بيروت - لبنان

16 أيلول 2023 12:00ص قـراءة دستورية في الإستحقاق الرئاسي

حجم الخط
السّادة المقامات الدينية - السّادة شرفاء الجمهورية اللبنانية، في الأنظمة الديمقراطية تعمد السلطات إلى العمل بموجب نص دستوري بإنتظام، ويُعزى ذلك إستناداً لمبادئ «العلوم السياسية» إلى مجموعة متنوّعة من الأسباب، فعلى سبيل المثال تحديد الآلية الدستورية - القانونية لإنتظام المؤسسات الرسمية، وطريقة توزيع السلطة السياسية على أمل أن يكون هناك ممارسة لمنظومة سياسية وفقاً لمندرجات الدستور المعتمد... وممارسة فعلية للدستور تقتضي بلورة رؤية بشأن كيفية المُضيّْ في ممارسة هذه المنظومة السياسية المنتهجة من قبل السلطات القائمة وفقاً للنظام الديمقراطي، إنّ العنصر الرئيسي في أي ممارسة سياسية عليها أن تقترن بتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية وإحترامها وحمايتها، وهذه أمــور أيُّها السّادة الأجلاّء غير متوفرة حالياً في لبنان لا بل على مدى السنوات الماضية.
السّادة المقامات الدينية - السّادة شرفاء الجمهورية اللبنانية، أتوخى من خلال مقالتي هذه تقديم «شبه مشورة» من مواطن متخصص في «العلوم السياسية» وبكوني أحد المناضلين إذا جاز التعبير وله خبرة في التعاطي بالشأن العام منذ 1987 ولغاية اليوم، والغاية من هذه المقالة تقديم «المشورة» لأصحاب الشأن رجال دين وساسة في مجال تطبيق الدستور اللبناني وفي مجال حقوق المواطن اللبناني عندما يأتي إستحقاق ما كاستحقاق «إنتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية»، والذي هو على ما يبدو موضع خلاف بين مجموعات سياسية متناحــرة تُطلق على نفسها صفة «نائب». لا أستعمل فِعْل «تطلق» بلغة التهكُّم إنما أستند إلى دلائل حسيّة أثبتتها التجارب السابقة والحاضرة وأذكر منها على سبيل المثال: الإنتخابات النيابية التي شابها الكثير من الشوائب والتي فنّدتها لجنة الرقابة على الإنتخابات إضافةً إلى العديد من الدراسات التي أشارت وتُشير إلى العديد من الشوائب، كما إضافة عامـل جد رئيسي ألا وهـــو المقاطعة التي بلغت ما يُقارب الـ 59% من إجمالي الناخبين في حينه. على ما أعتقد وهذا إعتقاد شخصي أنّ «المشورة» ربما ستفيد المعنيين والمتابعين للشأن العام ومهما كانتْ وظائفهم دينية - سياسية - فكرية - إجتماعية - حزبية، بما في ذلك صنّاع السياسات والمُشرِّعـون والمكلّفون بصياغة ودراسة الأوضاع السياسية العامة في البلاد وتحديداً «الإستحقاق الرئاسي الحالي»، على أمـل أنْ تُساعد هذه المقالة نوعاً ما على تقييم العمليات التي تُستخدم لهذا الإستحقاق سواء أكان على مستوى الدول الخمس المعنية بحل هذه الأزمة، أو الراغبين في تسهيل هذا الموضوع تسهيلاً مع المعايير الإجرائية وفقاً للنص الدستوري.
السّادة المقامات الدينية - السّادة شرفاء الجمهورية اللبنانية، المقاربة الحالية للإستحقاق الرئاسي والتي نطّلع عليها بالتواتر من قبل بعض المراجع المعنية بمنهجية رسمية، هل هذه المقاربة تضمن للدستور حيويته روحاً ونصاً؟ وهل هي تضمن حقوق الشعب اللبناني؟ وهل ستتصرف السلطة التي ستوكل إليها مهام رئاسة الجمهورية وفقاً للدستور؟ هذه الأسئلة من أكثر الأسئلة التي نطرحها في كل الاجتماعات عند قياس الحالة التي نستعرضها وتعكس المكانة المركزية التي سيحتلها هذا النظام المنشود!! في حياة الشعب اللبناني. كما يجب أن تستند معظم الطروحات إلى هيكل تنظيمي هرمي من المواد الدستورية، ويتعيّن أن تكون جميع الإدارات المنوي تشكيلها متوافقة مع الدستور وليس مع المشاريع الشخصية وذات المصالح الإقليمية - الدولية... كما في حالة إذا ما اعتمدت هذه الطروحات تسويات أو إجراءات تتعارض مع الدستور ينبغي عندئذٍ أن تتحمّله السلطة الداعمة لهذا المسار سواء أكانت روحية مسيحية أو روحية إسلامية أو سلطة علمانية، وهل ستعتبر الأمر باطلاً أو لاغياً في تلك الحالة؟!
السّادة المقامات الدينية - السّادة شرفاء الجمهورية اللبنانية، توجـد في صلب الدستور اللبناني في الفصل الرابع منه - السلطة الإجرائية - أولاً، إنتخاب رئيس الجمهورية - المواد 49 - 50 - 51 - 52 - 53 - 54 - 55 - 56 - 57 - 58 - 59 - 60 - 61 - 62 - 63، بالإشارة للمواد إنّ التعديل الدستوري الذي حصل في العام 1990 أدّى عملياً إلى خلل واضح في التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لا بل إلى حصول خلل واضح في إطار ممارسة السلطة التنفيذية بحد ذاتها، وتأثير ذلك على الصلاحيات التي أنيطتْ برئيس الجمهورية والتي أضعفت دوره كحكم وكضامن وكحامي للدستور سنداً للمادة 46 المُشار إليها في سياق النص، وبذلك أصبح رئيس الجمهورية اللبنانية غير متمتِّع بالوسائل الدستورية اللازمة لتأمين الدور المناط به دستورياً، ولا حاجة لتذكير القارئ الكريم والمعنيين بعدم وجود نص صريح يُلزم رئيس الحكومة والوزراء بتوقيع المراسيم ضمن مهل محددة في ظل إلزام الدستور رئيس الجمهورية بالتوقيع ضمن مهلة محددة، كما لا حاجة للتذكير بموضوع تطبيق المواد: 65 - 57 - 58 من الدستور وسياسة الإعتكاف التي كانتْ تُمارس...
السّادة المقامات الدينية - السّادة شرفاء الجمهورية اللبنانية، نص المادة 73 واضح «قبل موعـد إنتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناءً على دعوة من رئيسه لإنتخاب الرئيس الجديد، وإذا لمْ يُدعَ المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حُكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجــل إنتهاء ولاية الرئيس». في سياق هذه المادة النوّاب مُلزمون بإنتخاب رئيس جديد للجمهورية ولكن الوقائع الحالية تؤشر إلى عدم قيامهم بهذا الأمر وهذا الموضوع طرح أكثر من إشكالية بحالة فراغ سدّة الرئاسة، على ما يبدو وفي ضوء عدم التوافق على موضوع الإنتخاب الإحتمال السائد والجاري تكرار المشهد أي حالة فراغ مع حكومة تسيِّر الأعمال وهذا هو أبغض الحلال.
السّادة المقامات الدينية - السّادة شرفاء الجمهورية اللبنانية، بما أننا وصلنا إلى حالة الفراغ والتعنّت الذي يُقابله تعنّتاً آخراً وتزامناً مع فشل المساعي المحلية - الإقليمية - الدولية لإيجاد صيغة توافقية لإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، أسعى من خلال هذه الدراسة لطرح فكرة قد تكون المدخل لحلحلة عقدة الرئاسة تنطلق من ثوابت أساسية على المعنيين (السلطات المحلية - الموفدون الإقليميّون - الموفدون الدوليّون)، وإنطلاقاً من خبرتنا وممارستنا العمل النضالي نرى لِزاماً على الباحثين والناشطين الإستفادة من تجارب سابقة من أجل إيجاد بعض المخارج للأزمات لأنّ في ذلك مصلحة للجمهورية ولمؤسساتها الشرعية المدنية والعسكرية وللشعب وهناك هوامش للأبحاث غنيّة وينبغي في حالة اعتمادها الإستفادة منها من أجل جعل هذا الموضوع أكثر قدرة على حلحلته. ووفقاً لنص الدستور وإستناداً لفقرة: رئيس مجلس الوزراء المادة 64، وإستناداً لفقرة: مجلس الوزراء المواد: 65 - 66، وبما أنّ رئيس الجمهورية باتَ مقيّداً بالمواد الدستورية المُشار إليها أعلاه بات لزاماً على الباحثين في حلحلة هذا الموضوع التفتيش عن صيغة مفادها منظومة سياسية متكاملة وغير مجتزأة كاملة الأوصاف ترتكز على إنتخاب رئيس جديد ومع إتفاق مسبق على إسم رئيس الحكومة والوزراء وكل التعيينات بشرط عدم الإخلال بمضامين بنودها على أمل أن تحمل مشروعاً وطنياً إنقاذياً يحمي الدولة ومؤسساتها حصراً لا حماية لأفراد أو لمجموعات وبذلك نكون قد دخلنا مرحلياً باب المعالجات من الأبواب الدستورية لا السياسية، والله وليّ التوفيق، ولكم منّا كامــل الإحترام والتقدير.