بيروت - لبنان

اخر الأخبار

29 تشرين الأول 2022 12:00ص معارضو عون: الفراغ في الدولة ممنوع

مقاطعة التيار للحكومة تطرح مشكلة "ميثاقية"

حجم الخط

لا يُعير خصوم رئيس الجمهورية ميشال عون أهمية لما خرج به في مقابته أمس الأول، ومن ثم تأكيده عليه أمس، حول نيته توقيع مرسوم استقالة حكومة تصريف الأعمال الحالية طالما أن لا نص دستورياً يمنع ذلك.

المعركة بالنسبة إلى المعارضة الحالية، لا سيما المسيحية منها، هي معركة رئاسة وليست معركة حكومة. وبذلك فإن بقاء حكومة تصريف الأعمال ليس هو الأولوية ولا معنى لتحويل المعركة إلى معركة مسيحية ميثاقية لخوض شعبوية ومزايدات تعيد لعون ولرئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل وزناً شعبياً بعد الضربة التي تلقياها في سنين "حكمهما" والتي يعترفان بها في مجالسهما المُغلقة.

قبل ساعات من انتهاء الولاية الرئاسية، فتح عون معاركه الكبرى وبدا كجنرال ما قبل الرئاسة ممهداً لخوض اشتباك مع منظومة يتهمها بتدمير عهده وحتى مع الحلفاء الذين لم يبق منهم سوى اليسير وأهمهم "حزب الله" الذي نأى بنفسه عنه في مفاصل عدة.

بكلامه عن توقيع مرسوم قبول استقالة حكومة تصريف الأعمال، فإن عون في أحسن الأحوال، حسب أخصام الرجل، هدف إلى رفع منسوب الضغط للقبول بتشكيل الحكومة بشروطه وباسيل، وفي سوئها يقدم مثالاً بسيطاً على نيته المقبلة في فتح معركة مسيحية وهو يعلم تماما أن توقيعه هو لزوم ما لا يلزم ولو أعطاه الصفة الدستورية كون الحكومة في الأساس مستقيلة بانتخاب مجلس النواب الجديد في أيار الماضي، علماً أنه دستورياً فإن أي حكومة ستشكل كانت لتعتبر مستقيلة بانتهاء عهد رئيس الجمهورية في 31 تشرين الأول الحالي.

المادة 62 تسمح للحكومة تولي الصلاحيات

بالنسبة الى أخصام العهد، فإن المادة 62 في الدستور المعدل في الطائف واضحة، فالحكومة مستقيلة ويتولى مجلس الوزراء مجتمعاً صلاحيات الرئاسة.

لا مفاعيل لنية عون على هذا الصعيد ولا شيء في الدستور يوقف مفاعيل حكومة تصريف الأعمال المحمية بنص دستوري يبطل كل الاجتهادات، وعون يلجأ الى تفسيرات لا تستقيم مع الدستور ناهيك عن المنطق وعن مفهوم إدارة شؤون الدولة.

الأمر واضح: لا فراغ في الدولة، لا بل أنه ممنوع.

أما بالنسبة الى حكومة تصريف الأعمال، فهي تتولى صلاحيات الرئاسة وتستطيع الاجتماع بالحدود الضيقة بما خص عملها حتى وصول الرئيس الجديد الى سدة المسؤولية. والأمر طبيعي في لقاءاتها الطارئة لإصدار مراسيم في ظروف الحرب مثلا أو الفوضى أو الدعوة إلى حالة طوارىء وغيرها.. وبالتالي هي ملزمة بذلك وإلا فإنها تكون أخلت بواجبها القانوني والدستور.

الأخصام المسيحيون غير محرجين

على أن الجميع يعلم تماماً ان ما بعد مغادرة عون بعبدا واستقراره في الرابية لن يكون كما قبلها.

معركة الميثاقية المسيحية ستشكل عنواناً جذاباً لعون وباسيل لحماية دور رئيس الجمهورية الماروني ضمن تركيبة اتفاق الطائف.

هذا لن يحرج الأخصام المسيحيين الذين يؤكدون أنه كان بالأحرى بعون أن يذهب سريعاً الى تسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية لكي لا نقع في الفراغ بدل العمل من أجل هذا الفراغ.

أما الاستفاقة اليوم على التشكيل الحكومي من قبل جميع المعنيين، فتطرح أسئلة من نوع: متى ستجتمع هذه الحكومة؟ متى ستكتب بيانها الوزاري الذي سيتخذ وقتا؟ ثم متى ستذهب الى المجلس النيابي وتطلب الثقة؟ ثم ماذا عن مفاوضات التشكيل ها انتهت؟

لم تشكل حكومات بمهلة زمنية قياسية سوى في الزمن السوري في لبنان، ويؤكد أخصام عون وباسيل نية الأخيرَين ومن ورائهما "حزب الله"، عدم تشكيل حكومة إلا بعد توفير الثلث المعطل لباسيل يصبح معه الآمر لفرض ظروف تعطيلية في البلاد مشابهة للتي سادت بين عامي 2014 و2016، وصولاً الى تربعه على الرئاسة بعد ما يجبر القوى الأساسية على الانسحاب أمامه. وليس شعار الميثاقية سوى للاستهلاك الشعبي.

على هذا الصعيد يؤكد هؤلاء أن حكومة تصريف الأعمال ليست معطَّلة بل تجتمع بالنصاب الدستوري القانوني اذا حضر ثلثا الأعضاء، ولا أهمية دستورياً لغياب أي مكون عنها حتى لو غاب وزراء التيار وانكفأوا عن دورهم في تصريف الأعمال فيمكن انتداب وزراء بديلين عنهم ليقوموا بالمهمة التي استنكف الأصيلون عنها.

ويذهب هؤلاء إلى التحذير من أن مثل هذا الانكفاء من شأنه أن يرتب مسؤوليات قانونية تصل إلى محاكمة من استنكف عن الحضور أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، بجرم الإخلال بالواجبات الوزارية.

لكنها رؤية تبسيطية للأمور ذلك أن انسحاب الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة العام 2006 يشير بوضوح الى أن المسألة "الميثاقية"، حسب كثيرين، هي أبعد من نص دستوري لم يفلح الطائف في تجنب ثغراته التي تتزايد فجواتها مع الزمن. حتى إن انسحاب أي مكون نيابي طائفي من مجلس النواب سيطرح مشكلة ميثاقية ولو أن الطائف لم ينص عليها.

وبذلك فإن افتقاد حكومة تصريف الأعمال للغالبية الساحقة من ممثلي القوى المسيحية، وهنا لا نتحدث فقط عن التيار الحر بل أيضا عن "القوات اللبنانية" وحزب "الكتائب" غير المشاركَين فيها ولو أنهما لا يتقاطعان مع هدف عون وباسيل في تعريتها مسيحياً، سيطرح مشكلة طائفية.

انطلاقاً من هنا ورغم الظروف الأكثر إيجابية من السابق بالنسبة إلى لبنان، فإن ما بعد الشغور الرئاسي سيفتح الباب أمام معارك كبرى تعيد ترتيب الحل عبر رزمة شاملة.. في حال جاء الضوء الأخضر الدولي الإقليمي غير المتوافر حتى الساعة.