بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 شباط 2024 12:00ص توحيد لا تفريق

حجم الخط
التعصب الديني ظاهرة متفشية في المجتمعات البشرية ذات التجارب الإنسانية المحدودة، نقول هذا ولا نخص مجتمعاً أو شعباً بذاته، شرقياً كان أم غربياً، عربياً أم أجنبياً، باعتبار أن ظاهرة التعصب هذه نراها أحياناً ملازمة للعديد من الشعوب والمجتمعات التي يقال عنها، أو هي تتصف بالتقدّم أو المدنية، في أوروبا وأميركا والشرق الأقصى، ومناطق أخرى كثيرة من العالم.
ويرى بعض المحللين الاجتماعيين في التعصب الديني شكلاً من أشكال الحصان للإيمان وعاملاً يستثير الحوافز للثبات على المبدأ، فيما يراها آخرون من منظار ومنطلقات سلبية تبعث على التهديم بدل البناء، وتؤتي ثماراً غير ثمارها المرجوة في صون العقيدة ونشرها والدفاع عنها. وفي تفسير ذلك أن التعصب ليس دائماً قريناً للتديّن بمعناه الواعي والعميق. كما أنه ليس أيضاً توجّهاً غيرياً، أو منحىً إنسانياً عملياً يكتفي من الإيمان بغبطة العطاء وعمل الخير المحض.
هذا فضلاً عن اعتقاد جهة ثالثة، ونحن منها بأن الديانات، قد تختلف في طريقة التعبير لكنها ما اختلفت قط في الجوهر ولا في الغاية، إلّا أن الإنسان هو الذي كفّر أشياع الدين الآخر، وادّعى الحقيقة في دينه، دون دين الآخرين، فقوبل بالمثل، فكانت الفرقة وكانت الكراهية والبغضاء والتعصب.
إن الديانات التي جاءت نبراساً يهتدي به الإنسان إلى ما فيه خيره وصلاحه في دنياه وفي أخراه كانت السبب في أفظع نزف دموي هائل بين الشعوب، جرى باسمها منذ بدء العصور وما زال إلى الآن، وكما عرفت الأديان المحبة الإنسانية بأسمى صورها ومعانيها فإنها عرفت أيضاً أفظع كره جهنمي حاقد.
الدين بحقيقته وجوهره ومراميه، وبأسلوبه وأوامره ونواهيه، براء من كل ما ارتكبه الإنسان باسمه ضد الإنسانية. هذه الطريقة في نصرة الدين هي كفر بالدين وجهل بقانونه، إنها استجابة مجرمة إلى النزعات البشرية الغبية الجاهلة وإذا كان الإنسان يريد أن يفهم الدين على طريقته فعليه على الأقل، أن يدع الآخرين يتصرفون بمثل هذه الحرية، فيفهمون دينهم على طريقتهم، وإذا كان يؤمن بأنه على حق، فعليه أن يترك لغيره أن يؤمن بمثل هذا الإيمان «يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم». لقد ذهب وقت التبشير الديني، وذهب زمان الجدل الديني أيضاً. وأزفّ وقت تنفيذ أحكام الدين والعمل بمقتضاها. وبهذا كان يوصي الأمير السيد عبد الله التنوخي وهكذا يجب أن نقول نحن وأن نفعل. يقول: «فيفا كنندا» في كتابه «الينانا يوغا» إننا لا ندعو إلى ما يسميه بعضهم التسامح الديني، ويرون فيه فضيلة محمودةً ويقيمون حوله هالة من الإعجاب، إنه لنوع من التعصب المقيت، الذي يرتدي ثوب الاحتكار، ويصطبغ بالضغينة والحقد، لأن فيه انتقاصاً من الحرية الدينية والفكرية على السواء. وجاء في القرآن الكريم: «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»، «وليس عليكم هداهم ولكن الله يهدي من يشاء»، «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة»، فبدلاً من التسامح الديني هذا يجب أن نقول بحرية الدين وحرية الفكر والاعتقاد «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» وأن نرى الحق في جميع الأديان السماوية ونتبع القول «... والمؤمنون كل آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون»، فهذا المفهوم وحده هو الذي يناسب عقل إنسان هذا العصر وقد أبدت الكنيسة هذه الحرية أيضاً في المجلس المسكوني للكنائس الذي عقد في روما سنة 1964 و1965، «فلا إكراه في الدين وأبواب السماء مفتوحة لجميع الأشخاص الصالحين مهما كانت عقائدهم ومذاهبهم الدينية»، جاء في كتاب «رسالة التوحيد» للشيخ محمد عبده قوله: «والذي علينا اعتقاده أن الدين الإسلامي دين توحيد في العقائد لا دين تفريق في القواعد».

راجح نعيم