بيروت - لبنان

اخر الأخبار

13 كانون الأول 2023 12:00ص الرئيس الزميل الشيخ سامي الجميّل يبدو أن البوصلة تعطّلت في أحلك الظروف

حجم الخط
قرأت ما كتبته عبر منصة (x) حيث جاء:
«بانه لأمر صادم مدى براعتنا في الاهتمام بالآخرين بينما نهمل دائماً مؤسساتنا، واقتصادنا ومستقبل أطفالنا ونضحي ببلدنا مناصرة لحروب الآخرين».
أقول بانه إذا كان من إهمال دائم داخل الوطن نرى انه يقتضي أن تعلن حالة طوارئ في كل مؤسسات حزب الكتائب بعد التدقيق والدراسة لما قدّمه الحزب من خدمات ومشاريع إصلاحية لمؤسساتنا واقتصادنا ومستقبل أطفالنا، وما هي توجهاته بالنسبة لكل ذلك كي يطلع الرأي العام اللبناني عليها ويقف الى جانبكم في كل ما هو مفيد للوطن، إلّا أن الجملة الأخيرة التي جاءت «نضحي ببلدنا مناصرة لحروب الآخرين» فان صدورها عنكم حصل في اللحظة التي يرتكب فيها العدو الصهيوني جرائم الإبادة والتهجير وجرائم ضد الإنسانية وتهديم المساكن على رؤوس شاغليها وقد بلغ عدد الضحايا والمعوقين والموجودين تحت الأنقاض قرابة 50,000 إنسان فلسطيني والضحايا بازدياد والأرواح البريئة تملأ سماء فلسطين، ويعني ذلك أن شعباً شقيقاً، وشعباً جاراً تُنفذ فيه مجزرة غير مسبوقة بالتاريخ، والمخطط الصهيوني من الثابت ثبوتاً قطعياً بان غايته ابتلاع لبنان وقسم من سوريا والأردن وجزء من الأرض المصرية والعراقية وحتى الوصول الى السعودية للمدينة المنورة، وشعاره من الفرات الى النيل حدودك يا إسرائيل الذي انطلق مع تأسيس الحركة الصهيونية في العام 1917 وما قبل.
اسأل أين أنتم من كل ذلك على الأقل بالنسبة للبنان خاصة أن ما يحصل في غزة هو مواجهة ضد العدو الصهيوني ليس للدفاع عنها بل للوقوف بوجه المخطط والحاق الهزيمة في كل مقوماته أي للدفاع عنك وعني وعن وطننا قبل فوات الآوان.
إذاً القضية ليست بمعرض التضحية ببلدنا ومناصرة حروب الآخرين والاهتمام بها، بل علينا نحن وأنت ومن تمثل واجب وطني هو بث روح المقاومة في شعبنا والاستعداد الجديّ حتى لا يحصل بنا ما نشاهده من جرائم الآن، ومهمتنا كمحامين اولاً وقبل كل شيء أن نعمل للحق والحرية ونساعد كل الشعوب في كل ما يثبّت إنسانيتها ويبعد عنها الشرور.
وهذا الموقف هو من طبيعة لبنان الرسالة وهذا الموقف هو من طبيعة رسالة المحاماة التي نحملها وإياك وهذا الموقف أيضاً هو تطبيق فعلي لمقدمة الدستور اللبناني بكل بنودها، وخاصة البند (ب) منها الذي كان للبنان بشخص شارل مالك مساهمة أساسية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
القضية الفلسطينية قضية حضارية لأنها تلتقي فيها مجموعة قيم وطنية وقومية وإنسانية وحضارية. كفلسطين وطن لشعب مشرد، والنضال في دعمه هو واجب أخلاقي وإنساني ومبدئي. وهي قضية عربية لأن الوجود الصهيوني لا يهدّد فلسطين وحدها بل يهدّد كل قطر عربي كما أسلفنا، والخرائط التي نشرت عن إسرائيل الكبرى تؤكد مطامعها لتشمل المنطقة كلها. لذلك فإن الدفاع عن فلسطين والوقوف إلى جانب شعبها هو قضية أخلاقية وإنسانية في آن معاً. أما القضية الحضارية ففلسطين هي أرض الرسالات السماوية واحترام المقدسات الإسلامية المسيحية هو واجب حضاري لأن في تفاعل هذه الرسالات تتشكل الحضارة الإنسانية والكيان الصهيوني يسعى لتهديم مقدسات المسلمين والمسيحيين معاً وهذا بحد ذاته يسبب توتراً عالمياً مستمراً بين الأديان وبين المذاهب وهو أمر أيضاً يهدد الحضارة الإنسانية.
من دون شك هذا الكيان الصهيوني يشكّل قاعدة متقدمة في صراع الحضارات التي تحدث عنها صمويل هنتجتون في كتابه الشهير. فالصراع بين حضارات الغرب وحضارات الشرق أحد خنادقها الرئيسية هو الخندق الصهيوني الذي تنطلق منه كل دعوات التفرقة بين الأديان والتحريض على الفتن بين الشعوب. فواجبنا الحضاري يفرض علينا مواجهة هذا الكيان ومواجهة مشروعه الخطر على المنطقة وعلى العالم. وما يجري اليوم في غزة من وحشية ودمار وقتل غير محدود وغير مسبوق هو تعبير عن أن هذا الكيان الصهيوني هو كيان بدون جذور حضارية وبدون جذور إنسانية، وبالتالي فالدفاع عن قضية فلسطين ليس دفاع عن وطن وعن ارض وعن شعب فحسب بل هو دفاع عن قيم إنسانيه بل عن قيم حضارية تمدّ العالم كله.
بناء لما تقدّم نريد أيها الزميل أن تكون بوصلتك في هذا الاتجاه ولبس بالاتجاه الآخر، ونحن معك والى جانبك في ذلك وهذا واجبنا الوطني، إن الإنسانية كلها اجتمعت يوم الاثنين داعية لوقف الحرب ووقف العدوان الهمجي الغاشم للحفاظ على المقدسات المسيحية والإسلامية، ولا يجوز أن يكون لبنان بمنأى عن هذا لان ذلك عندها عن قصد وغير قصد تجعلون لبنان مع هذه الفئة العنصرية المجرمة الأمر الذي بالتأكيد لا نريد له نحن وإياكم هذا الدور.

* الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب