بيروت - لبنان

اخر الأخبار

18 تشرين الأول 2018 12:49ص أكبر مأساة نزوح منذ الحرب العالمية الثانية (4/4)

لبنان يستقبل أكثر من ربع سكانه.. وأعباء هائلة على الإقتصاد

حجم الخط

خطة لبنان للإستجابة لأزمة النازحين تتطلب مليارين  و750 مليون دولار


إذا كانت نكبة اللاجئين الفلسطينيين عام 1948، إحدى أكبر فظائع القرن العشرين، جرّاء العدوان الصهيوني، وتواطؤ المجتمع الدولي، الذي عطّل تنفيذ القرار الأممي رقم 194، وشتّت الفلسطينيين في لبنان وسوريا والأردن، وفي أرجاء مختلفة من دنيا الله الواسعة، فإنّ أزمة النزوح السوري منذ عام 2011، تشكّل أكبر مأساة إنسانية، وأضخم أزمة نزوح في التاريخ الحديث منذ الحرب العالمية الثانية، وفقاُ لدراسة أعدّها معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية ببيروت، تنشرها «اللـواء» على حلقات..
في الحلقة الرابعة والأخيرة في ضوء المستويات العالية التي تتسم بها المساعدة الإنسانية الممنوحة استجابة للأزمة السورية، من المهم قياس التأثير الاقتصادي لحزم المساعدات على اقتصادات البلدان المضيفة. ففي حال لبنان، يشار إلى أن كلّ دولار أميركي يتم إنفاقه على مساعدة إنسانية له مضاعف اقتصادي وقدره 1.6 دولار أميركي في الاقتصاد المحلي. ويمثل المضاعف الاقتصادي الأثر الكلي لنفقات المعونة الإنسانية على مجموع الطلب المحلي، والناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد اللبناني قبل الأزمة. 
وعلى هذا النحو، فإنّ المعونة الإنسانية البالغة 1.258 مليار دولار أميركي التي قُدّمت للبنان منذ العام 2011 حتى بداية العام 2017، كما هو موّثق في خطة لبنان للاستجابة للأزمة 2017-2020، ضخّت في الواقع 2.01 مليار دولار أميركي في الاقتصاد اللبناني. كما أدّت إلى زيادة مقابلة في الطلب تكملها زيادة في العرض. وعلى الرغم من أنّ الآثار غير المباشرة للأزمة السورية قد فرضت قيوداً على الموارد والبنى التحتية المحلية، فإنَّ حزم المساعدات الإنسانية قد ساعدت في التخفيف من حدة بعض عواقبها السلبية عن طريق إدخال الموارد المالية في البلدان المُضيفة.
ومن أجل تمويل الاستجابة للأزمة السورية للعام 2017، تتطلّب خطة لبنان للاستجابة للأزمة تأمين مبلغ 2.75 مليار دولار أميركي. غير أنّ الموارد التي تمّ الحصول عليها من الهيئات المانحة دعماً لهذه الخطة بلغت فيمتها 729.32 مليون دولار أميركي، ما يُمثّل 27% ابتداءً من أيلول 2017، إنّ هذا الرقم مُخيف، نظراً لكون التمويل هذا بالنسبة إلى خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2017 أقل من العام الماضي. وفي الوقت نفسه من العام الماضي، تلقّى شركاء خطة لبنان للاستجابة للأزمة مبلغ 980 مليون دولار أميركي، ما يُمثل 40% من استغاثة العام الماضي. ويضمن التقاسم الدولي لمسؤولية اللاجئين والمجتمعات المضيفة استمرار خطة لبنان للاستجابة للأزمة في دعم تلك الأزمة. وتهدف الحكومة اللبنانية وشركاؤها، من خلال النهج الشامل لخطة لبنان للاستجابة للأزمة، وبدعم من الشركاء الدوليين والوطنيين، إلى تعزيز تقديم الخدمات اللازمة، والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، وتوفير الحماية للاجئين، وكذلك اللبنانيين الفقراء في السنوات المقبلة. كما يسعون إلى مواصلة التخفيف من حدّة التوتّرات القائمة بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة لهم، من خلال تعزيز المساعدات المخصصة للاجئين واللبنانيين في أكثر المناطق فقراً.
لقد تمّ تعزيز قدرات الحكومة اللبنانية لمواجهة أزمة اللاجئين. وفي العام 2016، تمّ تعيين 772 موظفاً إضافياً في الإدارات الرسمية اللبنانية، لتعزيز قدراتها المؤسّسية على الصعيدين الوطني والميداني، ولم يتسنَّ توظيف عدد إضافي من الموظفين إلاّ بفضل التمويل الذي قدّمه المانحون الدوليون، وكجزء من مبلغ 157.5 مليون دولار، تمّ تخصيصه للمؤسّسات العامة. وعلى الرغم من أنّ الدعم المالي ودعم الموظفين العام للهيئات العامة قد انخفض في العام 2016 مقارنة بالعام 2015، فقد كان هناك تركيز خاص على توسيع نطاق الدعم المُقَدّم إلى ثلاث مؤسّسات رئيسية. فقد ازداد الدعم المقدَّم إلى وزارة التربية والتعليم العالي وشبكتها من المدارس الحكومية. كما كان هناك تركيز قوي على دعم وزارة الشؤون الاجتماعية وشبكتها من مراكز التنمية الاجتماعية، حيث إنّ هذه الأطراف مسؤولة عن تنسيق الاستجابة للأزمات، وهي المزوّد الرئيسي للخدمات الاجتماعية، كما تمّ تعزيز قدرات اتحادات البلديات والبلديات في جميع انحاء لبنان، حيث إنّ هذه الاتحادات تُمثّل مقدّمي الخدمات الأساسية، وهي خطّ المواجهة في تلبية احتياجات المجتمعات اللبنانية ومجتمعات اللاجئين.
وكشف تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الذي يقيس الأثر الاقتصادي للمعونة الإنسانية على الاقتصاد اللبناني منذ نهاية العام 2011، إلى منتصف العام 2014، عن أنّ 44% من المبلغ الذي أُنفق خلال هذه الفترة، تمّ ضخّه في الاقتصاد اللبناني على شكل نقد مباشر للمستفيدين وأُنفق في السوق اللبنانية. ووجدت هذه الدراسة أيضاً أنّ أنواعاً مختلفةً من المساعدات لها آثار مختلفة على القطاعات الاقتصادية. وبالنسبة إلى المساعدة المُقدَّمة على شكل مساعدات نقدية، شكَّل قطاع الأغذية النسبة الأكبر من بين القطاعات الاقتصادية. أما بالنسبة إلى نوع آخر من المساعدات التي قُدمت على شكل مشتريات عينية، فكان قطاع التعليم وما يتعلق بالأثاث الأكثر تأثراً.
في الفترة الممتدة بين 2011 و 2014، كان مواطنون لبنانيون يملكون 84.1 % من الشركات الجديدة التي أنشئت بالقرب من المُخيمات غير الرسمية للاجئين السوريين في لبنان. أما السوريون فكانوا يمتلكون فقط 13.6% منها. مع ذلك، أنشأ السوريون 66% من المؤسسات التجارية غير الرسمية/غير المُنظمة.
واستناداً إلى بحث أُجري في العام 2016، نجم هذا الطابع غير الرسمي في الاقتصاد اللبناني عن العقبات البيروقراطية العديدة والتكاليف الزائدة لإضفاء الصيغة النظامية على الأنشطة، وانخفاض نسبة خطر الكشف عنها. هذا وتوفر الشركات غير الرسمية فرصاً اقتصادية، ولكن يمكن أنْ يكون لها أيضاً العديد من الجوانب السلبية مثل العجز في إنفاذ معايير أساسية (الصحة والسلامة والعمل والظروف، وما إلى ذلك)، بالإضافة إلى إمكانية النمو المحدودة.
من جهة أخرى، يعمل 1% فقط من الرجال السوريين المتراوحة أعمارهم بين 15 و64 عاماً، والذي يعملون في لبنان، في تجارة الجملة والتجزئة. وتبيّن الأرقام حول العمالة بحسب القطاع أنّ الأفراد يحصلون في المتوسط على أجر أكبر في حال شاركوا في تجارة الجملة والتجزئة (288 دولاراً أميركياً في الشهر) أو في الصناعة (270 دولاراً أميركياً في الشهر). في المعدل، بلغ المدخول الشهري للعاملين الراشدين 193 دولاراً أميركياً، أي 206 دولارات أميركية للرجال و158 دولاراً أميركياً فقط للنساء على الرغم من أنّ دوام العمل هو نفسه تقريباً (14 يوماً للرجال و13 يوماً للنساء). وقد تبيّن أيضاً أنّ المدخول الشهري بالنسبة للعاملين الراشدين يختلف بين محافظة وأخرى. فبيروت وكسروان والمتن هي المحافظات التي يكسب فيها العمّال الأجر الأكبر.
إلى ذلك، يمتلك 26% فقط من اللاجئين السوريين في لبنان البالغين من العمر أكثر من 15 عاماً إقامة صالحة. وأظهر تقييم مواطن الضعف لدى اللاجئين السوريين عام 2017 أنّ 19% فقط من الأسر يملك جميع أفرادها إقامات. وقد انخفضت هذه النسبة من 58% عام 2014 و 28% عام 2015 و21% عام 2016. ويعرّض غياب الإقامات الرسمية اللاجئين. إلى خطر التوقيف ويعرقل عملية تسجيل زواجهم وولاداتهم ويصعّب عليهم الحصول على الخدمات الأساسية.
وتبيّن أنّ كلفة تجديد الإقامة والتي تبلغ قيمتها 200 دولار أميركي هي العقبة الأساسية أمام حصول اللاجئين عليها. وفي شهريّ شباط وآذار 2017، صدر عن المُديرية العامة للأمن العام اللبناني إعلان يُعفي فيه اللاجئين الذين تسجلوا لدى المفوضية السامية للاجئين قبل تاريخ 1 كانون الثاني 2015 والذي لم يجدّدوا إقاماتهم في عامي 2015 و 2016 لدواعي السياحة او الرعاية أو الملكية أو الايجار من هذه الرسوم. ولكن على الرغم من هذا الإعفاء، فإنّ اللاجئين يواجهون تحديات خلال عملية التجديد بسبب العقبات الموجودة في عملية تطبيق الإعفاءات وقدرات الأمن العام في معالجة العدد الكبير من الطلبات.
يفضلون العودة.. ولكن
لقد أدّت المخاوف بشأن الطبيعة المطوَّلة لبقاء اللاجئين السوريين في لبنان إلى تأجيج التوتّرات بين مكوّنات المجتمع اللبناني. وبالتالي هدّدت الاستقرار الاجتماعي. ومع ذلك، فإنّ معظم اللاجئين السوريين في لبنان يفضلون العودة إلى سوريا عندما تصبح آمنة وتسود فيها الكرامة. وفي استطلاع أُجري في صيف 2016 حول تصوّرات اللاجئين السوريين الذين يعيشون في لبنان، أشار 69% من 1.200 مستطلع إلى أنهم سيعودون إلى سوريا إذا عادت المياه إلى مجاريها. وعلاوة على ذلك، قال 81% من هؤلاء المستطلعين بأنّهم يعتزمون العودة إلى منازلهم الأصلية في سوريا، في حين أنّ 4% يرغبون في الانتقال إلى مكان آخر داخل سوريا. وكان الأمن والسلامة العاملين الأساسيين اللذين ذكرهما المستطلعون. قائلين بأنّهما سيؤثران على قرارهم بشأن العودة، يليهما السكن، والوظائف، والسلام، والعدالة، والحكومة الفاعلة، ومن الاعتبارات الأخرى التي أشاروا إليها إمكانية الحصول على الخدمات، والأمن الغذائي، والبنية التحتية.
أخيراً، فإنّ اللبنانيين يُجمِعون على ضرورة عودة النازحين إلى سوريا، والنازحون من سوريا يريدون العودة إلى وطنهم. وهذا ما أثبتته دراسات عدّة، أضف إلى ذلك الاستنزاف على كافة المستويات. إنّ معظم النازحين يعيشون بأقل من دولارين يومياً، وهيئات وبرامج الأمم المتحدة ينقصها التمويل اللازم لتحسين أوضاعهم والدول المانحة تُعاني تعباً بسبب طول الأزمة وتعثر العملية السياسية السلمية، فيما المجتمعات المضيفة أكان على مستوى الحكومات المركزية أو السلطات اللامركزية (البلديات) مرهقة ومربكة.