بيروت - لبنان

17 شباط 2024 12:00ص ماجدة الرومي تُساقُ إلى الخندق!

حجم الخط
الكلام الذي قالته ماجدة الرومي في أبو ظبي، لا يستدعي إي ردّ سلبي نظراً لطبيعته العامة، فكيف بالردود الطاحنة التي كأنما كان أصحابها بانتظار خطأ ما، أو شيءٍ يتصوّرونه خطأ، ليهجموا ببنادق ورشاشات وصواريخ لا تقل تدميراً عن التدمير الذي نراه بأُمّ عيوننا كعرب، لفلسطين، ولا نتجرأ على رفْع عصا في وجهه.
ماذا قالت ماجدة الرومي يا عمّي. انتقدت أناساً في بلدها يدّعون الانتساب إلى لبنان وهو بريء منهم. إي.. مين يعني؟ هناك فئة حاكمة هي التي ضيّعت البلد ومواطنيه، فهل هي المقصودة بكلام ماجدة، ممكن! هناك فئات شعبية سياسية ملتزمة محور المقاومة، فهل هي خاربة البلد بنظَر ماجدة؟ سؤال! وهناك فئات شعبية سياسية ملتزمة السياسة الأميركية - العربية في لبنان، فهل هي المقصودة؟ كمان سؤال. لكنّ المشكلة كامنة في أن جميع الذين ردّوا على ماجدة كانوا من جميع هذه الفئات من دون استثناء، وكل فريق كان يتمنى لو أن ماجدة كانت «أشجع» في التسمية وفي ظنّه أنها من سياسته وستسمّي خصمَه. تفسيرات تقسيمية، أُخذت منها الجملة الأولى التي تسمح بالعَنعَنات لأن الجملة المتبقية عن الله لا تعني أحداً في لبنان إذ تقول إن لبنان له ربّ.
وهناك من عاد بماجدة إلى تصريح سابق لها في مطلع الحرب على غزة تتحدّث فيه عن كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون» الذي نبّهها والدها حليم الرومي إلى ضرورة قراءته وإدراك ما جاء فيه  يوم كانت لا تزال فتاة في بيت أهلها. ومنهم مَن لَامَها على ذلك الكلام وكأنه كلام يوافق «معاداة السامية» لأنه يتحدث عن اليهود.
أولاً: لم يستطع أحد إلى الآن الفصل القاطع بين من كتَب الكتاب، أهُمُ اليهود في تفاهماتهم «الداخلية» في العالم، أم أعداء اليهود كما يقال «لتشويههم» (مع أنه الألصَق بتاريخهم). ودعونا نواجه هذا المنطق بأسئلة:
في القرن الثاني عشر طُرد اليهود من فرنسا بسبب فسادهم في الأرض مادياً ومعنوياً وظلوا ثلاثمائة عاماً مطرودين منها، فماذا كان اسمهم يومها في فرنسا يهوداً أم صهاينة؟ إسمهم كان اليهود. وبعد فرنسا طُردوا من بريطانيا ومن ألمانيا ومن إيطاليا حيث أُحرق كتاب التلمود الذي «يرافقهم» بقرار من بابا الكنيسة، وأسباب الطرد هي عينُها بأنهم يتحكمون بالكتلة المالية في البلد ليتحكموا بالسياسات (وهذا ما تورده بعض صفحات البروتوكولات التي ليست كلها عن المستقبل بل عن الماضي أيضاً). السؤال عينُه: هل كان اسمهم في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا يومها الصهاينة أم اليهود؟ كان اسمهم اليهود. كلمة الصهيونية والصهاينة بدأت بعد مؤتمر «بال» في سويسرا عام ١٨٩٧ (وصهيون - تلّة في القدس لها هذا الإسم عندهم)، ودراستي للصراع العربي - الإسرائيلي وتاريخ اليهود ترجّح أن كلمة الصهيونية كانت خياراً يهودياً تبنّته دول العالم الكبرى لإبعاد كلمة اليهود عن التداول، ووضع كلمة سياسية بديلاً منها هي الصهيونية. وإذا كان لنا أن نتبع الفلسطينيين أنفسَهم في شيء فينبغي أن يكون في تسمية اليهود باسم اليهود. يقولون قصَف اليهود، قتَل اليهود، احتلّ اليهود، ذبح اليهود.. لم نسمع يوماً أحداً من الفلسطينيين (حتى الآن في غزة) إلّا ويقول اليهود حين يتحدث عن إسرائيل، فكأن الفلسطيني العادي يجد مسافة شاسعة بينه وبين كلمة الصهيونية فلا يلفظها، فهل نغسل ذاكرته ولسانه وعينيه، واليهود يرتكبون الفظائع الجهنمية به، ونعوّده على أن المرتكبين هم الصهاينة والصهيونية؟
لم يرفع اليهود دعاوى «معاداة السامية» إلّا ليخلّصوا دِينَهم من السُّبَّةِ اللفظية جراء ما يفعلون باسم الدين، وليسحبوا كلمة يهود من التداول، وقد نجحوا في إرهاب الناس في العالم كله، فبات المتكلمون يقولون الصهيونية وقصدُهم اليهود. نعرف أن هناك أعداداً محتَرَمة الحجم من اليهود الذين ضد الصهيونية وهؤلاء يغضبُهم لفظ كلمة اليهود في مَعرض السوء والشرّ، بدلاً من الصهيونية لكن لا يجوز أن يغيب اليهود كليّاً، تحديداً اليهود المتدينون الذي يُفتُون بقتل الفلسطينيين والعرب والمسلمين. إن تغييب كلمة اليهود يؤدي إلى الاستجابة للدولة اليهودية (ما هُم منزعجون من تسمية الدولة بهذا الاسم!) ويطابق العقلية اليهودية التي تدعو إلى تَركَ اليهودية تنجو مما يُفسِدون على أنه ارتكاب صهيوني لا يهودي! ولسنا (نحن الذي نخشى معاداة السامية!) الذين أدخلنا اليهودية إلى الصراع كعنوان من عناوين القتل والذبح. شاهِدوا بوضوح الوثائقيات التلفزيونية لدى كبار السن اليهود الذين أتوا إلى فلسطين في الثلاثينيات والأربعينيات كيف يتحدثون بمنطق يهودي كامل وبلا أي لَبس، ويُعرّفون بأنفسهم عبر كلمة يهود عشرات المرات وهُم يَصفون التجزير بالفلسطينيين، والقتل «المُسلّي» و«المُتمِع» في حين لا تمر كلمة صهيوني كوصف لأنفسهم، على ألسنتهم بالمرّة.
أي شريط تلفزيوني قديم عن النكبة، أو متوسط العمر عن النكسة، أو حديث عن العشرين - ثلاثين سنة الأخيرة يعطيك الحكمة من أفواه الفلسطينيين (وأفواه اليهود) من مختلف الفئات الشعبية الذين لم يسمعوا بكلمة صهيونية إلّا كتَوريَة عند بعض المثقفين، أما ألأصل والفصل والجذعُ والفرعُ عندهم فهي اليهودية.
و«بروتوكولات حكماء صهيون» كتاب من حيث مضمونُه وعقليته ونصوصه وأسلوبه الفوقي هو رباط الحاضر (١٨٩٧) الذي خطّط فيه اليهود نحو الشرق والعرب والمسلمين، مع الماضي الذي ترَاكَمت فيه كراهية شعوب أوروبا كلها لليهود الذين أفرغوا خزائن الدول المالية في تعاملاتهم السافلة التي نصَبَت شِراكاً لها ولشعوبها. كتابٌ هو نتاج مرحلتين، واحدة انقضت وتعلّموا منها، وثانية مُقبلة وينبغي أن يستعدّوا لها. وسوف يبقى خطاب الرئيس الأميركي بنيامين فرانكلين أواخر القرن السادس عشر يترددُ في دوائر الإدارة والأرض الأميركيّتَين من دون مجيب: «أوقفوا هجرة اليهود إلى أميركا وإلّا فإن التاريخ سيلعنُكم، وستجدون أنفسَكم غير قادرين على التحكّم بسياساتكم، وستفقدون بلادكم»...
أخَذَتنا ماجدة الرومي بتصريحين لها إلى موضوعين كبيرين، لبناني، وعربي - إسرائيلي. فعودة إليها: كلٌّ من المواطنين في لبنان يغنّي على ليلاه ويرقص على ليلاه ويتسيّس على ليلاه، ومهما حاولتْ أن تُفسّر ستقع في فخّ المعاني والأهداف والمقاصد وفي أي خندق تقف. فاللبنانيون اختصاصيو خنادق بسبب تعدّد الأهواء والنوازع والميول الجارفة. وهناك فئة بشَريّة إضافية كبيرة جدّاً هي نصيرة الطبقة السياسية المتّهمة بالفساد وإفقار اللبنانيين التي أُعيد انتخابها من الشعب المنهوب؟ كيف نسيناها وهناك مَن سينزعج مِن جمهورها وسيفُش خلقَه بماجدة باعتبار فَشةِ خُلقِهِ بها لن تكلّفه عبسة من زعيمه أو سؤالاً من عَسَسِه، وسيبدو صاحب رأي!
لا يدرك اللبنانيون وهم يتناولون بالتشطيب نجمة معتَبَرة في فنهم الغنائي أن الرموز الغنائية والفنية الباقية ندَرَت. ولا تدرك ماجدة أن منطقها مهما يكن مُحكَماً في السياسة سيكون له قنّاصون.
هذا هو لبنان، تسلّمناه هكذا. وهكذا سنُسلّمُه ولن تتغيّر فينا خطوة... حتى ولو عرفنا أنها إلى الهاوية!