بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 كانون الثاني 2020 12:04ص التسوّل.. ظاهرة ازدادت مع بروز الأزمة الاقتصادية

دعوات لتوعية الناس حتى يأخذ المحتاج فعلاً حقّه وتحذير من الممتهنين

حجم الخط
تشهد بلادنا استفحالا كبيرا لظاهرة التسوّل في مختلف شوارعها ومناطقها، حيث احتلّ المتسوّلون الزوايا والطرقات الهامة والأسواق وخاصة محيط المساجد، لجمع الأموال واستدرار عطف الناس، وهي لا شك ظاهرة سلبية تتزايد في الأعياد والمواسم الدينية وأيام الجمع، ولكنها للأسف مستقرّة في كل أيام العام دون أن نرى علاجا فعّالا لها..؟!

الدعاة أكدوا على أن من أبرز سلبيات تلك الظاهرة حجب وصول الصدقات والزكاة الى مستحقيها الحقيقيين ونشر فكرة سيئة عن كل محتاج مطالبين بسرعة معالجة ظاهرة التسوّل.

توعية الناس

{ بداية قال الشيخ غسان اللقيس إمام مدينة جبيل: أنه ينبغي على كل مسؤول بكل ما أوتي من قوة أن يقف أمام هؤلاء الأشخاص ومنعهم من التسوّل، كما ينبغي أيضا على الإعلام أن يحذّر المجتمع من هؤلاء الناس وأن يخصّص البرامج التي توعّي الناس وتعرّفهم بحقيقة كثير من هؤلاء، لأننا قرأنا كثيرا في الصحف أن هناك ممن يتسوّلون يملكون أموالا كثيرة.

وقال: وأيضا لا ننسى دور أئمة المساجد والدعاة في ترشيد ثقافة العطاء عند الناس وكيفية تعاملهم مع هذه الفئة التي لا يستحق كثير من أهلها هذه الأموال، لأن الشارع الحكيم حدّد المصارف التي تصرف فيها أموال الزكاة والصدقة وهؤلاء المتسوّلون ليسوا من هؤلاء الأصناف، فينبغي عليهم أن يتحرّوا الصدقة لمن تؤخذ.

وأضاف: في الحديث الشريف قال النبي صلى الله عليه وسلم  (يأتي السائل يوم القيامة وفي وجهه نكتة سوداء) أي أنه يظهر بين الناس يوم المحشر بهذه العلامة، لأنه يسأل الناس بغير حاجة، ولذلك قال تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا}، والأولى بدلا من أن يتسكعوا في الطرقات ويمنعوا أصحاب الحوائج الحقيقيين حقهم، أن يبحثوا عن عمل شريف يؤمّنون من خلاله قوت يومهم ومسؤوليات حياتهم ويعيلون أولادهم وأسرهم..

فالعمل الشريف يطرح الله تعالى به البركة ويعين صاحبه على حسن تدبّر أمور حياته، أما التواكل الذي نراه والذي أدّى بالكثيرين إلى التسوّل حتى أصبح حرفة فهذا أمر مرفوض شرعا.

وتابع قائلا: خطورة هذه الظاهرة الخطيرة أنها أصبحت مهنة لعدد من الناس حتى سمعنا عن عصابات تنظمها وتستخدم تشويه الأطفال والنساء لاستدرار عطف الناس، حتى رأينا المتسوّلين عند المساجد وعلى جنبات الطرقات أو عند إشارات المرور أو المطاعم أو المستشفيات أو البنوك أو محطات الوقود أو الأماكن العامة الأخرى تحت حرارة الشمس عارضين خدماتهم التي لا حاجة لها مثل مسح زجاج السيارة أو إيقاف الأشخاص على الطرقات واستجدائهم بحجة سرقة مالهم والأخطر استغلال الأطفال الرضع في عملية التسول لتأجيج عواطف الناس وشفقتهم.

واختتم بالقول: هذه الظاهرة وبكل وضوح نقول أنها ظاهرة خطيرة وذات عواقب وخيمة على المجتمع خاصة في وقتنا الحالي الذي إنتشرت فيه بشكل كبير حتى أصبحت تدار بشكل منظم وعبر عصابات إمتهنتها لجمع الأموال من الناس، وقمة الخطورة أن هذه الظاهرة تساعد فعلا على نشر الفساد الأخلاقي وازدياد المخاطر الأمنية والجرائم وغيرها، والأمر يحتاج إلى جهود جماعية يتشارك فيها كل عناصر المجتمع حتى نحافظ على سلامة مجتمعنا.

معالجة سريعة

{ أما الشيخ أحمد رجب البدوي إمام وخطيب مسجد الشهداء فقال: لقد أمرنا المولى عزّ وجلّ بالعطف على الفقراء والمساكين، ولكن في الفترة الأخيرة ظهرت بعض الفئات الذين لا يستحقون شيئا من هذه المصارف، ويفرضون على الناس أن يعطوهم من الصدقات أو من الأموال، فكثير منهم يتمتع بالقوة والصحة والعافية، ولكنهم يخدعون الناس بالملابس السيئة وبما يضعون على أنفسهم الأربطة ومما يحملون من أدوية وهؤلاء جميعا إنما حالهم هو خداع المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم، وقد وضّح أنه ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده، وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم  على داود بالذات لأن داود كان ملكا، فلم يمنعه الملك عن العمل، وعن كسب القوت بيده، ولكن هؤلاء الذين يطوفون في الشوارع والقرى والمدن يسألون الناس وهم بغير حاجة إلى هذا فتأتي المسألة في وجوههم يوم القيامة كالنكتة السوداء، وهؤلاء لو تأمّل الناس فيهم وأحسنوا التصرف معهم لا ينبغي أن يعطوهم من أموالهم شيئا، فكثير منهم ليس بحاجة إلى هذه الأموال، وكثير منهم يأخذ هذه الأموال ثم ينفقها في وجوه غير مشروعة، فقد رأينا الكثير من المتسولين يتعاطون المسكرات ويرتكبون المحرّمات بهذه الأموال، ولذا ينبغي على الناس أن يتصدّقوا بأموالهم في الجهات المشروعة التي يعرفها الجميع والتي فيها عائلات هي أولى بذلك.

وأضاف: التسوّل ظاهرة مرفوضة في الشرع الحكيم، فقد جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم  يسأله الصدقة، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم  من قوته ونشاطه الكثير، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ، «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مِرَّةٍ سويٍّ» (أي قوي البنية)، وقال أيضا «اليد العليا خير من اليد السفلى»، واليد العليا هي يد المنفق، والسفلى هي يد السائل، أما إذا بحثنا عن أسباب هذه الظاهرة في عصرنا الحاضر، فنجد أن السبب الرئيسي في هذا الأمر هو حب هؤلاء الناس للأموال التي تأتي إليهم دون جهد أو عمل، وثانيا سوء التربية الأخلاقية لدى هؤلاء الفئة، فالكثير منهم تربّى في الشوارع بعيدا عن المدارس والمساجد، وبناء على ذلك لا يوجد عنده تلك الأخلاق التي تمنعه من أن يمدّ يده إلى الآخرين، وهناك سبب آخر، هو صداقة السوء التي تنشأ بين هؤلاء المتسوّلين، فالكثير منهم يشجّع بعضهم بعضا على هذا التسوّل، بحجّة أنه مصدر من مصادر الرزق المشروع مما يجعلهم يندفعون وراء تلك الظاهرة في كثير من البلدان وإذا منعهم الناس قد يعتدون عليهم ويأخذون أموالهم عن طريق السرقة أو عن طريق الاحتيال وإلى غير ذلك.