27 أيلول 2023 12:00ص جرائم قتل النساء تحت عناوين مقدسة

حجم الخط
الدكتورة ماريز يونس

تتعدّد أصناف الفيميسايد في عصرنا، منها ما يتعلّق بـ«جرائم الشّرف»، الظّاهرة الّتي بمجرّد تفكيكها تفرج عن ترسانة من الأحكام والمفاهيم التي تأتي تباعًا ما إن يحوم هذا المفهوم بغتة حول ذات بريئة في طور اكتشاف الذّات.
إنّ الغوص في أعماق المفهوم وتجلّياته العينيّة على أرض الواقع يسدل السّتار عن دوّامة حقيقيّة بين المجرّد والملموس حيث يلعب الجلّاد دور الحارس والشّاهد والضحيّة. وبطبيعة الحال، لم تكن الرّقابة الاجتماعيّة يوما بمنأى عن سكيزوفرينيا النّوع الاجتماعي الّتي كرّست هي الأخرى شرفا انتقائيّا مبنيّا على مكامن عقدة الجسد. جسد عورة بنظر الجميع، يلزم وأده لأنّ فتنته أكثر إيلاما من الفقر والعوز والحرمان؛ فبين المقدّس والمدنّس أسطورة متوارثة تجعل من العنف الجسدي والرّمزي وعاء لقولبة الأسر الفكري، فيضحى المجتمع أسير نفسه ببساطة.

كيف أضحى الشرف عنواناً للقتل؟

أين الشرف في القتل؟ ولماذا يقترن الإجرام بمفهوم مقدس كـ «الشرف»؟ وكيف يصبح القاتل بطلاً بحجة الدفاع عن الشرف؟ ولماذا تستمر هذه الجرائم تفتك بمجتمعاتنا العربية وتجد مسوغات لها على الرغم من إقرار القوانين ضد مرتكبيها في العديد من الدول العربية؟ وكيف يمكن تفسير تواطؤ الأهل والأقارب في تبرير قتل ابنتهم؟
هي تساؤلات تطفو إلى السّطح كلّما تكرّر المشهد وحدثت المأساة. 

 سكيزوفرينيا الشرف: شرف انتقائي على أساس النوع

تناقضات صارخة يتضمنها  مفهوم « الشرف» في الأسر التقليدية البطريركية الحاضنة لجرائم  قتل النساء باسم الشرف. فنجد ازدواجية في الأحكام تطلقها العائلة على السلوك نفسه لدى الجنسين، فتتعاطف مع الذكر، بينما تقمع الأنثى وتهددها  تحت ذريعة حماية الشرف.

 عندما يحضر الشرف تصبح الجريمة مقدسة!

ليس من الغريب أن تتكرّر دوما تلك المشاهد في  بعض البيئات التقليدية. لكن الأغرب أن تستمر بتواطؤ مجتمعي وجماعي رهيب. فيكفي أن تتهم الأنثى بعلاقة عاطفية، لتكتمل عناصر جريمة منظمة يرتكبها  الأهل والأقارب في العلن وأمام الملأ وبتحريض من الرجال ووجهاء البلدة. بل يُمنح القاتل وسام الفحولة والرجولة ويتم إعلانه بطلًا وتصبح دماء الضحية دليلا مقدسًا على غسل العار واستعادة الشرف.

القانون بين الانقياد لوطأة الثّقافة ومحكّ العقل

القانون هو الآخر، يحوز فلسفة خاصّة تجعله يتأرجح بين الانقياد لوطأة الثّقافة ومحكّ العقل وحقوق الإنسان، كما من شأنه في بعض الأحيان، تكريس التّمييز النّوعي في انتقال لا طوعي بين العرف والمدنيّة؛ فلولا تعالي أصوات النساء والمناضلات وتكاثف جهود عظيمة لما عدّلت موادّ وألغيت أخرى.
كيف يمكن إقحام مصطلح «الشرف» على جريمة قتل؟ سؤال إشكالي يوضّح أن المشكلة الأساسية ليست بالقانون بقدر ما هي مرتبطة ارتباطا وثيقا بالثقافة التقليدية. فوفق القانون والتشريع اللبناني نجد أنّه تمّ إلغاء مصطلح «جريمة الشرف»، لكنه يستمر في القانون العرفي بدعم مجتمعي كبير، يعطل فعالية القانون الوضعي وشرعة حقوق الإنسان.

 لا شرف في الاجرام، ولا قداسة في جرائم قتل النساء

أما بعد! يحلّ لنا التّساؤل: هل هناك قطيعة فعليّة بين الموروث ومبادئ العدالة الإنسانية؟ كيف بوسعنا التّعاطي حيال المفاهيم الموروثة ؟ هل يكفي الإصلاح؟ التّجاوز؟ أم يستلزم الأمر إحداث قطيعة؟ يا ترى، هل يخطو الجميع نحو حداثة عرجاء؟ نحو عدالة يكبحها العرف؟ وهل «لأنّي أنثى» سيبقى قدري رهين الماضي؟
أسئلة ملحة مازالت تنتظر إجابات حاسمة من الضمير الإنساني لوقف الإجرام ومسلسل الدم على أساس النوع الاجتماعي، ولتكريس القانون المدني بدلًا من الانقياد الأعمى إلى شريعة الأعراف والموروثات. فلننزع القدسية والقداسة عن جرائم الشرف، فلا شرف في  الإجرام ولا شرف في القتل.

استاذة في علم الاجتماع ورئيسة شبكة دراسات المرأة « صون»