13 كانون الثاني 2024 12:01ص هوكستين مُقيَّد والحزب مُقفَل والتسوية مُعلّقة

أفكار أميركية لتسكين الوضع.. والتراكمات لا يمكن تبديدها بعصاً سحرية

حجم الخط
تكاد تكون واشنطن هي الوحيدة المهتمّة راهنا بنزع فتيل الحرب في الجبهة الجنوبية، مع غياب استثنائي لأي حراك عربي فاعل، ودور هامشي لباريس على الرغم من رغبتها في تحقيق خرق ما ملموس في استراتيجيتها اللبنانية.
تحشد واشنطن ديبلوماسيتها بين تل أبيب وبيروت والعواصم الإقليمية المؤثّرة، بهدف إبطال نوازع الحرب ودُعاتها.
الزيارة المختصرة للمستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت، كمثيلتها إلى تل أبيب، أظهرت أن رهان واشنطن قائم على أمر واحد: التعويل على تطبيق القرار 1701 بما يعلّق العمليات الحربية بين إسرائيل وحزب الله، في موازاة إخلاء منطقة الـ10 كيلومترات صوب الداخل من عناصر الحزب وسلاحهم. وهذا مطلب إسرائيلي أساسي من دونه تقول تل أبيب إن المستوطنين لن يعودوا إلى قراهم الشمالية.
يعتقد هوكستين أن الطلب الإسرائيلي هذا يمكن أن يتحوّل كذلك مطلبا لبنانيا. بمعنى أن تتساوى الإجراءات عند جانبيّ الحدود، فيعود كذلك الجنوبيون الذين هجروا قراهم تدريجا منذ الثامن من تشرين الأول 2023. لكنه لم يعلّق على ما سمعه من أحد المسؤولين بأن توازي الإجراءات يفترض أيضا إيجاد أرض منزوعة السلاح في الجانب الإسرائيلي أيضا، بحيث يوازي انسحابَ الحزب صوب الداخل إخلاءُ الجيش الإسرائيلي المساحة نفسها.
يتبيّن من هذا الواقع ان هوكستين أتى بمهمّة مُقيّدة بأكثر من عامل، وبأن الحدّ الأدنى الذي تطلبه واشنطن راهنا، وهو ليس في متناولها بعد، التهدئة جنوبا في انتظار توافر الظرف الملائم للخوض في تسوية لاحقة تشمل النقاط الـ13 والأراضي المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وخراج بلدة الماري.
تعتقد واشنطن أن المسار التسووي ضروري لكنه غير قابل للتحقّق بعد. بمعنى أن تراكمات عشرات السنوات لا يمكن تبديدها بعصا سحرية أو بكبسة زرّ، بل تتطلّب معالجة جدية، تماما كمسألة الحدود البحرية. والظرف الراهن تدرك واشنطن أنه غير مؤاتٍ بعد، وأنه من العبث التحايل على حزب الله وإيهامه بأن إعلان إسرائيل بدء المرحلة الثالثة من حربها على غزة، مرحلة العمليات الهادِفة والموضعية، هو نقطة الانطلاق صوب التسوية الموعودة.
هذا يعني أن توقّف الأعمال الحربية جنوبا رهن إيقاف الحرب في غزة، وهو أمر صعب التحقّق في المدى الزمني القصير:
-أولا، بفعل مصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استمرار معركتَيه في غزة والجنوب كأحد عناصر الخلاص من مأزقه القضائي، ولتأمين مستقبله السياسي للبقاء في السلطة، إلى جانب أن افتقاده عناصر خطة واضحة بشأن ما الذي سيقوم به في اليوم التالي لانتهاء الحرب، تجعله أسير استمرارها. ولا تسقط حقيقة أن نتنياهو يدرك أن دخول إدارة الرئيس جو بايدن مدار الانتخابات الرئاسية ستجعله يفقد تدريجا أي اهتمام خارجي، ما عدا التهديد الصيني، ويتّجه صوب الداخل في محاولة لشدّ أزر حملته الرئاسية، فيما تضعه الإحصاءات خلف المرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب.
لكن واشنطن في المقابل تعتبر أن استراتيجية نتنياهو للحرب طويلة الأمد في قطاع غزة للقضاء على حركة حماس، ناجحة وفعالة من وجهة نظره هو فقط، وأن أخطاءه دفعت إسرائيل لأسوأ سيناريواتها حتى الآن، وهو فقدان الدعم الدولي والعزلة الدبلوماسية العالمية.
-وثانيا، نتيجة قناعة أميركية بأن لا بد من استمرار الضغط العسكري على حركة حماس، واستطرادا على المحور وإيران، سبيلاً لتسريع إجراءات التوافق المسبق على مرحلة ما بعد الحرب، بدءا وليس انتهاء بهوية الجهة التي ستدير غزة والقطاع  بعد انتهاء المعارك.
تأسيسا على كل ذلك، لم يكن متوقعا أن يأتي هوكستين بالحلّ السحري، ولا حتى بمبادرة حلّ. كما لم تنجح المساندة التي أتته من وزير الخارجية الأميركية أنطوني بلينكن الذي تعثّر في اقناع الحكومة الإسرائيلية بالانتقال نحو مرحلة جديدة في غزة قائمة على العمليات الهادِفة والمحصورة. لذلك اكتفى هوكستين بمجموعة أفكار في محاولة لتسكين الوضع، أو ربما للحفاظ على الستاتيكو القائم في انتظار التطورات العسكرية في غزة وتظهّر تصوّر الحل النهائي وصيغة اليوم التالي للحرب.
وصار واضحا أن حزب الله مُقفل على أي نقاش ما لم تنته الحرب، وهو سبق أن أبلغه إلى واشنطن عبر الوسيط المعتمد اللواء عباس ابراهيم.
وكانت معطيات صحافية قد ذكرت أن الأميركيين بعثوا إلى الحزب عبر الوسيط بمجموعة أسئلة، أبرزها ثلاثة لم يجب عنها، مكتفيا بعبارة: «تعالوا بعد نهاية الحرب في غزة».
- أولها، عن موقفه من مشاركة الولايات المتحدة في الحرب إذا تطورت.
- وثانيها، عن سبب عدم منعه أطرافا أخرى من المشاركة في الهجمات على إسرائيل، وتحديداً حركة حماس وفصائل لبنانية أخرى.
- وثالثها، عن الثمن الذي يطلبه لوقف مشاركته في الحرب.