بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 تشرين الثاني 2023 12:01ص نتنياهو متأثّر نفسيّاً: ارحموه!

حجم الخط
الملجأ الوحيد الذي بَقيَ واقياً رأسَ رئيس الحكومة الإسرائيلي هو قصف غزّة بشكل عنيف ثم قصف غزّة بشكل أعنف، ثم قصف غزّة بأقصى ما يمكن من العنف، فإذا ما انتهى حضرةُ جنابه من عملِه التجريفي «البطولي» الذي لن يجدي نفعاً سياسياً غير مَلء عيون الصهاينة بمشهد التدمير الواسع، سيجد نفسَه سائراً من دون أي عائق أو سائق إلى أقرب مركز للشرطة لتسليم نفسِه واسمِه ولقبِه للتحقيق في واحدة من أخطر التهم التي توجّه إلى سياسيين في الدولة العبريّة: التقصير في المواجهة مع العدوّ، والتسبّب بخسارة مدنيّين وعسكريين كأسرى في المعركة، وربما تكون تهمة ارتكاب مجازر بالمدنيّين الفلسطينيّين بانتظاره أيضاً في العالَم. فهو الآن يشوط بعيداً ويُكَبّر الحجر على جميع مَن حوله، والثابت أن أحداً لن يدافع عنه داخل إسرائيل، ولا خارجها، فالكل ينظر إليه على أنه عقبة أمام السلام العام انطلاقاً من عدوانيّته التي تطال الأقربين من الضباط والقادة، والأبعدين من مسؤولي الدول العربية والأجنبية الذين ساعدوه رغم حساسيّتهم منه، وعلى أنه مخرّب حقيقي للاستقرار السياسي في شعبه وفي المنطقة!
آخِر لوعجِه العاطفية الإنسانية المرهفة كانت اعتباره الشريط الوثائقي عن عدد من الأسيرات الإسرائيليّات عند «حماس» بمثابة «إعلان نفسي قاسٍ» لهُ ! يا لهُ من قديس محترَم يواجه أشخاصاً لا يقيمون وزناً لضربات نفسية قاسية يوجهونها لهُ على ألْسِنة أسيرات مقهورات، وهو ليس معتاداً على البهدلة!
فالقصف الذي أمرَ به وأشرفَ عليه وحدّدَ قسوته غير المسبوقة باعتراف إعلام الشرق والغرب بصواريخ الطيران على مدى أسابيع وبأسلوب هاجوجٍ وماجوجٍ معاً ضد الفلسطينيين في المساجد والمستشفيات والمنازل والمؤسسات والمدارس، لم تؤثّر فيه بقسوة نفسيّة قدر اعترافات الأسيرات! وتغطيسُه رؤساء دول كبرى كانت تتغطى بشراشف حقوق الإنسان وحرّيته وكرامته في مزبلة تاريخه الشخصي البشع، لم تحرّك حميّته مثل كلام الأسيرات. فكأنه رأى في كلام الأسيرات مادةَ نهاية حياته السياسية وشهادة إخراجه من الصف السياسي الأول إلى السجن الذي سبقه إليه رئيس حكومة حرب تموز ٢٠٠٦ بعد تلك الحرب فوراً! هذا حتى لا نستفيض في وصف واقعه السياسي في الكيان الغاصب وصورته التي تخرّبت مرات عدّة وكان يعيد تسويتها بأساليب ملتوية، أمّا الآن فلا قوة بايدن قادرة على استرجاع نفوذه في البلد، ولا نفاق ماكرون قادر على تمويه سقوطه، ولا فذلكة بعض زعماء العرب في التعمية على أدوارهم ومواقفهم منه، سوف تشفع له.
لكن هل المشكلة اليوم في نتنياهو نفسِه؟ أم في المجتمع الإسرائيلي ككل الذي لم يقتنع بعد أن أكْل الحقوق الفلسطينية وسَجنَهم وقتلَهم والتضييق عليهم لن يصنع سلاماً بل سيصنع مواد بشرية متفجّرة بين الضفة الغربية وقطاع غزّة، وأن الدولة التي وقّع عليها ياسر عرفات لن تحظى إسرائيل بها مرّة ثانية بعدما تكسّرت أجنحتها وأقدامها وعنقها مرات ومرات حتى باتَ وريث أبي عمّار الرئيس الفلسطيني أبو مازن يضحك من نفسِه عندما يتحدث عن السلم والسلام، ويلطمُ رأسه بأقرب حاجز طيّار ومفاجئ، عجزاً عن أي فِعلٍ عند حديثه عن التعاون الأمني الرسمي بين السّلْطة الفلسطينية وقوات الأمن الإسرائيلية!
أغلب الرأي العام العالمي، بعد «طوفان الأقصى» عاد إلى الكلام عن الدولتين كحلّ وحيد، غير أن المَرَض الفظيع هو أن النظام الرسمي العربي ذهَب إلى تبادل السفارات والاعتراف والتطبيع مع إسرائيل بعدما حوّلَ هو واسرائيل حل الدولتين إلى ممسحة يتم التهرّب من الإمساك بها، ومحاولة التقاط مشروع ابراهام أو غيره كآخِر باب من أبواب الجنة!
... فإذا بـ «طوفان الأقصى» يخترع جدولَ «ضربٍ» جديداً أكثر تعقيداً وتداخُلاً ويفرضه الى الجميع. وما كان ممكناً قبل الطوفان لن يكون كذلك اليوم أو في القريب.
وبقراءة خطةِ السياسي الإسرائيلي بينِيت لوضع حدّ لما يجري ، والتي نُشرَت تفاصيلُها أمس سنكتشف بالملموس والمحسوس معاً أن في الدولة العبرية وحوشاً حقيقية التكوين العقلي-الوحشيّ تصل إلى السلطة وليس في رؤوس سوى غير القمع والقتل والتضييق والإعدام والاستيطان وقهر الناس في غزة والضفة كأن دولة إسرائيل وُلدَت البارحة وينبغي تعزيز أركانها، والتعامل مع الفلسطينيّين على أساس أنهم ناس بلا أرض، والقذف بهم يميناً ويساراً شرقاً وغرباً هو الوحيد المتاح. ويبدو بينِيت في خطته الجهنمية لا يطالب بتخلية سبيل نتنياهو فقط، بل بتعليق وسام الأم تيريزا... على خصره!