بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 تشرين الثاني 2023 12:01ص كفى صراعات وقتل وحروب.. ضروسة إتقـوا الله

حجم الخط
يعتبر علم الإجتماع أنّ النزاعات المُسلّحة والحــروب وتغذيتها لا تــزال تُسبِّب الأذيّة للشعوب ناهيك عن الخسائـر البشرية والخسائر في الممتلكات وضرب الاقتصاد للدول المتصارعة، إضافةً إلى عوامل النزوح للشعوب المستهدفة على نطاق واسع هرباً من آلة دمار لا ترحــم وعقــول عفنة مقيتة. للأسف النزاع المُسلّح الحاصل اليوم بين مجموعة من الفلسطينيين تتزعمهم حركة حماس المنشّقة عن السلطة الشرعية الفلسطينية ودولة إسرائيل إضافةً إلى ذلك وعلى ما يبدو هناك إنخراط خفّي لأطراف طامحة للعب دور محوري في منطقة الشرق الأوسط، وقد ألحق هذا التدخّل المُجَهَّــل من قبل أطراف إقليمية ودولية الضرر بقسم كبير من قطاع غزّة بما في ذلك قتلاً وتشريداً وضرباً للبُنى التحتيّة والمُصابين والمُشوّهين والأسرى والإساءة إلى الطواقم الطبيّة والمستشفيات وهذا الأمر يُعّد خرقاً فاضحاً لنص المادة 18 من إتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1948 «لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء، وعلى أطراف النزاع إحترامها وحمايتها في جميع الأوقات». إضافةً إلى ذلك وللتأكيد فإنّ القانون الدولي يوفر حماية عامة وخاصة للمواقع المدنية وذلك في إتفاقية جنيف الرابعة كما أسلفت، إضافة إلى البروتوكولين الأول والثاني لإتفاقيات جنيف 1977 وإتفاقية لاهاي 1954، وتشمل المواقع المدنية كلا من المنازل والمدارس والجامعات والمستشفيات ودور العبادة وغيرها من المنشآت المحمية بموجب القانون. وللتذكير ففي العام 1970 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار /2675/ الذي ينص على «إنً منطقة المستشفى أو أي ملجأ مماثل لا ينبغي أن تكون هدفاً للعمليات العسكرية» حيث لا يسمح أبداً بالهجمات العشوائية أو المستهدفة على المستشفيات والوحدات الطبيّة والعاملين الطبيين الذين يعملون بصفة إنسانية. إنّ كلا الطرفين بفعلهما هذا أي الطرف الأول وأقصد حركة حماس تحتمي بالمستشفيات وغيرها من الدور وتمارس أعمال حربية، كما الطرف الثاني يقصف الأماكن المحرّمة، وهذان الفعلان يعتبران جريمة حرب بمقتضى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
هذا النزاع القائم منذ سنين قتل وشوّه ويتّمَ وإختطف العديد من الأبرياء من كلا الطرفين كما في الحالة الحاضرة إنحرم الطرفان من الأمن والطمأنينة والتعليم والرعاية الصحيّة وتُركا ليعانوا آثار جروح نفسية عميقة لا يمكن معالجتها في حالة الهيجان هذه. للأمانة يحمل هذا الصراع عنوان واحد يختصر كل هذه المعاناة ألا وهـو الصراع الديمغرافي – السياسي، وإستناداً لعلم الإجتماع الديمغرافيا تشكّل مقوماً جوهرياً في صياغة أي حركة سياسية وبالتالي فإنها تسهّل تحقيق المشاريع السياسية التي تنحو فعلياً نحو ما يُعرف بـ«تعديل الجغرافيا السياسية» في البلدين المعنيين أي دولة إسرائيل ودولة فلسطين هذا هو عنوان الصراع. إنّ الديمغرافيا الفلسطينية بالنسبة للديمغرافيا اليهودية حتماً تفضي إلى واقع سياسي أقل ما يُقال فيه على المدى المنظور إنه كارثي النتائج وحتى على مستويات متعددة ولا سيّما في ظل تكاثر الولادات عن الفلسطينيين وقلّتها لدى اليهود. إنّ النزاع القائم اليوم يأخذ أكثر من بُعْد وهو يتناول مدى أهمية التحليل الديمغرافي في مقاربة المسألة السياسية العالقة بين الطرفين والديمغرافيا الفلسطينية لها العديد من العناصر القوية كما التنوّع الديني والعرقي والإتني والمذهبي. لذلك بعد أن راجعنا أكثر من مركز أبحاث على مستوى لبنان وبعض الدول الإقليمية العربية والدول الأجنبية كانتْ الأجوبة من الأفضل وضع أطُر وأسُس لعلاقة متينة بين الجانبين لا يشوبها شائبة أي إلغاء أي حالة عصبية تجعل الإرتباط بعنوان أو شعار، يلغيان التنوّع المنشود.
أمام المخاطــر المحدقة حالياً وإستعار الحرب وتدمير قطاع غزّة بات من اللازم إطلاق خطة إستراتيجية من مفهوم تدخل دولي - إقليمي لحل هذا النزاع الدموي القائم حيث من المفترض أن يتم تناول كل التحديات والمخاطر على تنوّعها بأبعادها الصلحية الشمولية حماية للشعب المُستهدف إضافة إلى توفير ضمانات وآليات للتكامل بين مبادرة العام 2000 التي أطلقتها المملكة العربية السعودية ومساعدة السلطة الفلسطينية الشرعية ضمن نظامها الديمقراطي السياسي.
سؤال يطرح نفسه أين نحن كأعضاء في جامعة الدول العربية؟  هل نحن موّحدين بإتجاه رأي واحد لإعادة الإعتبار للسلطة الفلسطينية القائمة على إتفاقية أوسلو؟ هل نحن نرضى بالتدخل الخارجي في قضية فلسطين وتشتيت الشعب الفلسطيني وعسكرته خلافًا للأصول وتأطيره ضمن نظام ميليشياوي لا يُعير أي إهتمام للقيم الأخلاقية والوطنية؟! هناك العديد من الأسئلة ونقاط البحث إضافةً إلى التهديدات التي يُطلقها الجانبان والتي أسفرت وتُسْفِر عن القتل والدمار، والنهاية نحن أمام أمر واقع ميؤوس منه وأطفال يُقتلون ودول تتبرأ من دم هذا الصدّيق. عملياً بعد أحداث 7 تشرين ظهر جلياً حجم التدخل الدولي - الإقليمي - المحلي على المسرح السياسي الفلسطيني في قطاع غزة وها إنّ النزاع والعنف يتصاعدان حالياً وتغذّي هذا الصراع عناصر فاعلة في قطاع غزة وفي أغلبيتها عناصر مضللة مركبة ضمن ميليشيات لا تعرف إلاّ الإجرام وهي برّاء من القضية الأم، ولو كانتْ صادقة في مطالبها هل كانتْ لتقبل بما يحصل حاليًا من دمار وقتل وتشريد؟!
إنّ أفضل طريقة لحل هذا النزاع الدموي إعتماد خمس قواعد رئيسية تبدأ: أولا - بالتفاوض وأشكاله وشروطه، ثانياً - الوساطة الإقليمية/ الدولية، ثالثًا - الشروط الأساسية لتسوية هذا النزاع، رابعاً - التوفيق بين كلا الطرفين برعاية عربية ودولية، خامساً - إعتماد مبادئ القانون الدولي.
وفقًا لرأينا وخبرتنا المتواضعة في تنمية الدول تشمل عملية الوساطة من ضمن حل بديل عن الحرب التوفيق والتفاوض والقانون العربي التعاوني، وإنّ الهدف من الحـل المنشود للنزاع هو توفير بلد للأطراف للتفاوض على إتفاق طوعي توافقي بدلا من وجود حالات حرب وقتل ودمار. إنّ قدرة الطرفين المتناحرين على حـل هذا النزاع خارج التدخلات والإجراءات التي أوصلت إلى الحرب هي ميزة مشتركة بين جميع تقنيات الطرق الدبلوماسية البديلة لتسوية هذا النزاع.
لنجاح عملية التفاوض نقترح طرف ثالث يُشجّع هذا الإتفاق ويرعاه وعلى سبيل المثال إنّ الطرف الثالث وبقدراته العربية والدبلوماسية حتمًا هو قــادر على المساعدة والتدخل لمساعدة طرفي النزاع في التوصل إلى حل وأعني بالطرف الثالث المملكة العربية السعودية لأن لها دوراً مهماً في عملية التفاوض وموقفها ملزم للطرفين في التوفيق والوصول إلى حل، وللبحث صلة.

* كاتب وباحث سياسي