بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 نيسان 2023 12:16ص في وطني قادة رأي مقصّرين

حجم الخط
في وطني مسؤولون يتوّلون شؤوننا ويغامرون بمصيرنا يقبضون رواتبهم من خزينة نُغذّيها من عرق الجبين وهم يتّصفون بالعار السياسي يُماطلون ويُتاجرون بنا والأنكى أنّ أغلبية من هم في السدّة البرلمانية لا يعرفون معنى التشريع وإنّ شرّعوا في لحظة ما كان تشريعهم تمديداً لمواقفهم ولاستمراريتهم في الندوة النيابية التي باتت أشبه بعمارة مهجورة وبائدة مهدّدة بالسقوط.
في وطني نوّاب يعجزون عن إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، رئيس يُعيد للجمهورية رونقها، عجزهم فاضح وغير مقبول ولم نرَ مثله في كل دول العالم حتى الدول المحكومة بالدكتاتورية، نوّاب الصدفة فاقدي الأهلية وفاقدي الضمير الوطني وفاقدي الحس الوطني، تحكمهم التبعية لرئيس اللائحة ويُحيطون أنفسهم بهالة من العظمة، ولكن في الحقيقة هم مُجرّد دُمى خبرناهم بأعظمهم فقراء العقل والرؤية.
طلبت منّي إحدى البلديات إلقاء محاضرة عن مزايا النائب النشيط المؤمن بوطنه والغيور على المصلحة العامة وعلى تراب الوطن، بادئ الأمر استمهلتُ من راجعني علّه يُمِّل ويفتِّش عن غيري ولكن إصراره أحرجني خصوصاً عندما فاتحني أنّ الجيل المدرج على لوائح الشطب حالياً وهو جيل بأغلبيته «جيل مثقف يرث إرثاً ثقيلاً عن أولياء أمره ألا وهــو إرتهان الأهــل لبعض قادة الرأي المأجورين الذين تاجروا بالوطن وباعوا الكرامات ويتملّصون من المسؤولية علماً أنهم أعادوا طوعاً التجديد لهذه الطبقة السياسية الفاسدة التي ورّطتهم بهذا الآتون من الدمار والخراب على كافة المستويات...» مجرد أني سمعتُ هذا الكلام قبلتُ الدعوة وقررتُ إلقاء هذه المحاضرة.
من إلتقيتهم من الجيل الجديد أظهر لي حبّه للوطن وكرهه لكل متطاول على تراب الوطن ولكن الأغلبية منهم مُضلّلة غير مُلمّة بواقع الأمور، والمؤسف أنّ من درسوا القانون هم الفئة الأكثر تضليلاً وهناك إنفلات من القيود القانونية التي من المفترض أن تحكم العمل السياسي، وتُربِكْ كل أنماط الفكر القانوني عند هؤلاء التي من الممكن والمُستحسن الإعتماد عليها في حالة توجيههم نحو الخير العام لا التضليل الممنهج... ومن خلال هذه المحاضرة تكوّنت لديّ قناعة إنّ التضليل المُمارس على الأهل والموروث لدى النخبة وتداخل ذلك الأمر في عملية صنع القرار أي وهم وتعمية الحقائق بات مسيطراً على مجمل هؤلاء الشباب الذي تحكمه منظومة سياسية فاسدة من فبركة خطب وتزييف حقائق وأحداث وتركيب ملفات بإتباع نماذج التهويل والمبالغة والتحوير والتكتّم عن الحقائق... كل ذلك أثرِّ تأثيراً كبيراً في عقول من يحملون الاختصاص القانوني وتفاقم إندثار سلطة القضاء التي من المفترض أن تكون البوّابة الرئيسية في الشكل الرقابي يُمكِّن هؤلاء من التحكّم في اللعبة السياسية والسيطرة على الوضع القائم بالطرق القانونية. إنّ ما خبرته في هذا اللقاء إنّ هناك عملية تشويش شديدة القوة ومؤثرة لدى الرأي العام والتي هي في الواقع صاحبة مهمّة تضليل هؤلاء الخرّجين في حقل القانون والحد من إمكانية ملاحظتهم هذا الكم من المغالطات التي ينتهجها قادة الرأي في لبنان.
طبيعي أنْ يستخدم ساسة لبنان معادلة التلاعب بالرأي العام وخصوصاً فئة المثقفين ولا سيّما في وقت الأزمات وتحديداً حينما يعملون بكل ما أوتوا من فرص لتطويع الشعب لخدمة أغراضهم الخاصة وعملياً يطرحون أفكاراً وتوجهات تتناقض مع الحقائق الموجودة على أرض الواقع وهذا يعني في علم السياسة أنهم يعتمدون مبدأ «سائسي عقول» وهذا يعني أنّ منظومتهم المتبّعة ترمي عمداً إلى خلق معانٍ زائفة وإلى إنتاج رأي عام لا يمكنه إستيعاب إرادياً الشروط الفعلية لأي منظومة سياسية يحكمها المنطق المستندة إلى مبادئ علم السياسة وهي فعلياً وعملياً أفكار مضلِّلة يحكمها العقل العاق.
في وطني قادة رأي مقصّرين وعملياً مكوّنات الرأي العام فقدت الثقة معهم بمناقشة الآراء والفصل بين الرأي السليم وتجريم أصحاب الفكر العاق، وبعد أن إطمئّن هؤلاء الساسة على قدرتهم على سحق الحق وكان آخر هذا الأمر ضرب الديمقراطية من خلال التمديد للمجالس البلدية والاختيارية وتزامن هذا الأمر بحالة شغور في مختلف إدارات الدولة بما فيها رئاسة الجمهورية وذلك الأمر يتزامن مع حالة عجز غير منطقية ممارسة من قبل سلطتين روحية وزمنية عجزتا عن تصويب الأمور للصالح العام.
نحن بحاجة لمعركة الكرامة وهي المدخل الصحيح والسليم لأن تكون وقود التغيير الجذري... كفانا إستراتيجيات تضليل تقوم على الإلهاء وتحويل الإنتباه ومصادرة القرار الحر وفرض الوصاية على الناس وإبتكار المشاكل، ولن نقبل بعد اليوم أن يحكمنا في وطننا قادة رأي مقصّرين وأن يشعروا بلذّة إنتصارهم التضليلي.

* كاتب وباحث سياسي