بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 حزيران 2023 12:00ص لا تحْمِلــوا موضوع الإستحقاق الرئاسي إلى عواصم القرار في نعش تُدفن فيه جميع الحقائق

حجم الخط
بات معلوماً أنّ الوضع السياسي العام في لبنان خطير للغاية بعد مرور فترة من ممارسة العمل السياسي بطريقة أقل ما يُقال عنها أنها «سياسة غير مسؤولة» وهذا الوضع يتزامن مع منظومة سياسية قائمة على الفساد الخُلُقي والإنحدار الأخلاقي والفساد وعدم الإلتزام بإصلاحات مطلوبة إنْ لم نقُل أنّ الساسة أخفقوا في معالجة كل المعضلات المتأتية من سياسات ينتهجونها خلافاً للنظريات السياسية والتي هي السبب على ما يبدو بهذا الإنحدار الذي سيُسبّب إندثار الجمهورية والتي هي باتت على ما يوّصفها بعض المتابعين من الدبلوماسيين بـ«أنها خطيرة للغاية» وهي على مفترق طرق قد تؤدي إلى ذوبان لبنان عن الخريطة السياسية في المنطقة.
من المؤسف أنّ الجمهورية اللبنانية أحيّوها على أنقاض ميليشيات الأحزاب ، ومن الصعب أن تتحوّل هذه التنظيمات الميليشياوية إلى مجموعة ناشطين سلميين حيث من الصعوبة بمكان أن تتحوّل من حامل سلاح إلى رجل سلم وأكثر من ذلك تنعدم الشروط الضرورية لإستدامة أي عملية سلمية طالما هناك ذهنية ميليشياوية تتحكم بالدولة والتي تبدأ من المؤسسة الأكثر أهمية ألا وهي «مجلس النواب» وإنتقالاً إلى السلطات الإجرائية - القضائية - التنفيذية، وكل هذه السلطات مبادئها تتنافى والأساليب الميليشياوية التي حكمت لبنان منذ العام 75 وتوّجتْ بإتفاق الطائف ومن ثمّ أعيد إحيائها بعد العام 2005 وكانت ذروة الفساد وسياسة المحاصصة والتقاسم وسرقة المال العام وسادتْ الزبائنية والطائفية والمذهبية.
الحقيقة يجب أن تُقال إنّ السياسيين في لبنان خرّيجي الميليشيات نادراً ما يتفقون مع بعضهم البعض وهذه ظاهرة معروفة إلّا أنهم إتفقوا على تشريع قانون إنتخابي على قياسهم سمح لهم بالسطو على أعظم مؤسسة تشريعية دستورية وقد صح فيهم قول المثل «إتفقوا فقط على الإختلاف والمحاصصة». إنّ آرائهم المتباينة تنعكس سلباً وبشكل طبيعي في كل المواضيع التي تطرح ومنها على سبيل المثال «موضوع الإستحقاق الرئاسي»، وتتجلّى هذه الإختلافات في مقاربة هذا الإستحقاق والحلول التي يقدّمونها وهي حتماً تأتي على قياس مصالحهم أي تكبيل مقام رئاسة الجمهورية من خلال رئاسة الحكومة والآلية التي يريدون من خلالها تشكيل هذه الحكومة ونوعية وطبيعة الوزراء... لا شكّ أنّ البُنية التحتية لطبيعة هؤلاء الساسة تؤثر أيضاً على الرأي العام المُصادر لصالحهم لهذا السبب فشلتْ كل المقاربات التي من المفترض أن تأتي ببرنامج رئاسي لا برئيس دُمية بيد أمراء الحرب.
لهذا السبب وإيماناً منّا كباحثين في الشؤون السياسية وما يتفرّع منها من علم لا ينبغي ترك الإختيارات السياسية للسياسيين الحاليين وحدهم، ومن المفترض أن تتم محاسبتهم ومن الطبيعي الإرتكاز إلى بعض ما يُنشر من دراسات تصدر عن مراكز أبحاث دولية وعربية والملفت أنّ هناك لوائح معينة تتضمن وجوه سياسية لبنانية أخفقت في ممارسة العمل السياسي وكانت السبب المباشر في تكوين هذه الأزمات السياسية - الأمنية - الإقتصادية - المالية - الإجتماعية - الصحية... وكلها أزمات أهلكت اللبنانيين وأوصلتهم إلى حالة اليأس والهجرة والبطالة المزمنة. في مثل هذه الحالات المطلوب من الذين يحملون هموم القضية اللبنانية ألّا يضعوها في نعوش ويدفنون حقائقها وبالتالي على المُبادرين سواء أكانوا رجال دين أو علمانيين أن يعطوا الأولوية لتشجيع الشرفاء والأحرار والمثقفين للظهور ومسك زمام الأمور لأنّ المطلوب نموّا في السياسة الشريفة.
كباحث في الشؤون السياسية وإستناداً إلى العديد من الأبحاث التي تنظُر في أوضاع الدول المتخلفة تجري العادة أن يكون للنخب دور محوري وطليعي في صناعة القرار السياسي السليم وإحداث تغيير ما وأحقية قيادة الشعوب، ومن الملاحظ أنّ ما توفّر من دراسات لم تأتِ على ذكر قادة أو زعماء ميليشيات. في لبنان لم يكن السلم إصلاحياً لأنه قام على إرادة ميليشياوية وسجلها وأداؤها لا يبحثان على التفاؤل والأدلة أكثر من أن تُحصى.
نَجَمَ عن أداء أمراء الحرب وضع غريب يمسك به العديد منهم وعلى ما يبدو مفتوح على إحتمالات وخيمة عديدة ومتشعبّة، خاصة وأنّ الأداء سيئ للغاية وأطراف هذا النظام يسعون إلى إفشال أي مسعى أو تعطيله أو الإنحراف به عن مساره... وهذه المساعي الشيطانية كثيرة وخبيثة لا بل منظّمة وأثبتت نجاعتها خاصة بعد أن إستأسد جميع الميليشياويين على تعطيل موضوع إنتخاب رئيس للجمهورية.
إنّ علم السياسة وبكل مبادئه لا يفترض جماعة تتخدّر بنشوة نصر ما وغرق البعض من الذين يُحاولون مقاربة كل المواضيع بما فيها الإستحقاق الرئاسي في قضايا نظرية وإجرائية ومعارك جانبية وأخطر ما في الأمر مؤشرات على بروز عراقيل يضعها أمراء الحرب في الداخل وفي عواصم القرار. للذين يسعون إلى مقاربة الإستحقاق الرئاسي من فضلكم قاربوه بالعلم وبمبادئ العلوم السياسية إنّ القضية تستأهل أن تُحمل على الأكُف الطاهرة لا أن نضعها في نعوش تُدفن فيها الحقائق.

* كاتب وباحث سياسي