بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 تموز 2020 11:53ص إرباكٌ فقصفٌ فنفي.. ماذا حصل في ساحة لبنان الجنوبيّة؟

حجم الخط

شغلت التطوّرات على الساحة الجنوبيّة اللبنانيّة أنظار العالم أجمع، سياسيًا وعسكريًا وإعلاميًا. فالجبهة التي لطالما كانت تشتعل وتخبو وفقًا لتطورات الأوضاع في المنطقة واحتدام الصراع فيها، كادت، أمس الإثنين، أن تنزلق نحو المحظور.

على مدى ساعات، أثار الحدث الجنوبيّ موجة من التخبّط والأخذ والردّ، بل والجدل حول حقيقة ما حصل. ففي جانب العدوّ الإسرائيليّ، تعدّدت الروايات التي كانت تتناقلها وسائل الإعلام، بين ضربة صاروخيّة وجّهها حزب الله مستهدفًا دبابة إسرائيليّة، وبين عمليّة تسلّل حاول مقاتلوه تنفيذها للثأر لـ "علي كامل محسن"، الذي قُتل في هجوم للعدوّ قرب مطار دمشق في سوريا، قبل أن ينسف حزب الله كلّ الروايات الإسرائيليّة نافيًا تنفيذه أيّ عمليّة، ملحقًا النفي بتوعّد بالردّ على مقتل "علي".

روايتان متناقضتان

عند التوقّف في محاولة لقراءة ما جرى وسيجري، رأى الصحافي والكاتب قاسم قصير، في حديث إلى "اللواء"، أنّنا أمام روايتين، رواية إسرائيليّة تقول إنّه كان هناك محاولة تسلّل، ورواية حزب الله التي نفت وجود أيّ عمليّة في المنطقة.

قصير أكّد أنّنا "لا نسطيع أن نحكم موضوعيًا إلا من خلال الروايتين، فحزب الله في حالة استنفار في المنطقة، ويبدو أنّ الإسرائيليّين اشتبهوا بأمر معيّن فاستنفروا قواهم، لكن من الواضح أنّ هناك إرباكًا وتوترًا إسرائيليًا كبيرًا، إن كان داخل القيادة العسكريّة للعدوّ أو حتّى قيادته السياسيّة"، مضيفًا أنّه "فيما كان يُنتظر أن يُقدّم العدوّ دليلًا على عمليّة التسلّل، وفق الرواية التي أعلنها، كان الإسرائيليّون ينتظرون ما سيقوله حزب الله لتحديد الردّ المناسب، وفي ذلك دليل على حالة الإرباك الإسرائيليّ".

الإعلامي قاسم قصير يروي مسيرته المهنية

(الصحافي والكاتب قاسم قصير)

الصراع مستمر

كما شدّد على أنّ "حزب الله في العادة، عندما ينفّذ عمليّة واضحة، لا يُخفي ذلك، لكن قد يكون ما حصل، أنّه كان يُجري عمليّة استطلاع أو استنفار، ممّا أثار مخاوف الإسرائيليّين ودفعهم إلى التحرّك والقيام بردّة الفعل التي قاموا بها".

وفي قراءة لتطورات الأيام المقبلة، أوضح قصير أنّنا "أمام صراع سيستمر خلال الأيام المقبلة، فحزب الله عاد وتوعّد بالردّ"، و"لهذا الصراع بُعدَين، بُعد نفسيّ وإعلاميّ، وبُعد ميدانيّ، والأوّل لا يقلّ أهميّة عن الثاني، نظرًا للدور الكبير الذي لعبه الإعلام أمس".

حزب الله يثأر عبر لبنان لمقاتليه في سوريا

أمّا الخبير العسكريّ العميد المتقاعد نزار عبد القادر، فاعتبر أنّ "حزب الله لا يجد سبيلًا لأخذ ثأر الدم من العدوّ، بعد مقتل بعض مقاتليه وقادته في سوريا بغارات إسرائيليّة، إلّا من خلال عمليّة عسكريّة ينفّذها على الأرض اللبنانيّة، فيعبث بأمن لبنان ويُحمّل البلد أعباء ومسؤوليّات ليس مسؤولًا عنها"، متسائلًا "إلى متى يستمر حزب الله بهذا العمل"؟

عبد القادر وفي قراءة عسكريّة له لما جرى أمس، رأى أنّه "كان هناك محاولة من مقاتلي حزب الله لاختراق خطوط مزارع شبعا من أجل الاقتراب من موقع إسرائيليّ أو نصب كمين لدوريّة للعدو، ويبدو أنّ الإسرائيليّين قد شعروا بذلك فقامت المدفعيّة وبعض الدبابات بالردّ.. هذا إذا لم يكن الحزب قد أطلق صاروخًا من نوع "كورنيت" وفقًا لما كرّرته وسائل الإعلام المحليّة والدوليّة على مدى ساعات قبل نفي قيادة الحزب للعمليّة".

العميد المتقاعد نزار عبد القادر : المعركة في جرود عرسال قد تستغرق ...

(العميد المتقاعد نزار عبد القادر)

نظام الأسد يمنع الحزب من الردّ عبر الجولان

كما اعتبر الخبير العسكريّ أنّ "حزب الله يدرك تمامًا بأنّ ما يجري هو مجرّد فعل وردّ فعل على عمليّات متبادلة تُرتكب على الأراضي السوريّة، ولكن بما أنّ نظام بشار الأسد يمعنه من الردّ من هناك، لأنّه يدرك أنّه ستترتّب عن هذه العمليّات نتائج، وستقوم إسرائيل بضرب مراكز الجيش السوريّ المنتشرة على خطّ الفصل في الجولان، فيأتي ردّ الحزب من لبنان، محمّلًا البلد مسؤوليّة أعمال يقوم بها هذا الحدود".

الحرب ليست في مصلحة أحد!

عن بيان الحزب الذي نفى القيام بالعمليّة وتوعّد بأنّ الردّ آتٍ، اعتبر عبد القادر أنّ "هذا الكلام هو لاستيعاب الوضع"، قائلًا "لا إسرائيل ولا حزب الله يريدان تصعيد الوضع إلى مواجهة واسعة. فالطرفان ليس لهما مصلحة في الحرب. حزب الله يدرك بأنّ الحرب ستكون مدمّرة وماحقة، لأنّ إسرائيل ستضرب كلّ البنى الموجودة في البيئة الحاضنة له في جنوب لبنان. كما أنّ العدو الإسرائيليّ بدوره لا يريد الحرب، لأنّه ليس له الآن سبب سياسيّ وجيه يمكن أن يسوّقه لتبرير الحرب في الساحة اللبنانيّة".

أجواء مشابهة لتلك التي سبقت الـ 1559

عبد القادر تطرّق أيضًا في حديثه إلى "اللواء" إلى الدعوة التي وجّهها البطريرك بشارة الراعي، قائلًا إنّه "بات من الضروري أن يُدرك حزب الله أنّ اللبنانيين داقوا ذرعًا بهذه السياسات التي يتّبعها، وهذا في الواقع ما أظهره الدعم الكبير للصرخة التي أطلقها الراعي بالدعوة إلى تحييد لبنان. إذ هبّت القوى السياسيّة والشعبيّة لتأكيد مطلب البطريرك. كما أنّ على حزب الله أن يُدرك أنّه لن يكون في المستقبل فقط أمام العقوبات التي تفرضها عليه الولايات المتّحدة، بل هناك أجواء الآن قد تؤدي من خلال هذه المبادرة التي أطلقها البطريرك، وإذا ما حصلت على تأييد القوى الأوروبيّة، على رأسها فرنسا، ودعم الفاتيكان، ومن ثمّ إقناع الأميركيّين بالسير بها، فسنكون في أجواء مشابهة إلى حدّ كبير الأجواء التي سبقت صدور القرار 1559، والذي قضى بخروج الجيش السوري من لبنان".

ختم الخبير العسكريّ بالقول "نحن أمام مرحلة جديدة، ولم تعد مناورات حزب الله ما بين مسرحَي العمليات السوريّ واللبنانيّ جائزة، ولا يمكن أن يطول الزمن قبل أن يتعرّض الحزب لضغوط محليّة وعربيّة ودوليّة للكفّ عن هذه السياسات".

على وقع هذا التطوّر الغامض إذًا، تبقى أحداث الجنوب الأخيرة رهينة "الردّ الموعود" لحزب الله، أو لما يمكن أن تكشف عنه الأيام المقبلة، بينما ينازع لبنان من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، بين مطرقة الجوع وسندان "كورونا".