بيروت - لبنان

8 تشرين الثاني 2023 12:01ص فلسطين: شعبها - أرضها - سلطتها الشرعية.. أمانة في ضميرنا المهني الوطني

حجم الخط
إنّ القانون الدولي يعتبر أنّ للشعوب الأصيلة الحق المطلق في الحفاظ على مؤسساتها السياسية - الأمنية - القانونية - الاقتصادية - الإجتماعية - المالية - الثقافية وتعزيزها وفقاً للأطر القانونية وللدساتير الشرعية المعتمدة. وقد ورد في إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان الإسترشاد بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وإنطلاقاً من حُسن النيّة في الوفاء بالإلتزامات التي تقع على عاتق الدول وفقاً لأحكام الميثاق، حيث يؤكد المساواة بين كل الشعوب، كما يذكر الميثاق المُشار إليه الترحيب بتنظيم الشعوب الأصيلة أنفسها من أجل تحسين أوضاعها على المستويات السياسية - الاقتصادية - الاجتماعية الثقافية ومن أجل وضع حـــد لجميع أشكال التمييز والقمع حيثما وُجِدَتْ.
لقد ورد في المادة الربعة من هذا الميثاق ما حرفيته «للشعوب الأصيلة في ممارسة حقها في تقرير المصير، الحق في الإستقلال الذاتي أو الحكم الذاتي في المسائل المتصلة بشؤونها الداخلية والمحلية، وكذلك في سُبُلْ ووسائل تمويل مهام الحكم الذاتي التي تضطلع بها». من حقنا أنْ نقول للعالم أنّ لفلسطين حق مطلق على أرضها وفقًا لقرار الدولتين وهو حل مقترح للصراع العربي - الإسرائيلي وقد تمّ إقراره في مجلس الأمن، ويقوم هذا الحل على أساس دولتين جنباً إلى جنب وهما دولة إسرائيل ودولة فلسطين. وللتذكير لقد تمّ إتخاذ قرار في مجلس الأمن ذات الرقم 1397 بتاريخ 12 آذار 2002 وطالب المجلس بوضع حد لأعمال العنف التي وقعت بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني منذ بداية الإنتفاضة الثانية في أيلول من العام 2000، وهذا القرار تبنّاه مجلس الأمن يدعــو إلى إنهاء الصراع عبر حل الدولتين.
ورد في الكتب السماوية «إنّ الله يأمركمْ أن تؤّدوا الأمانات إلى أهلها»، والأمانة يجب أن تحفظ مهما بلغتْ التضحيات وسمتْ الشهادات ولا يجوز أن يغيب عن أذهان الجميع أنّ التمّسُك بالأمانة له أهمية كبيرة لدى الشعوب المشرقية العربية، وبمجرد ما يتمسّك المرء بالأمانة المناطة به فإنه حتماً يحفظ بنيان المجتمعات العربية المشرقية وينأى عن التصدُّعْ ويمّد هذا المجتمع بالخير والبحبوحة والحرية والديمقراطية الذي تسوده الحياة السياسية الحرّة الديمقراطية. فلسطين هي قبلة أنظار الجميع وفي قلبها يسكُن التاريخ الديني أنها أرض اليهود - أرض المسيحيين - أرض المُسلمين، ومن المعيب أن تعيش إنتكاسة التدخلات الخارجية التي تُسبِّب الحروب والقتل والدمار والفوضى والتشريد، وبالتالي عملاً بميثاق جامعة الدول العربية على كل دولة عربية أنْ تحيط فلسطين بالعناية والرعاية ودعم سلطتها الوطنية الشرعية وبذل الغالي والنفيس في سبيل إسترجاع قسمًا منها من براثن التدخل الخارجي الذي أضحى عبئاً على السلطة الفلسطينية وكل داعمٍ لها.
في معرض بحثي عن واقع الأمر في فلسطين وبعد إستشارة أكثر من مركز أبحاث عربي إقليمي، ومحلي ودولي لاحظت أنّ جميعهم تحدّثوا عن عمليتين وهما: الإنقسام والإستقطاب اللتان بلغتا ذروتهما في فلسطين، ولكن من خلال خبرتي المتواضعة في التاريخ النضالي للشعوب الأمر هو أعمق وأكثر حدّة بحيث غدا الإستقطاب أمراً لا يُطاق، ذلك أنّ الإنقسامات في أوساط الرأي العام الفلسطيني هو أمر بالنسبة إليَّ ليس بالمستغرب بل هو من تداعيات الإختلافات الطبيعية بين الأفكار النيِّرة والأفكار المستوردة المبنية على شذوذ القتل والدمار، وهذا ما أدّى إلى الكراهية التي أفضتْ إلى سحق القضية الأم الوطنية وإجتثاث كهذا ليس بالأمر الهيّنْ. ما يحصل على الساحة الفلسطينية حالياً هو بلوة الغريب وتدخّله السافل الذي يؤجج الصراع ووبائه انتشر بين أعداد كبيرة من الشعب الفلسطيني وغاب عقلاء القوم عن الساحة أو غُيِّبوا لا بل في الأحداث الحالية ظلوا أعداداً محدودة لا إمكانية لديهم للتحرك.
على ما يبدو وإستناداً لميثاق جامعة الدول العربية والغيّريّة العربية المشرقية وقبل القِّمة العربية المزمع إنعقادها في الحادي عشر من الشهر الجاري هناك مشهدان يتنازعان فلسطين، الأول يسعى إلى الإرتقاء به وإعلاء مكانته على سلّم الثقافة والحضارة تحت عنوان «الأرض مقابل السلام» وهذه المبادرة السعودية الكريمة طُرِحَتْ بصيغة عربية في مرتين ماضيتين وهي فكرة تبنّتها أغلبية الدول العربية بإعتبار أنها ستؤدي إلى طرح حل جذري للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وبالتالي يمنح القضية الفلسطينية حقها ويحقق للمنطقة أمل العيش بسلام بين أطرافها كافة تحت عنوان «السلام العادل» للجانبين معطوفاً على فوائد جمّة للجانبين منها السياسية والأمنية والاقتصادية والإجتماعية والثقافية... أما الثاني فيجهد في سبيل جرّ فلسطين بشعبها وسلطتها إلى الدرك الأسفل من السفالة والسفاهة وإغراقها في أتون الحرب والعصبيات والتخلُّف والقتل والدمار وأحضان الجهــل والجاهلية الفكرية.
بين المشهدين برزت أمامنا نافذة أمـل أمامنا ألا وهي الدعوة التي وجهتها «منظمة التعاون الإسلامي» لعقد قمة طارئة في العاصمة السعودية (الرياض) بناءً على دعوة المملكة العربية السعودية بصفتها رئيسة القمة، والهدف بحث موضوع الحرب في فلسطين وتداعياتها. من المؤكد أنّ القمة المُشار إليها بدعم المملكة العربية السعودية توّد تثبيت دعائم السلطة الفلسطينية ومؤسساتها الشرعية في مواجهة التحديات القائمة. وللأمانة فقد عقدنا Round table on the Palestinian issue وفي نهاية اللقاء صدرت التوصيات التالية وعلّها تعتمد في المشاورات وهي على الشكل التالي:
• وقف فوري لإطلاق النار يتم بعده تبادل الأسرى بين الطرفين.
• الطلب رسمياً من جامعة الدول العربية إصدار قرار عربي بمنع أي تدخّل في القضية الفلسطينية من أي جهة كانت.
• إحالة هذا القرار إلى مجلس الأمن بغية تبنّي مضمونه كقرار أممي خاص بقضية فلسطين.
• نشر قوات عربية مطعّمة بقوات دولية على طول الحدود بين قطاع غزّة ودولة إسرائيل.
• منع تهريب السلاح إلى داخل الأراضي الفلسطينية ومعاقبة كل مخالف عربياً ودولياً.
• الإلتزام الدولي بمنع تهجير أي مواطن فلسطيني مقيم في فلسطين لخارجها.
• مساعدة السلطة الفلسطينية بكل الوسائل السياسية - الأمنية - الإنمائية - الدبلوماسية للقيام بمهامها وفقاً للأصول.
• إعادة إعمار ما تهدّم خلال الحرب.
• معاقبة من كان السبب في هذه الحرب، أي الجهات الخارجية.
نأمــل أنّ تعزّز هذه الثوابتْ المُشار إليها في نجاح القمة المرتقبة والتي تعبِّرْ عن إرادة عربية - دولية في المحافظة والدفاع عن إرادة الشعب الفلسطيني الحر غير المُضلّل في الدفاع عن حقوقه وتحقيق الحرية والإستقلال ومن المؤكد أن يكون لها التأثير الكبير في تغيير مسار الأحداث وإعادة الحياة إلى السلطة الفلسطينية.