بيروت - لبنان

1 أيلول 2023 12:10ص بين «البريكس» ومشاكلنا

حجم الخط
مجموعة «البريكس» تتوسع كما قررت الدول الخمسة ذلك في اجتماعها الأخير في جوهانسبيرغ.  ثلاث دول عربية بالاضافة الى ايران والأرجنتين وأثيوبيا ستنضم الى المجموعة القوية.  الدعوة تمت لكن المعايير غير معروفة في العلن، هذا اذا وجدت.  للدخول الى الوحدة الأوروبية مثلا هنالك جولات تحضيرية تضم تغييرات كبيرة في القوانين الوطنية وتحديث للمؤسسات وغيرها من الشروط التي تطلب أو تفرض على الدول الراغبة في الانضمام.  خطورة عدم وجود معايير للانضمام الى البريكس هو أن تبقى المجموعة ضعيفة ومشرذمة الى أقصى الحدود.  ما الهدف أصلا من انشاء البريكس؟  اذا كان فقط مواجهة الولايات المتحدة، فهذا حتما غير كاف اذ أن المصيبة لا تجمع دائما بل يمكن أن تفرق عند أول مناسبة.  يجب أن يكون هدف مجموعة البريكس أكبر وأهم أي تنمية الدول المشاركة كي تقوى وتتطور وتتوحد تحضيرا لمختلف المواجهات العالمية السياسية وغير السياسية و ليس فقط مواجهة أميركا.
ما ينقص البريكس هي المؤسسات والقوانين الداخلية المقبولة من كل الأعضاء والتي يعمل على تنفيذها أولا من قبل الدول الخمسة قبل دعوة الآخرين الى المجموعة.  هنالك مؤسسة مصرفية أساسية أنشئت وتعمل برئاسة «دلما روسيف»، لكن التجارب لا تسمح بعد بتقييمها أو أقله بفهم طريقة عملها والمعايير المعتمدة والمقررة.  هل ستحافظ المجموعة على اسمها «بريكس» أم سيكبر الأسم مع زيادة 6 أحرف أخرى أم سيتغير الاسم كليا؟  أين هي المؤسسات الأخرى المشتركة مثال المفوضية الأوروبية والمحكمة والمجلس النيابي والمصرف المركزي وغيرها.  طبعا لا ضرورة لنسخ التجربة الأوروبية كليا، علما أن هنالك داخل أوروبا من لا يشيد بالوحدة ويعتبرها غير منتجة. بريطانيا خرجت من الوحدة ومن الممكن أن تخرج مستقبلا دول أخرى. هل سيكون للبريكس مع الوقت نقد واحد كاليورو؟  ما هي الآليات النقدية المتبعة لتقوية الداخل الاقتصادي حتى يصمد في وجه أقوى الرياح.
 مجددا اذا كان هدف البريكس فقط مواجهة الولايات المتحدة والدولار، فالأرجح أن المجموعة لن تنجح مستقبلا لأن مصالحها مختلفة كليا وتركيبتها الاقتصادية لا تتشابه أبدا أي من دول نفطية الى أخرى صناعية الى سياحية وزراعية وغيرها.  مصالحها مختلفة ودرجة «عدائها» للولايات المتحدة متباينة جدا وترتكز على أسباب متناقضة.  حتى الآن لم تتوضح للداخل والخارج ما الذي يجمع تلك الدول ولماذا لم تدع دول أخرى للانضمام؟  كان من المفضل تقوية الداخل الخماسي أولا وخاصة العلاقات بين الهند والصين قبل أن يفتح باب التوسع.
في كل حال، البريكس تتحرك وربما تتقدم ونحن في لبنان نسير الى الوراء.  أصبح معروفا انه لن تكون هنالك حلول قبل ملئ الفراغ السياسي بدأ من رئيس الجمهورية ونزولا الى مراكز القرار الأخرى مرورا بالقضاء وكافة المؤسسات.  من أهم ما يجري اليوم محاولة تعديل قانون النقد والتسليف لتطويره وجعله يتناسب مع التطورات الداخلية والعالمية.  تكمن خطورة الموضوع في اعتماد تعديلات مرتكزة على فترة الثلاثين سنة الأخيرة التي قامت على شواذات كبرى أهمها ابقاء الحاكم 30 سنة متتابعة على رأس المؤسسة.  هنالك من يقول بضرورة تقييد صلاحيات الحاكم كي لا تحصل الشواذات الأخيرة مجددا.
من المهم أن نتذكر أن هذه الملاحظات لم تكن موجودة تجاه الحكام السابقين منذ انشاء المصرف المركزي لأن ممارستهم للصلاحيات كانت محافظة وضمن القوانين ومبنية على المنطق وسلامة العلاقات والتوازنات بين المؤسسات.  من الخطأ بناء التعديلات على تجربة الثلاثين سنة السابقة لأنها ستذهب بنا الى أوضاع أسواء وأخطر.
من التعديلات الى يمكن اقتراحها هو أن يدخل في القانون المعدل حدود زمنية لفترة تسلم أي شخص للحاكمية أي تختصر بدورتين متتابعتين فقط أو 12 سنة كحد أقصى.  هذا يجنبنا العديد من المشاكل التي حصلت خاصة في السنوات العشرة الأخيرة كما يفسح المجال للمؤسسة كي تتنفس.  في المصرف المركزي الأوروبي، يعين الحاكم لفترة 8 سنوات غير قابلة للتجديد.  في الولايات المتحدة، تبنى الحدود الزمنية القصوى على واقع انتقال السلطة بين الحزبين، علما أن الحاكم الذي قضى في منصبه أطول فترة في تاريخ أميركا هو «ألان غرينسبان» أي 18 سنة وهذا لن يحصل مجددا لأن الجميع ينتقده.  من التعديلات الأخرى المقبولة هي أن يذكر نواب الحاكم الأخرين وليس الأول فقط، أي عند شغور الحاكمية يستلم الأول واذا شغر يعود المنصب بالانابة الى الثاني وهلم جرا والا ما مغزى وجود 4 نواب للحاكم.  هل التوزيع المذهبي فقط هو السبب؟
الموضوع الأساسي الذي لا يجب أن يمس به هو «استقلالية المصرف المركزي» في جوانبه المتعددة كي لا تتأثر القرارات النقدية بالسياسة والسياسيين.  هنالك دائما محاولات سياسية لتقييد استقلالية المصارف المركزية ليس في لبنان فقط وانما عالميا.  آخر المحاولات كانت مع ترامب في عهده لكنه فشل في تحقيقها.  من الأفضل ترك اقرار أي تعديلات على قانون النقد والتسليف الى العهد الجديد والحكومات القادمة منعا للتسرع ولأن تجربة الثلاثين سنة السابقة هي فريدة ومن الصعب أن تتكرر ولا يمكن أن نبني مستقبل القوانين الأساسية عليها.  لا مانع طبعا من تحضير أفكار ومشاريع قوانين وتقديمها مستقبلا الى العهد الجديد.  هذا ضروري وربما يجب أن يشمل قوانين عديدة أخرى مثلا كل ما يرتبط بالأحوال الشخصية والحقوق المدنية والمساواة الكاملة.
تحديات لبنان كثيرة خاصة مع بدء عام دراسي جديد، حيث يظهر أن مشاكله المعيشية والتعليمية والادارية تسبقه ولا من حلول كافية مؤكدة.  كذلك الأمر بالنسبة للصحة وتكلفتها مرورا بالتأمين وكافة التغطيات الممكنة والمتوافرة.  هذا جزء من مجموعة مشاكل أساسية يجب معالجتها قبل اقرار أي تعديلات متسرعة في القوانين.