بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 آب 2023 12:00ص كي لا تتكرّر مأساة لبنان

حجم الخط
هذه المقالة تُشكّل مقدمة وتقديم لسلسلة مقالات قررت أن أكتبها للضرورة وكنت أُعِّدُها أصلاً كي تكون جزءاً من نواة كتاب قيد الإعداد بعنوان «من اليسار العربي إلى القوات اللبنانية وما بعدهما». غير أن التطورات المتسارعة على المستويات الدولية والإقليمية والداخلية وخشيتي المبررة من عودة مأساة مصادرة ثورة الأرز بعيد دحر الاحتلال السوري، من قبل «قيادات»، ليست مارقة بالصدفة بل هي وليدة تركيبة إجتماعية-سياسية متخلّفة، حفّذتني لكتابتها تداركاً لما قد يحصل لما بعد رفع الاحتلال الإيراني عن لبنان من إنقضاد متجدد لهذه القيادات-الكواسر على هوايتها المفضّلة، ألا وهي الصراع من أجل السلطة أو بالأحرى التسلّط. وقد زادها سوءاً تَمّثُلِها بغرب فَقدَ قِيَمه مؤخراً ويمارس عكسها وتَطّبُعِها المستدام بقيادات شرقية وعربية متوحشة إلى حد إعتبار هذه الأخيرة نموذجاً يقتضى به لممارسة السلطة والحفاظ عليها.
مّر على 14 آذار 2005 أكثر من 18 سنة، والمؤسف، ولكن من الطبيعي أيضاً، أن نرى بالتالي اليوم بعض القوى والشخصيات تتحضر لإرتكاب نفس الأخطاء والخطايا الإستراتيجية التي أوصلت لبنان ألى المأساة التي يعيشها، غير آبهة و/أم غير راغبة بأخذ العبر من ظروف الماضي القريب، ورافضة ضمنياً أن تجري النقد الذاتي الضروري والنظر بعمق إلى المعضلات الأساسية التي تواجه لبنان، أكان بما يخص خصوصية الإحتلال الإيراني أو التركيبة الإجتماعية-السياسية للمجتمع اللبناني بما يتخطى النظرة التقليدية القاصرة المرتكزة حصراً على تعدديته الطوائفية والمذهبية والثقافية.
فإنطلاقاً من مشاركتي الفّعالة في المسار الذي أوصل إلى لحظة 14 آذار وإنطلاقاً من معرفتي المعمّقة الشخصية باللاعبين كافة، كوني اختبرتهم كلاعب في ظروف قصوية، كما من معرفتي بما كان يدور ويجري في الإجتماعات العامة والخاصة، إرتأيت اليوم أن أتحدث عن تلك الأخطاء والخطايا بكل شفافية ودون مراعاة أحد وأن أذّكر بها، ذلك أن المرء مفطور على الغرق في آنيات الحدث وعدم تذّكر الماضي وعلى أخذ مواقف هذا الطرف أو ذاك كأنها حقيقة واقعة، دون النظر بصدقيتها وبتاريخ وماهية من يُطلقها.
فـ«الكلام للرعية ليس هو ذاته للخورية». و«ليس كل ما يلمع هو ذهبا».
فسياسة من هيمن على قرار 14 آذار أوصلت لبنان إلى الترنّح بين الحياة والموت ولم تكن الظروف الموضوعية هي التي أنتجت هذه الحالة المأساوية ولم يكن قدراً محتوماً أن يصل لبنان إليها، إنما هو نتاج تلك الأخطاء والخطايا الإستراتيجية المتتالية، وعددها عشرة، سوف نفصّلها فيما يلي ونفرد لها مقالة كاملة فيما اقتضى الأمر:
1) طريقة تعاطي غالبية أعضاء لقاء قرنة شهوان مع تغّول الجنرال ميشال عون وتعطشه للسلطة.
2) تحوّل «قرنة شهوان» إلى «قرنة الشهوات» قبيل الإنتخابات النيابية عام 2005، والتسليم بقانون غازي كنعان لإجراء إنتخابات أيار 2005 في وقتها المحدّد on time.
3) تعطيل الشق المتعلق بتسليم سلاح الميليشيات في القرار 1559 بحجة الحفاظ على العيش المشترك وبناءً على «خطأ بالتقدير»، مختصره «أن ثمة وجهاً لبنانياً لحزب الله يمكن المراهنة عليه». وكان الهدف الحقيقي لهذا التعطيل التوصل إلى عقد الإتفاق الرباعي بهدف «إمساك القوى السيادية» بزمام السلطة في الدولة المحررة للتو من الإحتلال السوري.
4) الإتفاق الرباعي وتداعياته الخطيرة السياسية والأمنية. فهذا الإتفاق أوصل إلى تشكيل حكومات المساكنة وعدم إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية المورثة من الحقبة السورية وإلى الاغتيالات بالجملة.
5) الحوار حول «الإستراتيجية الدفاعية» التي هي بالأصل مطلب لحزب الله ظهر لأول مرة بـ«ورقة تفاهم مار مخايل» بين هذا حزب والتيار الوطني الحر في 6 شباط 2006.
6) القرارات المتهوّرة لحكومة السنيورة في أيار 2008 التي أدّت إلى تغيير أساسي في ميزان القوى في لبنان لمصلحة حزب الله ما لبث أن تكرّس في «إتفاق الدوحة».
7) تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى، وكانت «حكومة مساكنة» رافقت تبرئة نظام الأسد من دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وشهدت السير على درب سياسة الـ«س-س».
8) طريقة التعامل مع الثورة السورية وتداعياتها السلبية، وأهمها حركة تنقل السلاح والمقاتلين ذهاباً وإياباً من سوريا وإليها، وفتح باب النزوح السوري إلى لبنان على مصراعيه.
9) العودة إلى المساكنة الحكومية (حكومة تمام سلام) بعد إغتيال د. محمد شطح.
10) «إتفاق معراب».
بعد استعراض النقاط العشر بمقالات متتالية، أخصص مقالة للإسترشاد بتجربة الرئيس فؤاد شهاب لما لها من علاقة بمحاربة الطبقة السياسية المارقة الفاسدة. أما المقالة ما قبل الأخيرة، فأخصصها لإستخراج العِبَر مما تقدّم وأنهي السلسلة بمقالة يتم فيها تقديم خريطة طريق لخلاص لبنان، لطالما سعيت جاهداً، دون نتيجة حتى اللحظة، إلى تبنّيها من قبل قوى وشخصيات اعتبرها صادقة، وذلك بهدف خلق تجمع وازن إلى حد ما، يعمل على تظهير حالة لبنانية فعلاً «سيادية-تغييرية» تلاقي الخارج في لحظة دولية-إقليمية مؤاتية قد لا يطول إنتظارها، لكي يَنفُذ لبنان بخلاصه وبشكل مستدام هذه المرة، متخلصاً ليس فقط من الإحتلال الإيراني، إنما أيضاً من الطبقة السياسية المارقة القاتلة الفاسدة من خلال معالجة العطب التكويني للاجتماع اللبناني.
كلا! لم ولن أيأس! سوف أُكمل المسيرة حتى خلاص لبنان من الاحتلال الإيراني ومن إمكانية عودة احتلالات أخرى، وذلك من خلال تحصين لبنان بمعالجة المرض وليس عوارضه فقط.