19 تموز 2023 12:18ص الإنفتاح التركي الجديد وعقدة المصالحة مع الأسد

حجم الخط
قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في مطار اسطنبول قبل بدء رحلته الخليجية والتي يزور خلالها المملكة العربية السعودية ودولة الامارات ودولة قطر بأن بلاده قد قطعت مسافة مهمة في علاقاتها مع دول الخليج، وبأنها تسعى لاقامة «حزام سلام» واستقرار وازدهار، حولها.
وقدم اردوغان بالمناسبة الشكر للدول الخليجية على سخائها في تقديم المساعدات لتركيا عقب وقوع كارثة زلزال 6 شباط الماضي، وأضاف بأن الزيارة لا تهدف فقط لزيادة التعاون الاقتصادي والاستثماري مع الدول التي سيزورها، بل سيتبادل مع رؤساء هذه الدول وجهات النظر حول المسائل الاقليمية الهامة.
وتشير تصريحات اردوغان هذه الى توجهات جديدة للسياسة الخارجية التركية مع بدء رئاسته الثالثة، وخصوصاً مع المملكة العربية السعودية (الشريك الاقتصادي الأكبر) بعد انتكاسة العلاقات التي تسبب بها مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول.
في توجهات السياسة الخارجية التركية الجديدة بعد اعادة انتخاب اردوغان، وبعد استعادة العلاقات مع مصر واسرائیل والمملكة العربية السعودية، يبدو بأن اهتمامات أردوغان ستتجه الآن نحو استعادة العلاقات مع نظام بشار الاسد في سوريا. وكان التمهيد لهذه الخطوة المستقبلية قد بدأ في موسكو في 28 كانون أول عام 2022 من خلال اجتماع مسؤولي المخابرات في البلدين، وذلك منذ انقطاع العلاقات بين الدولتين في عام 2011. صرح اردوغان بعد اجتماع موسكو عن رغبته في لقاء الرئيس بشار الأسد وبأنه من الضروري وضع الخلافات الشخصية جانباً، وبدء علاقات تخدم مصالح البلدين.
لم تحظَ دعوة اردوغان هذه بأي رد فعل إيجابي من قبل الأسد بالرغم من رغبة موسكو لحصول اللقاء، إلا أن الدعوة لم تلقَ اي تجاوب من دمشق ، وهكذا ذهبت الأمور نحو عقد اجتماع في العاشر من أيار على مستوى وزراء الخارجية، بمشاركة كل من روسيا وایران - والتي لم تسفر عن اية خطوات عملية باتجاه المصالحة.
تعترض عملية المصالحة بين أنقرة ودمشق عقبات كأداء وشروط ومطالب معقدة وصعبة، ولا يبدو انه يمكن تحقيقها في ظل الظروف الراهنة.
على الدعوة التركية للمصالحة رد النظام السوري بمطلبين اساسیين: الاول - ان تسبق المصالحة انسحابات عسكرية كاملة للقوات التركية من الاراضي السورية، والثاني ان تتخلى تركيا عن دعمها العسكري واللوجستي والسياسي لفصائل المعارضة السورية على اختلافها. وترى تركيا ان تجاوبها مع هذين المطلبين شكل خضوعاً من قبلها لمشيئة بشار الأسد، وسيؤدي ذلك حتماً إلى فك العزلة الدولية المفروضة على النظام السوري. من الواضح بأن طلب اردوغان للمصالحة يعنى فعلياً تخلِّيه عن مطلب تغير النظام السوري، ولكن ذلك، لا يعني اطلاقاً تخلِّيه عن مطلب وصول رئیس جديد لسوريا عن طريق تطبيق القرار الدولي 2254.
يبدو بوضوح بأن رغبة اردوغان للإنفتاح على النظام السوري تنطلق من حاجة داخلية ملحة، وتتعلق بمستقبل ما يقارب ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ سوري متواجدين على الاراضي التركية بعد أن شكل مصيرهم المسألة الأبرز في النقاش السياسي بين أردوغان والمعارضة، أثناء المعركة الانتخابية الاخيرة والذي دفع أردوغان للتعهد بالعمل على إعادتهم إلى سوريا، كما يدرك اردوغان بأن عمليته العسكرية داخل سوريا لمنع قيام دويلة كردية - لن تحقق اهدافها إلا بالتعاون مع النظام السوري والذي يملك قوة الشرعية لمنع قيام هذه الدويلة. ومن الواضح ان اردوغان كان يأمل ان يؤدي اجتماع وزير دفاعه ورئيس مخابراته مع نظيريهما السوريين الى حركة ديبلوماسية بين انقره ودمشق، تنتهي بالتوافق على خطة لانهاء حالة اللجوء السوري في تركيا، ومنع قیام أي كيان كردي مستقل في الشمال السوري.
كانت روسيا قد سعت من جهتها لتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا من خلال دعوتها لعقد اجتماع بین وزراء دفاع تركيا وسوريا وایران في 25 نيسان الماضي، وقد اتبعته بدعوة لاجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاث في 10 ايار حيث تركزت المناقشات حول إيجاد الحلول والتعاون في مجال مكافحة الارهاب والعودة الآمنة للاجئين، والحفاظ على وحدة الاراضي السورية.
والسؤال المطروح الآن يتمحور حول مدى تأثير التطورات التي حدثت في الإقليم على مسار العلاقات التركية - السورية، وذلك بعد الانفتاح العربي من النظام السوري، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية ، ودعوة الرئيس الأسد لحضور القمة العربية في جدة.
ولا بد في هذا السياق من توقع أن يحمل الاتفاق السعودي - الايراني الأمل في تسهيل عملية الانفتاح بين انقره ودمشق، وذلك انطلاقاً من رغبة طهران للحفاظ على حليفها الأسد على رأس السلطة من خلال إيجاد المناخات الداعمة ومن خلال قيام شراكة ايرانية - تركية في سوريا وعلى مستوى الاقليم .
يمكن أن يستفيد النظام السوري من التقارب التركي – الايراني وذلك من خلال قيام اردوغان بجهود ديبلوماسية دولية لتخفيف العزلة عن نظام الأسد، ويدرك الرئيس ابراهيم رئيسي أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه مع أردوغان، والذي يمكن أن يصب في صالح حليفه في دمشق، وسيؤدي مثل هذا التطور في الموقف الايراني إلى تسريع عملية المصالحة بين أردوغان والاسد، وسيكون لهذا التطور ابعاده وأهميته في الجيويوليتيك الاقليمي.
لكن لا يمكن بعد فوز أردوغان في الانتخابات توقع بأن المصالحة تسير بخطى متسارعة، وهذا ما يفترض عدم توقع حصول أي اختراق جدي في العلاقات، وبما يفتح الطريق للقاء بين الرئيسين في المدى القريب، وذلك وفق تصريح أدلى به الناطق باسم اردوغان ابراهيم كالين.
تدرك تركيا أهمية الدخول في مفاوضات لحل أزمة اللاجئين وهي تدرك غموض موقف النظام من امكانية تسهيل هذه العودة، ويساور تركيا الكثير من الهواجس حول مستقبل الوضع في محافظة ادلب، والتي يمكن في حال عودة قوات النظام السوري إليها أن تتسبب بنزوح المزيد من اللاجئين نحو تركيا، وهذا ما يؤرق الرئاسة التركية، ويدفعها للتصلب في موقفها ورفض أي انسحاب لقواتها العسكرية من سوريا قبل حصول اتفاق يؤمن مصلحة الأمن القومي التركي سواء في مسألة الدويلة الكردية أو في حل أزمة اللاجئين.