بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 أيلول 2023 12:07ص السُنّة وتحديات الحفاظ على الحضور واسترجاع النفوذ

حجم الخط
السنّة غائبون عن المسرح السياسي منذ خروج سعد الحريري من العمل السياسي والوطني، ويمكن القول بأن دورهم قد تراجع الى المستويات الدنيا، وتلاشى نفوذهم وخفتت اصواتهم، وفقدوا ثقلهم في موازين القوى الوطنية، وانكسفت شمسهم التي كانت تشعشع في سماء جميع العواصم العربية. والمؤسف ان غياب دورهم يأتي في زمن الازمة الكبرى التي يواجهها لبنان، والتي باتت تهدد كينونة الكيان الذي جهد رياض الصلح لبنائه، ليتحول لبنان الى وطن يتعايش فيه ابناؤه باستقرار وسلام بكل طوائفهم ومذاهبهم.
يغيب السنّة عن دورهم السياسي في وقت عصيب، فالكيان برمته مهدد بالسقوط في ظل مفاعيل الازمة السياسية والاقتصادية والمالية المدمرة، ولا أمل بالخروج منها في ظل فقدان حالة التوازن الوطني، بفعل وجود سلاح مهيمنة، يوطنه حاملوه لخدمة مشروع خارجي، يرتبط بطهران وبولاية الفقيه.
يبدو بأن السنّة قد نسوا بأنهم يعيشون في بلد تحكمه سياسة التوازن الطائفي، بحيث تشعر كل جماعة انها ند للاخرين، لها نفس الحقوق والواجبات، وبأن عليها تقع مسؤولية الحفاظ على مكتسباتها ونفوذها الخاص.
فقد السنّة بوصلة العمل السياسي عملياً على امتداد اعوام الحرب ما بين عامي 1975 و1990، بعدما جرى اتهامهم من شركائهم في الصيغة اللبنانية الموارنة بموالاة الفلسطينيين، في الوقت الذي اتهمتهم القوى اليسارية والتقدمية بالاستمرار بموالاة الموارنة.
في الواقع السياسي، لم يستفد السنّة من الوجود الفلسطيني القوي في لبنان، حيث سعت منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات لتحويل لبنان الى قاعدة عسكرية وسياسية لها، سواء في صراعها مع اسرائيل او من اجل اكتساب مشروعية عربية ودولية، وذلك بالرغم من الرفض المسيحي للقبول بهذا الواقع الجديد، والذي بات يهدد الدولة والكيان.
زاد تهميش دور السنّة بعد دخول القوات السورية الى لبنان وذلك على خلفية اتهامهم بالموالاة للفلسطينيين ولياسر عرفات، بالاضافة الى تحالف السوريين بداية مع المسيحيين ومع منظمة امل الشيعية، ولاحقاً مع حزب الله، وخصوصاً بعد حصر لامقاومة في الجنوب بهذا الحزب، واخراج كل الاحزاب والقوى الاخرى من معادلة مقاربة الاحتلال الاسرائيلي. واستمر الدور السني في التراجع بعد خروج الفلسطينيين من لبنان، مع استقواء وتمدّد نفوذ الطوائف الاخرى التي استفادت الى اقصى الحدود من الدعم والنفوذ السوري.
خرجت الطائفة السنية من الحرب الاهلية متخمة بالجراح، وفاقت خسائرها عن خسائر جميع الطوائف الاخرى، وذلك بعد ضرب قياداتها السياسية ورموزها الدينية، وقد بدت الساحة مع اقتراب نهاية الحرب الاهلية خالية من كل القيادات والقوى التقليدية، مع استثناء وجود الرئيس سليم الحص الذي صعد الى موقع رئاسة الحكومة من خارج صف الزعامات العائلية والتقليدية، من خلال علاقته الشخصية بالرئيس الياس سركيس.
شعرت الطائفة السنية بقوة استهدافها بعد مقتل مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد، والذي كان يمثل ابرز القيادات السنية الموثوقة والجامعة، ولم يتبدد هذا الشعور بالاحباط العام إلا بعد انتهاء الحرب وقيام الجمهورية الثانية، وصعود الرئيس رفيق الحريري، والذي اظهر منذ الايام الاولى لصعوده بأنه يطمح الى قيادة كل لبنان، مع كل مكوناته طوائفه.
بالفعل نجح رفيق الحريري في اعادة اعمار العاصمة، كما نجح سياسياً في اعادة لبنان الى الخارطة السياسية العربية والدولية، مستفيداً من العلاقات الخاصة التي تربطه بدول الخليج وببعض عواصم القرار الغربية والتي سهلت له التعامل مع النظام السوري المهيمن أمنياً وسياسياً على لبنان، كما سهلت له ايضاً اقامة علاقات مؤقتة من التعاون مع حزب الله وايران. لكن سرعان ما شهدت هذه العلاقات مع محور المقاومة تراجعاً متسارعاً بعد وصول الرئيس اميل لحود الى بعبدا، مع بروز حالة من التناقضات بين رؤيته للدولة ومستقبل لبنان ودوره على المستويين العربي والدولي مع توجهات رفيق الحريري ورؤيته لمستقبل ودور لبنان.
واستمر التدهور في علاقات الحريري مع لحود الى نقطة اللاعودة بعد صدور القرار الدولي 1559. والذي طالب بنزع سلاح جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، مع استعجال انسحاب الجيش السوري الى سهل البقاع تنفيذاً لاتفاق الطائف. وكان واضحاً بأن صدور هذا القرار، قد يستعمل لاستعجال قتل الحريري في قلب العاصمة التي اعاد بناءها.
وبالرغم من الصدمة السياسية والشعبية التي احدثتها عملية اغتيال الحريري، والتي ادت الى تجمع كل القوى السيادية الاسلامية والمسيحية الى تشكيل حركة 14 آذار للوقوف في وجه المد الذي يقوده حزب الله ومحوره حمايته فقد استمر السنّة بالشعور بأنهم يواجهون جملة من التحديات والمخاطر التي تهدد كيانهم ووجودهم، كما تهدد النظام السياسي ودورهم التاريخي في قيام الصيغة.
في ظل المد العاطفي الذي ولدته عملية اغتيال الرئيس الحريري وما معه من الشهدء، نشأ تيار المستقبل بقيادة سعد الحريري، والذي سرعان ما اصطدم بمعارضة حزب الله وبقية القوى المنضوية تحت مظلة جبهة الممانعة بدعم مباشر وغير محدود من ايران وسوريا، اضطر الحريري وحلفاؤه لتقديم تنازلات كبرى لمحور الممانعة سواء في عمليات تشكيل الحكومات او في القبول بسن قوانين انتخابية هجينة، تخدم حزب الله وحلفاءه من الشيعة والمسيحيين في التيار الوطني الحر.
ارتكب سعد الحريري خلال فترة ترؤسه لتيار المستقبل ورئاسة الحكومة اخطاء كبيرة وجسيمة، وكانت اخطرها طي صفحة الخلاف مع النظام السوري بعد ان كان اتهمه لسنوات باغتيال والده. وجاءت الضربة القاسية للحريري ولدور السنة من خلال نجاح حزب الله والتيار الوطني الحر في اسقاط حكومته عام 2011 وعلى اثر مبادرة سعودية - سورية بتطويق الازمة، الناشئة على خلفية صدور قرار ظني من المحكمة الدولية الخاصة واتهام عناصر من حزب الله بتنفيذ عملية الاغتيال. اضطر الحريري للسفر الى خارج البلاد، والتنقل بين فرنسا والسعودية لمدة ثلاث سنوات. عاد الحريري عام 2014، في ظل شغور سياسي رئاسي بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان. واتجه الحريري نحو ركوب مغامرة جديدة مدمرة له ولدور السنّة في لبنان من خلال رضوخه للضغوط وقبول انتخاب العماد ميشال عون مرشح حزب الله لرئاسة الجمهورية، فاتحاً بذلك الطريق لانهاء سياسي واقتصادي شامل، اودى في نهاية المطاف الى وصول لبنان الى جهنم التي وعدنا بها الرئيس عون بعضمة لسانه.
وتسبب خضوع الحريري لضغوط حزب الله وانتخاب عون الى ارتفاع منسوب حدة التوتر بين الحريري والسعودية، والتي تجلت لاحقاً باحتجازه في الرياض واجباره على تلاوة بيان استقالة حكومته، والذي تراجع عنه لاحقاً دون الحاجة للدخول بالتفاصيل اللاحقة، فقدت ادت ازمة العلاقة الشخصية للحريري مع السعودية، وما تبعها من موقف خليجي سلبي منه ومن حزب الله، فقد اصطدم بعرقلات كبرى منعته من تشكيل الحكومة لقيادة مسيرة الخلاص وفق مندرجات المبادرة الفرنسية، فقرر التنحي والخروج من لبنان في 24 كانون الثاني 2022، تاركاً وراءه الطائفة السنية دون قيادة وفي حالة تشرذم وضياع تام، وفي زمن صعب يعاني فيه البلد من تفكك مؤسساته ومن مفاعيل اعمق ازمة اقتصادية ومالية في تاريخه.
لعب سعد الحريري كزعيم للسنة، دوراً رئيسياً في التسوية الرئاسية عام 2016، لكن يبدو بوضوح الآن بأن السنّة هم خارج اللعبة الآن في اختيار الرئيس العتيد او في وضع خطة انقاذية لاخراج لبنان من ازمته المالية والاقتصادية.
في ظل المخاطر الراهنة قد يكون بمقدور قيادات الطوائف الاخرى التوصل الى تسوية رئاسية سواء عبر مبادرة لودريان او الاسبوع الحواري الذي دعا اليه الرئيس بري، ولكن لن يكون للطائفة السنية اي دور مؤثر في مشروع اعادة بناء الدولة او الخروج من الازمة.
ان الأمل الوحيد لاستعادة السنّة لدورهم ان تفشل كل المبادرات الراهنة وان يترك الحل لتوافق عربي - اقليمي يعيد تصحيح الخلل الحاصل في موازين القوى الداخلية.