بيروت - لبنان

10 أيار 2023 12:12ص قرار عودة سوريا للجامعة يفتقد العدالة وصك براءة للنظام

حجم الخط
لو راجعنا كعرب تاريخنا الحديث، منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى وتفكك السلطنة العثمانية، وتقسيم الدول العربية ورسم حدودها الجديدة، وفق ارادة ومصالح الدول المشاركة في مؤتمر باريس للسلام عام 1919، وبالتالي اخضاعها لحكم الاستعمارين البريطاني والفرنسي، لوجدنا انه سرعان ما ظهرت قيادات وطنية، نجحت في جمع الشعوب حولها تحت شعار المناداة بالاستقلال، وبناء دول مستقلة ضامنة للحرية وساعية لتحقيق الرقي والازدهار، وبما يؤمن للشعوب العربية المكان الذي تستحقه بين الامم.
لكن، وللأسف الشديد، لم تجرِ الامور وفق ما نادى به «القادة المؤسسون» في عهود الاستقلال الملاحقة، بل انحدرت المسارات السياسية نحو تشكيل انظمة «ارتوقراطية» استبدادية، عممت الفساد والظلم، بدل قيادة دولة نحو حكم يصون الحريات ويسعى لتطوير الاقتصاد واللحاق بالتالي بركب الامم والدول المتطورة.
بعد مرور مائة عام على بدء هذا المسار السياسي نحو الاستقلال تجدون معظم الدول العربية قد فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق الشعارات التي رفعتها خلال مسيرة المطالبة بالاستقلال، كما فشلت في تحقيق بناء ما تصبو اليها شعوبها من صون للحريات ومن تطور اقتصادي ونمو، وبما يخفف للشعوب طموحاتها بعيش كريم.
تطرح هذه الصورة القاتمة عن حال الدول العربية بعد مائة عام من تشكيل الدول والاستقلال، بمناسبة اتخاذ مجلس وزراء الخارجية العرب يوم الاحد الماضي، في اجتماعهم المغلق قراراً بعودة سوريا لاحتلال مقعدها في جامعة الدول العربية، بعد طردها باكثرية 18 صوتاً في عام 2011، وبعد ثمانية اشهر من اندلاع الاحداث، وذلك ضد الانتفاضة الشعبية المطالبة بالاصلاح.
ويأتي قرار وزراء الخارجية العرب كمبادرة استباقية لانعقاد القمة العربية في المملكة العربية السعودية في 19 ايار المقبل، وذلك نتيجة حركة عربية ناشطة خلال الاسابيع الماضية، بهدف وصل العلاقات الدبلوماسية العربية مع دمشق بعد انقطاعها لمدة عقد كامل.
بعدما نجح نظام الاسد وبمساعدة عسكرية كبيرة من ايران ومن روسيا، في دحر الثورة وتثبيت حكمه، فقد نجح في فك العزلة عن سوريا، وذلك بالرغم من عدم تقديمه اية تنازلات اصلاحية، ورفضه لكل مندرجات القرار الدولي الصادر عن مجلس الأمن رقم 2254، واجبر بالتالي جميع الدول العربية على اعادة النظر في مواقفها من النظام، وذلك تحت شعار «ضرورة تطبيع العلاقات مع دمشق كخطوة على طريق وضع مقاربة عربية لحل الازمة السورية»، وفق ما اعلنه وزير الخارجية الاردني أيمن الصفدي.
كانت المملكة العربية طيلة سنوات القطيعة مع النظام السوري اقوى المقاطعين لأية عملية تقارب او تطبيع، لكن زيارة وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان الشهر الماضي لدمشق بعد مقاطعة استمرت لعقد كامل، قد فتحت الباب امام اعادة العلاقات بين البلدين والى معاودة الرحلات الجوية بينهما.
كان من الطبيعي في ظل رفض النظام السوري للتقدم نحو اتخاذ اية خطوة اصلاحية تبعث الامل للتوصل الى اي حل للازمة، ان تفتقد فصائل المعارضة السورية خطوة التطبيع العربية مع نظام بشار الاسد، في وقت لا يزال نصف الشعب السوري مهجراً الى دول الجوار او للداخل السوري. في الوقت الذي ردّت فيه الدول العربية بأن عودة سوريا الى الجامعة العربية هي خطوة ضرورية للبحث عن الحل المنشود، دفعت الوقائع الانسانية المأسوية التي يعيشها الشعب السوري، ورفض النظام التجاوب مع كل الجهود الدبلوماسية السابقة للتجاوب مع كل الطروحات الاصلاحية كل من الاردن والكويت وقطر الى التعبير عن معارضتها لدعوة سوريا الى قمة الرياض خلال شهر ايار، قبل قبول الرئيس الاسد بالدخول في مسار اصلاحي كخطوة فعلية على طريق حل الازمة.
في نفس الوقت فقد سارعت الولايات المتحدة الى اعلان معارضتها لعودة سوريا الى الحضن العربي، مؤكدة استمرارها في تصنيف سوريا كدولة مارقة..، وبانه كان يفترض من الدول العربية قبل اعلان عودة سوريا الى الجامعة فتح الباب امام الاسد لحضور قمة الرياض شخصياً ان تحصل الدول العربية على ضمانات بقبول المسار التفاوضي لحل الازمة، واستعادة شعبه المهجّر الى دول الجوار وخصوصاً الى لبنان والاردن وتركيا.
اعتبر وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ان قرار عودة سوريا الى الجامعة العربية، يشكل خطوة تستأهل الاهتمام، وطالب ان يستتبع ذلك «خطوات كبيرة على طريق التعاون والشراكة». لكن كلامه قد غيّبكل مسؤولية سوريا للتجاوب مع المطالب العربية والدولية الداعية لانهاء حالة الحرب، وتسهيل عودة النازحين، ووقف صناعة المخدرات وتهريبها عبر حدودها الى الدول العربية، وخصوصاً باتجاه دول مجلس التعاون الخليجي.
من اجل تغطية سرعة اتخاذ قرار عودة سوريا الفورية لاحتلال مقعدها في الجامعة العربية، والذي اقر في اجتماع مجلس الجامعة بحضور 13 وزير خارجية من اصل 22 دولة، فقد اعلن عن تشكيل لجنة مؤلفة من مصر والمملكة العربية السعودية ولبنان والاردن والعراق لمتابعة مسألة البحث في حل للازمة السورية، وتنفيذ الاهداف الاخرى، وفي طليعتها مسألة عودة النازحين ووقف صناعة وتهريب المخدرات. لكن لا تتوافر اية التزامات او ضمانات سورية للتجاوب مع مساعي اللجنة. لقد اعتاد العرب على التلطي وراء تأليف مثل هذه اللجنة، للتهرب من المسؤولية المترتبة على قراراتهم المتسرعة، والتي تتخذ بشكل «عشوائي» بعيداً عن اية مقاربة سياسية واقعية او عقلانية. لقد سبق للبنانيين ان وقعوا ضحية تقاعس وسوء اداء لجان عديدة تشكل بمبادرات من قمم او مؤتمرات عربية للمساعدة في حل ازماتهم او لضبط دور الوصاية السورية للبنان.
لم تنفع اي من هذه اللجان في درء الاخطار او حل الازمات المتمادية التي واجهها لبنان عبر ما يزيد عن عقد ونصف من الزمن. حيث استمرت الاصوات والتماديات بحق اللبنانيين وبحق دولتهم، والتي شارفت في ظل سياسة العبث التي مارستها سوريا وايران واتباعهما في لبنان الى ان شارفت الدولة اللبنانية على الانهيار والافلاس الكاملين، لكن المصيبة الكبرى بأن الدول العربية بقرارها في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الاخير في الجامعة العربية، تكون قد تنكرت لادنى حقوق الشعب السوري بالحياة بأمان وكرامة في وطنه، وذلك من خلال تجاهلها لحياة نصف مليون مواطن سوري، زهقت ارواحهم على يد النظام السوري وحلفائه الروس والايرانيين وحزب الله، ومن خلال تناسي مصير ومستقبل 12 مليون مهجر ونازح سوري.
وكان اللافت والمثير ان زيارة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي لدمشق كانت قد سبقت القرار العربي بأيام معدودة، حيث وصفها الناطق باسم الخارجية الايرانية ناصر كنعاني بأنها «كانت فرصة عظيمة لتحديد مسار جديد» لعلاقات بين البلدين، معتبراً بأنها «من ابرز الاحداث المهمة في تطورات العلاقات بين الدولتين بعد انتظار محور المقاومة». واضاف كنعاني بأن رئيسي والاسد قد وقعا على اتفاقيات مهمة وعلى وثيقة التعاون الشامل الطويل الامد بين البلدين.
بالرغم من رياح التغيير التي هبت باتجاه المنطقة في اعقاب توقيع الاتفاق السعودي - الايراني بدءاً من اليمن، سرت تكهنات عربية ودولية بان رياح التغيير ستشمل الدول الواقعة تحت الهيمنة الايرانية ومن بينها لبنان وسوريا والعراق، ولكن جاءت زيارة رئيسي لدمشق بدعوة من الاسد لتؤكد بأنه لا يمكن للنظام السوري التخلص من الوصاية العسكرية والاقتصادية والثقافية الايرانية. ولقد ادركت هذه الحقائق كل من الولايات المتحدة والمفوضية الاوروبية، حيث ردا على قرار تطبيع العلاقات مع سوريا بأنه لن يكون هناك تطبيع للعلاقات بينها وبين النظام السوري دون حل سياسي شامل للازمة السورية وفق قرارات الامم المتحدة.
كان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد صرح بأن «التجربة السورية أثبتت انه لا حل عسكري لها والسبيل الوحيد للتسوية هو الحل السياسي». ولكن يبقى السؤال الاساسي حول مدى قناعة الرئيس الاسد بالانخراط بالمساعي السياسية العربية والدولية لبلوغ هذا الحل السلمي المنشود. لكن سرعان ما جاء الرد على مقولة الوزير المصري في مقال اوردته صحيفة «الوطن» السورية بتاريخ 8 أيار 2023 معتبراً بأن «مخاطر التسوية المفترضة للأزمة السورية لا تقل خطورة، من حيث النتائج التي يمكن ان تؤدي اليها من الحرب التي دارت رحاها علينا من دون ان يبلغ مديروها المبتغى الذي رسموه لها حين انطلاقتها». من هنا يبدو جلياً بأنه لن يكون من الممكن اقناع النظام السوري بالسير بصدق ومسؤولية في المشروع العربي الجديد، الناتج عن مندرجات الاتفاقية العربية - الايرانية.