڤا التي فرضَت على القيادة الإسرائيلية إنهاء الحرب، حسَب كل الكتُبِ التي جاءت على شكل مذكرات إسرائيلية أو وثائق حربية.
الهجوم التدميري لاحتلال غزّة سيواجَه في نظر فريق الممانعة بشنّ حرب على أكثر من جبهة. ومجَرّد نظرة متأنية على خارطة العالَم وأهوال الحروب والنزاعات التي فيها والقوى المنخرطة في تفاصيلها، تقول إن رفع السقوف الإسرائيلية بتهجير الفلسطينيين حجرٌ كبير جداً لن تستطيع زحْزحَته من مكانه أو قذفه في إي اتجاه، وأيام التهويل هي نفسُها أيام تبريد الدم الإسرائيلي المُراق للمرة الأولى بهذا الشكل، ثم يُعلَن وقف إطلاق النار كالعادة! وليست «حرب تموز» بعيدة كي نقيس حجم الشروط والأهداف الضخمة التي انطلَقَت معها، وشيئاً فشيئاً أصبح الإسرائيلي يناشد الأميركي والعالَم للضغط على لبنان لإيقافها.
أمّا قضية التدمير بيَد إسرائيل على كيلومترَين مربّعَين أو أكثر فهذا رغم وجوده في الحروب، أظُنُّه كان نموذجاً مثاليّاً لإشباع الغرور العسكري الإسرائيلي، والعين الصهيونية التي تسكَر به. فهل سيأتي يوم قريب تشاهِد فيه العين العربية المُنَكَّسَة بالحِراب الإسرائيلية، هذا المشهد التدميري تصنعه صواريخ المقاوَمة في مدينة إسرائيلية لنطبّق على الأقل العين بالعين بيننا وبينها!
في موقع إعلامي على قنوات التواصُل العالمي، مراسل يسألُ طفلاً فلسطينياً في غزة عما سيفعلُه عندما يكبر، فأجابه: «إحنا ما منكبَر، بيطخّونا اليهود ومنموت»...
غداً ستحاور إسرائيل هؤلاء!