بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 آذار 2019 05:31ص قتلوا.. صاحبة "السعادة"

حجم الخط
في كل عام تُضيف القمة العربية بلداً عربياً على بيانها بعد سقوط الإنسان والأرض والتراث والحضارة والثقافة والكنائس والمساجد بيد عدو تمنى فنال. سقطت فلسطين الأم وبكيناها، سقط العراق وبكيناه، ولحقت بهما سوريا وليبيا واليمن ولبنان.

مجتمعاتنا بكافة أطيافها تعاني من مرض مزمن وكآبة وإحباط، والتصحر السياسي بأبعاده الإقتصادية والإجتماعية والأمنية سيد الموقف، وبإرهاب متعمد قتلت صاحبة "السعادة"، وهنا نعني "الدولة" التي تعرضت للغدر الداخلي قبل الخارجي، والتي تفككت أوصالها بسبب الكراهية والفساد والطمع، وسقطت قدرة الشعوب على المقاومة.

لو "الدولة" صاحبة "السعادة" في منطقتنا العربية بَنت عمادها من أجل سعادة شعوبها لما دُمرت الدول أعلاها ولو تآمر عليها الكون، لأن لا يُسقط الدولة إلا شعبها، ولا يُحصّن رئيس إلا محبة واحترام شعبه.

أصبح بيننا وبين السعادة، وبيننا وبين الوطن حروب وفتن ودماء، جهل وفقر وفساد، خوف وإحباط وتطرف، نزوح ولجوء. إن قتل السعادة والأمل في مجتمعاتنا هو أقسى أنواع العذاب وأشدّ خطراً من إرهاب "داعش" السياسي.

السعادة يجب أن تكون غاية الدولة وهدفها كي تحقق الإستقرار الإجتماعي وتحافظ على كرامة المواطن بالتساوي أمام القانون سلطة الدولة. معظم حكومات العالم تبني سياساتها العامة حول هدف رئيسي وهو إسعاد مواطنيها، وكل قوانينها مبنية على تسهيل أمور الناس كي ينعموا بعيش كريم.

دولة "السعادة" أو حكومة "السعادة" لا تتطلب مجهوداً، ولا تتطلب أموالاً طائلة لبنائها، إنما خطة عمل وإرادة وطنية لتنفيذها كي يشعر المواطن أن لديه وطن. أين مهمة الدولة من التنمية الإجتماعية والتنمية المستدامة؟ بمعنى آخر أين سياسة الحكومات من حسن توزيع الثروة الوطنية وحصة الفرد من فرص العمل وتقليل نسب الفقر والمساواة في الحقوق؟ وأين السياسة البيئية لحفظ الموارد الطبيعية من ماء وهواء وطاقة وغيرها؟ وأين التقارير الدورية للحكومات في تحقيق التنمية المستدامة لشعوبها؟

هل التنمية المستدامة التي تؤمن ضرورات العيش من طعام ومسكن وصحة وحماية للجميع وتقضي على الفقر وتحسن مستوى التعليم هي إعجاز كبير صعب مناله؟ ألا يدرك أهل الحكومات أن السعادة هي رأس المال الحقيقي لتحرير عجلة الدولة الإقتصادية والإجتماعية؟ ألا يعلم صناع القرار أن السعادة هي المفتاح الذهبي لمكافحة التطرف والإرهاب والتحرر من الخوف والخطر؟ أين قادة الرأي من إعادة إحياء صاحبة "السعادة" ومواجهة صناع السياسة وفرض حق المواطن على الطاولة كأولوية قصوى؟

الأمم المتحدة دعت ودعمت الدول لإدماج مفهوم السعادة كمؤشر رفيع المستوى في قياس تقدم الدول، وجعلت من 20 آذار - مارس يوماً عالمياً للسعادة. دول العالم المتقدمة تعمل جاهدة وبعين حنونة من أجل صاحبة "السعادة"، فالصين واليابان وتايلاند وبريطانيا وهولندا وسويسرا والسويد والدانمارك وألمانيا وفرنسا والإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول تبنت مشروع السعادة وحققت إنجازات كثيرة على صعيد الإستقرار الاجتماعي والإقتصادي والسياسي والأمني. أين نحن من هذا المفهوم؟ وأين سياسات الحكومات الحالية والسابقة منها؟

قتل صاحبة "السعادة" جعلنا دول فاسدة، ننتمي إلى دول العالم الثالث، الفقير ازداد فقراً والأغنياء أكثر غنىً، وما حادثة قطار مصر الأليمة التي هزت العالم في الأمس إلا مثال رئيس على تداعيات قتل صاحبة "السعادة" الذي ولَّد الإهمال والإحباط والكراهية، وبالتالي عدم الإنتماء إلى المسؤولية الوطنية التي لا تُفسَّر إلا بكره المواطن لوطنه، والحالة النفسية المضطربة للمجتمع بسبب قتل صاحبة "السعادة".

المواطن العربي لا يحتاج إلى كرسي سياسي بل يحتاج إلى كرسي في وطنه.
المواطن العربي لا يحتاج إلى مجلس الأمن ولا غيره بل يريد سعادة وطنه.
المواطن العربي لا يريد سياسات خارجية بل يحتاج إلى صاحبة "السعادة" كي يعيش بكرامة.