بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 أيار 2024 12:00ص مشاكل الداخل ووقاحة الخارج

حجم الخط
حبيب البستاني

مع تزايد الحديث عن الحلول القادمة للمشاكل المزمنة التي يعاني منها البلد وعلى رأسها معضلة انتخاب رئيس للجمهورية، تتزايد موجة الرياح الحارة القادمة من البوابة الجنوبية، وتتكاثر معها التهديدات الإسرائيلية مع توسّع الغارات لتشمل كل الجنوب وصولاً إلى عمق البقاع.
لقد شكّل غياب رئيس الجمهورية أزمة ليس فقط على مستوى الحكم إنما أيضاً على صعيد وجود لبنان كبلد موحّد ذو كيان وجغرافيا معترف بها دولياً. وبالرغم من ذلك وبالرغم من حساسية الأمر وشعور اللبنانيين كل اللبنانيين بهذا الخطر، تبقى الخطوات اللبنانية وتحرك الساسة اللبنانيين وأصحاب الرأي، ليس فقط أقل من المطلوب إنما اقل من الواجب، وإذا كان الجميع مدركاً لأخطار المرحلة فإن الجميع ما زال متمترساً خلف آراء ومواقف لا يريد التراجع عنها قيد أنملة. فالجميع يتصرف وكأن الأزمة تحدث في بلد آخر كي لا نقول في كوكب آخر، وهو يتصرف كما كان يتصرف البيزنطيون عشية سقوط القسطنطينية الذين كان همّهم البحث عن «جنس الملائكة». هكذا يتصرف بعض اللبنانيين الذين يبحثون في شكل الدولة، همّهم الحصول على قسم منها للسيطرة عليه بدلاً من الحفاظ على الدولة ووحدتها من خلال الحفاظ على مؤسساتها. وهكذا تطغى أحلام البعض بالفدرلة أو التقسيم على ما عداها من منطق التوحيد والوحدة. ويبقى السؤال هل يدرك الساسة اللبنانيون الخطر الحقيقي للمرحلة ويعملون في سبيل تقريب وجهات النظر والوصول إلى قواسم مشتركة في ما بينهم؟ أم انهم سيبقون في زاوية الانتظار القاتلة معتمدين على الخارج سبيلاً للوصول إلى الحلول المنشودة؟ ومن قال لهم أن الخارج يضعهم في أولوياته وهو كما يقول المثل; لا ينام قبل إيجاد الحلول للأزمة اللبنانية بخيوطها الداخلية وتشعباتها الخارجية.
هذا هو وضع الحلول الخارجية فمن ينتظر الخارج وكأنه ينتظر الرزقة من  «سمك بالبحر» وهبّة باردة وهبّة ساخنة، فتارة يتحدثون عن قرب الحلول وطوراً يتحدثون عن عرقلة من هنا وعراقيل من هناك، فينام اللبنانيون على حل فرنسي ليصحون على حل أميركي، وبالنتيجة لا هذا ماشي ولا ذاك جاهز ونحن أصبحنا «كالمستجير من الرمضاء بالنار». نعم الحلول كثيرة ولكن المطلوب هو واحد ويتمحور حول ضرورة اتفاق اللبنانيين أولاً وعندها، وعندها فقط، لا شيء مستحيل ويصبح تأثير الخارج معدوماً كي لا نقل غير موجود وغير ذي قيمة، فعندما يدير اللبنانيون الأذن الطرشاء للخارج تصبح إملاءات الخارج غير ذي نفع.
في خضم التناقضات الداخلية تأتي العروض الخارجية لا بل الإغراءات الخارجية، فبعد العصا تأتي الجزرة، وبعد أن تيقن المجتمع الدولي من فشل منطق العقوبات والتهويل بالويل والثبور وعظائم الأمور، وبعد أن تيقن أن منطق القوة والاستقواء لا ينفع مع الشعب اللبناني الذي اكتسب مناعة في مقاومة شتى أنواع الدمار والحروب، وهو طيلة تاريخه الطويل عانى من الحصار والمجاعة والتفجير، وإذا كان منطق الحرب والحرمان لم يجد نفعاً فإن منطق الضغط الاقتصادي لن يجدي نفعاً هو الآخر. لقد كان لعرض رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، التي قدمت برفقة الرئيس القبرصي معونة بمليار يورو للبنان مقسطة على أربع سنوات، وقعها السيئ فلم يتوان معظم اللبنانيين من اعتبارها رشوة وذلك مقابل القبول بوجود مليوني نازح سوري على الأراضي اللبنانية وذلك لمدة أربع سنوات على الأقل. وهكذا تتبارى وقاحة الخارج مع مشاكل الداخل لتزيد الأمور تعقيداً وكأن المطلوب هو عدم إيجاد حل للبنان بانتظار نضوج الحلول الخارجية التي ستكون حتماً على حساب لبنان، إلّا إذا استفاق اللبنانيون وإنهم لفاعلون.

* كاتب سياسي