بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 أيلول 2018 12:05ص التنسيق بين المؤسسات في الصدقات ضرورة للإنفاق على حسب الأولويات

حجم الخط
لقد حث الإسلام على الصدقة واعتبر ذلك من القربات العظيمة وأثاب المتصدق الذي ينفق ماله في السر والعلن دون منٍّ أو أذى  إذ جعله من ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأنه من المحسنين الذين يحبهم الله تعالى قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} البقرة/261،262، فالقرآن الكريم اعتبر ذلك سهما عظيما من أسهم التكافل الاجتماعي بين المسلمين وخاصة أن في المجتمع  طبقات معوزة متعددة تحتاج لرعاية وعناية ومساندة من أهل الخير أصحاب الأموال والمتصدقين، ومن هنا كان لزاما على المتصدق أن لا يغفل عن هذه الأشياء حتى لا يقدم أمرا على آخر أشد احتياجا منه ومراعاة ظروف بعض الأفراد على البعض الآخر  وفي أوقات متعددة محددة.


الأولويات في الصدقة
ولكن هنا لا بد من الملاحظة التامة لهكذا حالات وهذا من السنة النبوية  فقد كان  صلى الله عليه وسلم  يقدّم في الصدقة نفرا على آخر حسب احتياجه وليس انتقائيته، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله  صلى الله عليه وسلم  - في أضحى أو فطر - إلى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال: أيها الناس تصدقوا فمرَّ على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار... فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه ، فقيل : يا رسول الله هذه زينب فقال: أي الزيانب؟ فقيل: امرأة ابن مسعود، قال: نعم، ائذنوا لها، فأذن لها، قالت: يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، فقال النبي  صلى الله عليه وسلم : صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم.
إن عدم ضبط الإنفاق وفتح الباب على مصراعيه دون تحديد الاولويات أدى في الآونة الاخيرة إلى انتشار المتسولين وامتهان التسول وهو أمر خطير يجب وأده في مهده وقد أدى إلى انتشار مثل  هذا الأمر عدم ضبط الإنفاق وترشيده مما أثرى كثيرا من هؤلاء وانتشر الفساد بأنواعه بينهم ومنهم، وقد ثبت ذلك بالاستقراء، ولذلك نقول أن من الأمور اللازم التنبه لها  في تقديم الصدقات مراعاة الزمان والمكان وخاصة في بعض المناسبات  كالأعياد والمدارس وفصل الشتاء والجوائح التي تلم بالبلاد وخاصة أمام نزوح الأخوة المسلمين من سوريا إلى أهلهم في لبنان،  بحيث يقدم للمحتاج نفس الشيء من أكثر من شخص وليس هذا هو المقصود بحد ذاته  بحيث لا ينتفع به أو يضطر لبيعه بأقل من ثمنه الأساسي وعلى سبيل المثال دون الحصر أن المنفقين في رمضان يقدمون أموالهم وزكاة أموالهم في هذا الشهر فقط بينما كثير منهم يتوقف عنه بعد رمضان وهذا خلاف المقصد في الصدقة والحكمة في وجوب  الحول في زكاة الأموال والعروض والنقدين.
فعلى سبيل المثال في تقديم الأوليات في الإنفاق ما ورد عن قبيصة بن مخارق الهلالي، تحملت حمالة، فأتيت رسول الله   صلى الله عليه وسلم   أسأله فيها، فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، قال: ثم قال: يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلاّ لأحد ثلاثة؛ رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوى الحجا من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، - أو قال سدادا من عيش - فما سواهن من المسألة  يا قبيصة سحت، يأكلها صاحبها سحتا.
أهمية التنسيق
ومن هنا كان حريا بأهل الخير والمؤسسات الإسلامية التي تساهم بمساعدة الفقراء الحرص على التنسيق فيما بينها أولا لمعرفة المحتاجين الفعليين،  وثانيا ترشيد الأنفاق على حسب الأولويات في سد  العوز حتى لا يصرف في غير محله أو على  غير مستحقه ، وثالثا توسعة الدائرة على الفقراء بحيث لا يقدم أحد على آخر إلا ضمن الحاجة الماسة والضرورة الملحة ، فقد ورد في الحديث عن عبدالله بن عمررضي الله عنهما أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: «المسلم أخوالمسلم، لايظلمه، ولايسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة».
 الشيخ د. وفيق حجازي