بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 أيار 2024 12:00ص القوانين المحاسبة لمغتصبي الأطفال التيكتوكرز وضرورة التشدّد بالعقاب

حجم الخط
من الصور المؤلمة التي ظهرت مؤخراً في دولتنا هي فاجعة اغتصاب الأطفال القصر، وازدادت قساوة حتى باتت ظاهرة اغتصاب جماعي، في ظل ضياع الأخلاق والقيم والمبادئ والإنسانية.
وهذه الجرائم وقعت على أيدي مجموعة مجرمة منحرفة في القيم والسلوك، وغافلة عن الله وصيانة الطفولة والمجتمع، حيث تتعدى على الحرمات وتهتك الأعراض.
وللأسف فإن قانوننا لا يصنف اغتصاب الأطفال اغتصاباً وإنما ارتكاب أفعال منافية للحشمة، لأن الجماع في القانون اللبناني الوضعي المتمثل بالاتصال الجنسي يستوجب أن يكون طرفاه رجلاً وامرأة، وتفترض هذه الجريمة أن يكون الرجل هو الجاني، وأن المرأة هي المجني عليها. فلا تتصور جريمة الاغتصاب إذا كان الطرفان من جنس واحد، كما لو كانا رجلين أو امرأتين، حيث يكون الفعل من الأفعال الجرمية المنافية للحشمة لا جريمة اغتصاب.
ولذلك تنص المادة ٥٠٧ عقوبات من أكره آخر بالعنف والتهديد على مكابدة أو إجراء فعل مناف للحشمة عوقب بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن أربع سنوات، ويكون الحد الأدنى للعقوبة ست سنوات إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشرة من عمره.
كما تنص المادة ٥٠٨ عقوبات أنه يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة عشر سنوات على الأكثر من لجأ إلى ضروب الحيلة أو استفاد من علة امرئ في جسده أو نفسه فارتكب به فعلاً منافياً للحشمة أو حمله على ارتكابه.
وتنص المادة ٥٠٩ عقوبات من ارتكب بقاصر دون الخامسة عشرة من عمره فعلاً منافياً للحشمة أو حمله على ارتكابه عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة، ولا تنقص العقوبة عن أربع سنوات إذا لم يتم الولد الثانية عشرة من عمره.
ولكن المشرع حسّن من وضع هتك أعراض الأطفال مؤخراً، حينما أضاف باباً ثامناً من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ،نظّم فيه أحكام الإتجار بالأشخاص، ولذلك ينطبق على أفعال المجرمين المغتصبين المعروفين بمغتصبي التيكتوكر عقوبة جريمة الإتجار بالأشخاص المنصوص عليها بالمادة ٥٨٦-١ (ب وج) عقوبات التي تنص على أن الإتجار بالأشخاص هو اجتذاب شخص بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو الاختطاف أو الخداع...بهدف استغلاله أو تسهيل استغلاله من الغير...ويعتبر استغلالاً وفقاً لأحكام هذه المادة إرغام شخص على الإشتراك في أي من الأفعال التالية: (أ) الأفعال التي يعاقب عليها القانون، (ب) الدعارة أو استغلال دعارة الغير (ج) الاستغلال الجنسي؛ كما تنص المادة ٥٨٦-٢ عقوبات بأنه يعاقب على الجريمة المنصوص عليها سابقاً بالاعتقال لمدة خمس سنوات وبالغرامة من ضعف إلى مئتي ضعف الحد الأدنى للأجور في حال تمت الأفعال السابقة لقاء مبالغ مالية أو وعد بمنحها، وبالاعتقال لمدة سبع سنوات وبالغرامة من مئة وخمسين ضعف إلى ثلاثمائة ضعف الحد الأدنى للأجور باستعمال الخداع أو العنف أو التهديد على المجني عليه، ووفقاً للمادة ٥٨٦-٣ عقوبات بالاعتقال لمدة عشر سنوات وبالغرامة من مئتي ضعف إلى أربعمئة في حال كان الفاعل أو الشريك أو المتدخل موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة أو مدير مكتب استخدام أو عامل فيه؛ كما تكون العقوبة وفقاً للمادة ٥٨٦-٤ عقوبات الاعتقال لمدة خمس عشرة سنة والغرامة من ثلاثمائة ضعف إلى ستمائة اذا ارتكبت بفعل جماعة، من شخصين أو أكثر، أو إذا تناولت أكثر من مجني عليه.
كما يعاقب المجرمون الهادمون للقيم الأخلاقية والناشرون للفاحشة والمنكر أيضاً بعقوبة المادة ١٢٦ من القانون ٦٧٣/١٩٩٨ المتعلق بالمخدرات والمؤثرات العقلية لجهة ترويج المخدرات، حيث تنص هذه المادة على التعرض لعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة من خمس وعشرين مليون إلى مئة مليون ليرة... (٢) كل من سهل عن قصد للغير استعمال المواد الشديدة الخطورة وبطريقة غير مشروعة (٣) كل من أدار أو أعدّ أو هيأ لقاء مقابل مكاناً لتعاطي العقاقير المخدرة (٤) كل من يملك أو يدير أو يقوم بأي صفة باستغلال منزل مفروش أو نزل عائلي أو مشرب أو مطعم أو ناد أو دار للعرض أو محل إذا سمح عن علم باستعمال المواد شديدة الخطورة (٥) كل من أضاف عقاقير مخدرة شديدة الخطورة إلى أطعمة أو مشروبات دون علم مستهلكها.
كذلك فتطبق على المجرمين الفاعلين لكل أنواع الحرام، مما يعُفٌ القلمُ عن الإفصاح عنه، أحكام المادة ١٢٠ من قانون ٨١/٢٠١٨ المتعلقة باستغلال القاصرين في المواد الإباحية  والتي تنص على معاقبة مرتكبيها بأحكام المادة ٥٨٦-١ وما يليها من قانون العقوبات السابق ذكرها، وتشدد العقوبة وفقاً للمادة ٢٥٧ عقوبات اذا تم استعمال شبكة اتصالات الكترونية كشبكة الانترنت أو البث التلفزيوني من أجل توزيع المواد الإباحية بحيث يبدل الإعدام من الأشغال الشاقة المؤبدة وتزداد كل عقوبة من الثلث إلى النصف وتضاعف الغرامة.
ولكن هل يعقل أن تصل العقوبة القصوى التي ستقضي بها المحاكم اللبنانية على هؤلاء المغتصبين للطفولة البريئة للأشغال الشاقة أو الاعتقال مدة خمس عشرة سنة على الأكثر، وفقاً للمعتاد، لاسيما بعدما دمّروا نفسية وجسد الفتيان الصغار، وعاثوا في أنفسهم فساداً ودمارا، وبثوا سمومهم في المواقع الإباحية والجنسية الخبيثة، وفتكوا بأعراض القصر، الذين وصلت أعمار البعض منهم لتسع سنوات؟ ومن ثم يخرج هؤلاء المنحرفون اللاهثون وراء غزيرتهم بعد فترة زمنية وجيزة لينقضّوا على أبرياء آخرين.
هل يعقل أن تبقى العقوبة القصوى لهذه الجرائم الخبيثة الاعتقال؟ أم يقتضى أن نتصدى بحزم وقوة لهذه الفاحشة النكراء، فنسن قوانين إعدام بمفاعيل رجعية على كل من تسول له نفسه نشر الجرائم الشنعاء وقيادة المجتمع إلى الرذيلة والهلاك؟
كما يجب على وسائل إعلامنا المرئية والمسموعة متابعة هذه القضية حتى النهاية، ومنع هذه الثلة المنحرفة من أخذ أطفالنا الأبرياء إلى الهلاك والهاوية وتدمير مستقبلهم، وعلى المجتمع المدني حث النواب والقضاة على معاقبة المرتكبين أشد العقاب، وتطوير النظام القانوني لجرائم الاغتصاب، بحيث لا تبقى مصنفة كجرائم منافية للحشمة وعقوباتها أضعف من عقوبات الاغتصاب، لاسيما أن الأطفال أكثر ضعفاً من النساء وأحوج للحماية، فتياناً كانوا أم فتيات.
إن القانون الوضعي لا يجوز ان يبقى هزيلاً، وفي عجز دائم عن ردع المجرمين المنحرفين، وعليه أن يستمد قوته من ظاهرة الاغتصاب الفاحش التي تتجاوز آلاف الحالات سنوياً في منطقتنا، والتي لا بد من ردعها قبل فوات الأوان، وبشتى الطرق.
إن العمل على نشر فضائل الأخلاق والحياء والعفة والمروءة والرجولة والأدب وحسن الخلق والبعد عن مواطن الريب والفواحش هو المعول عليه اليوم، ولا بد من التشديد على أهمية التربية المدنية في المدارس والثانويات، والتشديد أيضاً على أهمية متابعة الأهل لقضايا الأطفال، ولسلامة استعمالهم لوسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت تفح للاسف منها روائح الرذيلة، نتيجة الانحطاط الأخلاقي في الدول التي نصنفها متحضرة.
وختاماً، يبدو جلياً أن ظاهرة الاغتصاب في مجتمعنا اللبناني من الظواهر المؤلمة، وتستوجب منا كلنا الوقوف بوجهها، وان يمن الله علينا بعد بالتوسع بمحاربتها ومحاربة أوكارها، سائلينه تعالى السلامة والعفو والعافية من المنكرات والفتن في الدنيا والآخرة.