بيروت - لبنان

5 آذار 2024 12:00ص خمسون عاما ً على رحيلها!

حجم الخط
نستهلّ، هذه الأيام، العام الخمسين لرحيل كوكب الشرق أم كلثوم، التي أبدعت بغنائها بمؤازرة عباقرة في اللحن والشعر...
كانت أم كلثوم معجزة الفن الأصيل. وإن الأجيال لا يمكنها أن تخلف واحدة مثلها إلّا نادرا. فطبقات صوتها في أعلى ذروة من السمو والإبداع. تتحكّم فيه كما تشاء، وتتلاعب بنبراته مثلما يحلو لها أن تتلاعب، فلا البلبل يضارعها بتغريده، ولا العندليب يدانيها بصداحه. فإن قالت: يا ليل، شدّت إليها الأفئدة، وملكت المسامع والخواطر، وإن تتالت منها الآهات، حارت الحساسين، وخجلت الهزارات، وأنصتت نجوم السماء.
عندما تسمع صوتها المملوء رقّة وحنانا ورخامة، تقول في نفسك ان حنجرتها قد كوّنت بعناية إلهية خاصة، مكّنتها من الشدو الملائكي العجيب.
من مهد حضارة عالمنا العريقة الباذخة، نسمع صوتا يحمل إلينا نشوة روحية عذبة تثبت لنا أن شرقنا الذي أعطى العالم الأنبياء والمرسلين، أعطى أم كلثوم موهبة الصوت النازل من السماء.
قال لي أحد طلابي في جامعة نانسي الفرنسية، وكنت أسمعه ورفاقه مقطوعات من سيدة الغناء: أتمنى أن أفهم مباشرة تغاريد هذا البلبل الآتي من عالم مجهول! وأضاف: لا يسعني أن أدرك أو أصف جمال الكلمات وروعة المعاني وسمو هذا الصوت الذي لفّني بموجة من الخشوع القدسي، ونقلني على أجنحة النغم الشرقي، إلى روحانية الشرق وصفائه...
حافظت أم كلثوم إلى آخر لحظة من حياتها، على قدسية الفن، وتمسّكت في قوة، بالأصالة العربية واللحن الجميل المنبثق من أعماق الروح الشرقية، وترفّعت عن كل ما يخدش سمعتها أو يسيء إلى كرامتها، وكرامة النهج الفني الرفيع الذي سلكته، والذي كتب عليها بعد رحيلها عنا، في ٢٢ شباط ١٩٧٥، أروع وأشرف آيات المجد والخلود.
لا يمكن عالمنا الصاخب أن يترك في النفوس صدى يتردد فيها حلوا كما يتردد صدى صوت أم كلثوم، لا سيما أن عباقرة الشعر والموسيقى قد آزروها...
إن صور بعض «المغنين» اليوم، قد تبهرنا، ولكنها لا تشفي غليلنا أو تصفي عدوانية طبعنا البشري. وسوف تظل مبتكرات أم كلثوم وعبد الوهاب والسنباطي وأحمد رامي...تهتزّ لها أنفسنا اهتزازا. وقد تمتّعت أم كلثوم نفسها بقدرة قوية على إعادة النظر في النصوص المرفوعة إليها...
وتبّا لكل «فنان» أو «سياسي» يلعب، بلا جدارة وتجربة، على كل حبل، ويمالئ كل ذي حول وطول من أجل شهرة رخيصة!

articles.jihadnaaman.com
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه