بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 نيسان 2020 12:00ص «البريستول» يُطفئ أنواره ويرحل مُلملماً حكايات بيروت

فندق البريستول.. ولّت أيام العصر الذهبي فندق البريستول.. ولّت أيام العصر الذهبي
حجم الخط
انضم فندق «البريستول» منذ أيام إلى سلسلة الفنادق والمؤسّسات السياحية والشركات والمطاعم التي أقفلت أبوابها، مُستسلمة للأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بلبنان، والتي تفاقمت مؤخّراً بسبب وباء «كورونا» وتداعياته. فأطفأ أنواره «مُجبر أخاك لا بطل»، وهو الذي كان خلال عُقود مترامية من الزمن، يتلألأ في سماء بيروت، يوم أُطلِقَ عليه لقب «سويسرا الشرق»، كجوهرة شاهدة على فخامة ورقي المدينة التي يقع في وسطها.

عيتاني


الباحث زياد سامي عيتاني

الإعلامي والباحث في التراث الشعبي، عضو «جمعية تراث بيروت» زياد سامي عيتاني، أكد في تصريح لـ«اللواء»، أنّ «هذا الفندق كان مقصداً لكل مَنْ أراد المُفاخرة، فقد كان جزءاً من تاريخ وتراث بيروت زمن الازدهار الاقتصادي، ومَعلَماً من معالم العاصمة السياحية، مُرادفاً للأيام الذهبية فيها (بيروت)».

وقال: «كان فندق «البريستول» يُعدُّ منذ تشييده عام 1951، من قِبل عائلة ضومط، وبعدما صمَّمَ هندسته المهندس الفرنسي الشهير جان دي روير، أحد الفنادق الكبرى في الشرق الأوسط، وأحد الفنادق الأكثر شهرة في بيروت ولبنان، ولا سيما أنّ لبنان في حينه كان يتوسّع بمعدّل سريع في صناعة اقتصاد الضيافة، فتمَّ الاعتراف به كأحد الفنادق الدرجة الأولى والأكثر شهرة في بيروت، كونه أحد أهم رموز الرفاهية والمجتمع الراقي في لبنان والمنطقة، ومقصداً لرجال السياسة والأعمال والمشاهير».

وأشار عيتاني إلى أن «فندق «البريستول» استضاف المجتمع المخملي في لبنان إضافة إلى نبلاء العالم العربي، وضيوف وشخصيات بارزة ونجوم أجانب مثل: الرئيس الفرنسي جاك شيراك، العاهل السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز يوم كان أميراً، ورئيس الغابون. كما كان الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي أحد ضيوف الفندق البارزين، إضافة إلى الأمير ألبرت من موناكو، وأميرة إيران ثريا، وعازف الغيتار الأسطوري والملحن ديزي غيليسبي والشاعر الشهير نزار قباني».

مركز ثقافي سياحي

طبعا، لا يمكننا أنْ ننسى أنّ هذا الفندق الذي تربّع في قلب بيروت قرابة نصف قرن، لم يكن مجرّد فندق يستقبل الزوّار والسيّاح والضيوف، كونه تحوّل إلى مركز ثقافي وسياحي.. إذ فُتِحَتْ أبوابه لعدد كبير من المؤتمرات واللقاءات السياسية والثقافية والاجتماعية، وكان شاهداً على تحوّلات كبيرة في تاريخ لبنان، حيث عايش هذا المبنى محطّات سياسية مهمة من تاريخ لبنان كـ«إعلان البريستول» الذي صدر عن مؤتمر ضمَّ أطرافاً وشخصيات سياسية بُعيد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي تمثل باللقاء، إضافة إلى مؤتمرات قومية عربية وإسلامية، منها المؤتمر القومي العربي الذي عقد دورته الـ 29 فيه، بحضور شخصيات لبنانية وعربية وفلسطينية.


من آخر اجتماع للقاء البريستول

«البريستول» رحل في هذا الزمن الصعب، مُلملماً معه حكايات بيروت بأفراحها وأحزانها، وقصائد الشعراء المجبولة بنكهة القهوة الصباحية والمسائية.

رحل شاهداً على أجيال من الأقلام التي خطّت وكتبت المقالات في عرائس الصحف اللبنانية، ودبجّت الكتب من الجلدة إلى الجلدة.

وهكذا، في زمن الحَجْر والجوع نفتقد كل شيء جميل في بيروت، التي أنهكتها الصراعات والحصارات والمناوشات، فهل تعود نضارة عاصمة العواصم، وتنفض عنها هذا الثوب الأسود؟


فندق البريستول أيام زمان

برحيله، يتكرّر السؤال نفسه: متى يتوقّف هذا المسلسل من الانهيار الذي حاصرنا وحوّل حياتنا إلى ما يشبه الجحيم؟ ومَنْ التالي في هذه القافلة التي نشهدها يوماً بعد يوم من انهيارات معالم لبنان الاقتصادية والسياحية والثقافية؟ متى نخرج من هذا النفق المُظلِم وتستفيق الدولة لحماية اقتصادنا ومؤسّساتنا ومرافقنا قبل الانهيار الكبير؟

يبقى الأمل معقوداً على نهوض اللبنانيين جميعا لإعادة بناء بلدهم وإصلاح ما أفسدته «زواريب السياسة».