بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 حزيران 2020 12:05ص غياب أقطاب مؤثرين عن الحوار مؤشر عن تفكك الإجماع الوطني حول الرئاسة الأولى

الحوار والإلغاء السياسي لا يلتقيان في اجتراح الحلول للأزمة المالية والإقتصادية

حجم الخط
منذ إطلاق الدعوات إلى الحوار، إن كان في المجلس النيابي أو في قصر بعبدا إثر الانقسامات السياسية التي عصفت بلبنان بعد ارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في شباط 2005، لم يرفض أي طرف سياسي خيار الحوار والجلوس إلى طاولة واحدة تجمع الحلفاء والخصوم السياسيين من دون استثناء.

وهكذا بعض محطات الحوار أصاب في تبريد السخونة السياسية وإرساء حدّ مقبول من التهدئة الظرفية وتخفيف منسوب الاحتقان الداخلي وحتى تسهيل تشكيل الحكومات، فيما اخفقت محطات أخرى في تحقيق الهدف المرجو منها، لا سيما تكريس سياسة النأي بالنفس والالتزام بإعلان بعبدا الذي تملّص منه «حزب الله» بعد ساعات من التفاهم حوله، فيما لم تحقق جولات الحوار أي تقدّم بخصوص ما سمي بالاستراتيجية الدفاعية حول سلاح «حزب الله» وبقيت هذه المسميات تتردد من دون أي ترجمة عملية على أرض الواقع.

الآن وبعد مضي ثلاث سنوات ونصف على ولاية الرئيس ميشال عون وإثر تفاعل الخلافات السياسية بعد استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري، بفعل التظاهرات الشعبية التي اجتاحت البلاد ضد الطبقة السياسية كلها وعودة الانقسام السياسي الذي تكرس بعد محاولة «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وحلفائهما الاستئثار بالسلطة وجنوح الفريق الرئاسي لممارسة سياسة الانتقام والالغاء السياسي من خلال الحملات المبرمجة لتزوير وتشويه إنجازات «الحريرية السياسية» وتحميلها مسؤولية الفشل الذريع الذي يتخبّط به العهد والحكومة معاً بعد خروج الرئيس الحريري من السلطة، حاول هذا الفريق إعادة احياء اللقاءات الحوارية في بعبدا لتحقيق هدفين أساسيين، الأوّل لإظهار الرئيس عون بأنه ما يزال جامعاً للبنانيين على كافة انتماءاتهم وتوجهاتهم ومرجعاً لهم، والثاني محاولة الحصول على تغطية وطنية شاملة للممارسات والأداء الفاشل للفريق الرئاسي والحكومة والتجاوزات الدستورية على اختلافها من كافة الأطراف اللبنانيين تلافياً لأي فشل محتمل بعد انكشاف هزالة خطة الانقاذ الاقتصادي ومضامينها البعيدة عن الواقع والمسؤولية.

محاولة الحوار للحصول على تغطية وطنية شاملة للممارسة والأداء الفاشل للفريق الرئاسي والحكومة والتجاوزات الدستورية على اختلافها

لم تحظَ محطة الحوار التي دعا إليها رئيس الجمهورية في أيّار الماضي لتغطية خطة الانقاذ الاقتصادي الهشة بتأييد وطني شامل بعدما تغيب عنها الأقطاب السنة وفي مقدمتهم الرئيس سعد الحريري، كما تغيب عنها رئيس تيّار «المردة» سليمان فرنجية أيضاً، اعتراضاً على سياسات العهد والحكومة، ما جعل هذه المحطة مجرّد لقاء بروتوكولي صرف فيما تكشّفت بعد أسابيع منه هزالة الخطة في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وحولت إلى لجنة المال النيابية لإعادة صياغتها وادخال التعديلات المطلوبة عليها وتوحيد الأرقام والرؤى والمعالجات المطلوبة لحل الأزمة المالية والاقتصادية.

وفيما لم تُبلسم تشوهات محطة الحوار المنقوصة في أيّار الماضي بعد، دعا رئيس الجمهورية وفريقه اللصيق إلى تنظيم لقاء حواري جديد يوم الخميس المقبل تحت عناوين وشعارات ومفردات تتعارض مع بعضها البعض أو لا تتطابق مع الواقع، ولكنها بمجملها ليست مقنعة ولا تصلح لتكون عنواناً مقبولاً لحوار على هذا المستوى بين الأقطاب والزعامات والمسؤولين على اختلافهم في هذا الظرف بالذات، لا سيما بعدما سبقتها بأيام معدودة سلسلة من الإجراءات والتعيينات التي استهدفت في ابعادها الامعان في أسلوب الالغاء السياسي للموظفين والمسؤولين في المواقع الوظيفية المالية المهمة والمحسوبين على «تيار المستقبل» وأكثر من ذلك الاسترسال في اتخاذ مزيد من الخطوات والإجراءات لتغيير النظام الاقتصادي الحر وتحويله تدريجياً باتجاه الاقتصاد الموجه خلافاً لإرادة وتوجهات معظم اللبنانيين، في حين زادت هذه الممارسات والإجراءات المحكومة بهاجس الكيدية والاقصاء والانتقام السياسي من تردي الوضع المالي والاقتصادي وزادت من منسوب الغضب الشعبي ضد سياسات وأسلوب العهد والحكومة بإدارة السلطة وفشلها في ممارسة مسؤولياتها بمعالجة الازمة المالية والاقتصادية التي تتفاعل يوماً بعد يوم عبئاً ثقيلاً على الوضع المعيشي للناس.

ولذلك، من الطبيعي أن لا تلقى دعوة رئيس الجمهورية الجديدة للحوار التجاوب المطلوب من الأطراف المستهدفين بإجراءات وممارسات العهد والحكومة، وتجابه بالرفض المطلق، لأن مفهوم الدعوة للحوار والتلاقي يهدف إلى تقريب وجهات النظر والتفاهم على قواسم مشتركة تساهم في تجاوز الانقسامات والخلافات على أنواعها وتؤدي إلى التوصّل لحل المشكلات على أنواعها.

ولكن ما يحصل من فريق العهد والحكومة وحلفائهما من تصعيد الوضع السياسي وتأجيج الخلافات السياسية على خلفية الفشل الفاضح في معالجة الأزمة الاقتصادية والمالية وتبني سياسة رمي المسؤولية بهذا الفشل على الخصوم السياسيين واستمرار الاجراءات الكيدية العمياء على كل صعيد، يساهم بتوسعة شقة الخلاف بدلاً من تضييقها، وزيادة منسوب الخصومة بدلاً من تبديدها، وهذا لا يصب في صالح تنظيم لقاء حواري جديد، ولا يُساعد في تحقيق إجماع وطني على الحلول والمعالجات المطروحة للأزمة، بل يؤدي إلى نتائج عكسية وتشتيت الجهود وبعثرة المواقف وزيادة حدة الأزمة المعيشية التي تضغط بقوة على المواطنين.