بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 أيلول 2018 12:02ص «لاجئون أقل.. نزوح أكثر».. رؤية تحليلية سياسية

حجم الخط
لم تعد قضية اللاجئين أو النازحين مجرّد عبء ثقيل، بمقدار ما أصبحت خطرا جديا يهدّد لبنان واللبنانيين على الصعد كافة. وإذا كان اللبنانيون يُجمِعون على الشكوى من ثقل وحجم وخطورة وجود هؤلاء اللاجئين السوريين والفلسطينيين، ومن أي جنسية كانوا، فإنّ أصحاب القرار السياسي (على الأقل) يختلفون على طريقة التعاطي مع هذه الأزمة وسُبُل مواجهتها.
والأخطر من ذلك، هو أنْ ما يُسمّى بـ»الدول المانحة» و»المجتمع الدولي» تعاملوا مع مسألة النازحين في لبنان بطريقة تتجاوز الإهمال، وتصل إلى حدود التواطؤ، لإطالة هذه الأزمة، وربما لتحويل وجود اللاجئين من وجود مؤقت إلى وجود «حتى إشعار آخر».

بعيداً عن الأرقام، فإنّ الهيئات والمنظّمات الدولية تعترف وتقر بأنّ لبنان يأتي في طليعة الدول التي تستضيف لاجئين بهذا الحجم الهائل نسبة إلى عدد سكانه. وللتعاطي مع الأرقام تبيّن منذ بدء اللجوء أو النزوح السوري والفلسطيني من سوريا، أنّ الإحصاءات التي نشرتها الأمم المتحدة لا تعكس حجم وعدد النازحين، لأنها تقتصر على المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان.
وفي كتابهما «لاجئون أقل.. لجوء أكثر ـ لبنان 2017ـ2018» سلّطت مونيكا برغمان ولقمان سليم الضوء على هذه المشكلة، في مقالات تتضمّن تحليلاً سياسياً مسنداً ببعض الأرقام وبدعم من معهد العلاقات الثقافية الخارجية (ifa)، المموّل من وزارة الخارجية الألمانية على هذه المشكلة الكبيرة.
وأوردا بعض الإحصاءات الصادرة عن منظّمات دولية، منها المفوضية العليا للاجئين، التي تشير إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بلغ 174422 لاجئا يعيشون في 12 مخيما و156 تجمعا، لكن هذا الرقم واجه انتقادات وتشكيكا واضحا، حيث إنّ الرأي الغالب هو أن العدد يفوق ضعف ما ورد في التقرير.
كذلك، تحدّثت مفوضية الأمم المتحدة عن أنّ عدد اللاجئين السوريين انخفض عام 2014 ما دون المليون فرد، لكن هذا الرقم أيضا لا يعكس واقع الحال باعتبار أنّه يقتصر على المسجّلين لدى المفوضية. أما العدد الحقيقي فيصل إلى المليون ونصف المليون تقريبا وفق ما ورد على لسان كبار المسؤولين اللبنانيين.
ويؤكد الكتاب أنّ عدد اللاجئين السوريين والفلسطينيين في هذا البلد الصغير مثل لبنان هو عدد كبير لا يستهان به، لكنه في الوقت نفسه ينتقد سياسة لبنان تجاه هذه القضية والسجال بين اللبنانيين أنفسهم حولها، إذ يشير الكاتبان أيضا إلى المشكلة في نظرة اللبنانيين للدولة، ولكل المواضيع والقضايا الطارئة عليها، مع التركيز على أنّ لبنان يفتقد التشريعات التي ترعى اللجوء بشكل عام. ولهذه الأسباب اعتبر الكاتبان أنّه حتى إشعار آخر يحكم لبنان على نفسه كلما امتحن بلجوء ما إليه، لاسيما أنّه يستقبل هذا اللجوء كما لو أنه أول تجربة له في اللجوء.
ومن وجهة نظر الكاتبين فإنّه لا آمال بعودة طوعية سريعة للسوريين يُعوّل عليها في غياب خطط الدول المانحة ومواقفها، فهي لا تتعامل مع أزمة اللاجئين على أنّها مؤقتة بل هي أزمة مسترسلة حتى إشعار آخر، دون إغفال التمايز الواضح في المواقف بين القوى المتحكّمة بالقرار اللبناني، فمنهم مَنْ يربط الأمر بالأمان الدولي في سوريا، ومنهم من يربطه بالتواصل مع الحكومة السورية. وبمعنى آخر هناك إجماع على الشكوى من عبء اللاجئين، لكن هناك خلافا حول الحلول.
أخطار اللجوء
هذا، ويشير الكتاب إلى أنّ الأخطار الأمنية المتصلة باللجوء السوري انحسرت في 2017 إلى حدودها الدنيا، بعد حرب الجرود الشرقية التي خاضها الجيش وحزب الله، وبالتالي لم يبق سوى اللجوء المدني وانتماء أفراد ومجموعات من اللاجئين إلى التنظيمات الإرهابية، لكن الكاتبين يوردان هذه الوقائع والحقائق من خلال نظرة نقدية ذات هوية سياسية تتعارض مع البيانات الرسمية اللبنانية، وهنا مما لا شك فيه أنّ الكاتبين بالغا في إبراز موقفهما السياسي تجاه هذا الموضوع.
وفي مقال آخر تطرّق الكاتبان إلى مقابلة مع البطريرك الماروني بشارة الراعي في 10 آذار 2017 لإحدى الفضائيات وقوله: «الفلسطينيون صنعوا الحرب في لبنان سنة 1975 ضد الجيش اللبناني، وبنتيجة هذه الحرب عشنا حربا أهلية»، وأشارا إلى ردود الفعل على هذه الملاحظة التي أبداها الراعي، ثم ما لبث أن فتر السجال بعد أن هيمن الكلام عن النزوح السوري الجديد.
كما ورد في المقال نفسه ما قاله رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في مؤتمر بروكسل لدعم سوريا ودول الجوار: «إنّ لبنان يشرف على بلوغ نقطة الإنهيار»، مبديا خشيته من أن يتسبب وجود مليون ونصف مليون سوري في لبنان بوقوع ما لا تحمد عقباه بين هؤلاء اللاجئين وبين مضيفيهم اللبنانيين.
ويعتبر الكاتبان أن هذه المواقف وغيرها تشير إلى مركزية اللجوء في الحياة اللبنانية ماضيا وحاضرا وعلى الأرجح مستقبلا. على اعتبار أنّ مسألة اللجوء إلى لبنان متصلة منذ أوّل الأمر بالمسألة الطائفية فيه، وأي تدبر لها لا يلحظ حاكمية المسألة الطائفية عليها، وهو لا يعدو كونه بابا من أبواب التجامل الساذج الذي يؤخر اللبنانيين أنفسهم في ما يخوضونه من نقاش.
وبرأي الكاتبين أنّ لا عجب في أن تشمل الإنقسامات بين اللبنانيين مسألة اللجوء السوري، فهذا الوجه من وجوه الانقسام مهما هوّن المهوّنون، من شأنه أن يؤكد حقيقة الشجار بين الللبنانيين حول اللجوء الفلسطيني الذي بدأ ولم ينته.
«لاجئون أقل، لجؤ أكثر».. قراءة سياسية تحليلية تعكس وجهة نظر حول مشكلة النازحين السوريين والفلسطينيين في لبنان القديمة والمستجدة وسياسة لبنان واللبنانيين تجاهها وهي قراءة لا تعطي الحلول أو تسلط الضوء عليها بقدر ما تركز على الخلل الكامن في إنقسام نظرة اللبنانيين لقضية اللاجئين عموما، وغياب سياسة جدية وكاملة للبنان رغم الإجماع على ثوابت محددة أبرزها العمل على عودة النازحين ورفض التوطين.