بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 تموز 2018 12:05ص الشباب... مخاطر وتحدِّيات

حجم الخط
الشيخ حسن محمود العرب*

الشباب هم ركيزة المجتمع، ورجال الغد والمستقبل، وقد ذكر الله تعالى فتية في كتابه العزيز وأثنى عليهم، فقال تعالى: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}، وأخبر سبحانه عن نبيه يحيى عليه السلام أنه أعطاه الحكمة والعلم والإقبال على الخير في حال صباه، فقال عز وجل: {يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا}، وقد ضرب الرعيل الأول الأمثلة على مكانة الشباب، فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقدم ابن عباس وهو حديث السن على أكابر الصحابة ويسأله دونهم وكان حذيفة رضي الله  عنه يقول: هل الخير إلا في الشباب. وما ذلك إلا لما وهب الله تعالى الشباب من صفات مميزة.
إن المحافظة على شبابنا من أسمى المهمات، وأكد الواجبات، لاسيما في هذا الوقت مع انتشار الأدوات الحديثة، التي تساهم في سرعة انتقال المعلومات المغلوطة، وقوة تأثيرها على العقول والأفكار، مما يعرض الشباب للاستغلال والتلاعب من قبل المرضى وأصحاب الشبهات، فيوقعهم فيما يعود بالضرر عليهم وعلى دينهم ومجتمعهم ودولهم، حيث يتم التغرير بكثير من الشباب واستغلالهم لهدم استقرارهم، بزعم تحقيق الحرية ونصرة الإسلام، والحقيقة أنها مغالطات وتضليل، وهذا كلّه يوجب علينا أن نبذل الأسباب التي تحفظ شبابنا من الأفكار الدخيلة، فإن الوقاية خير من العلاج.
إن من أعظم وسائل تحصين الشباب تنشئتهم على القيم والمبادئ السامية، من التربية الإيمانية القويمة، والأخلاق الفاضلة الكريمة، والقيم الاجتماعية والوطنية العالية، فيقوى بذلك عندهم الوازع الديني والترابط الاجتماعي، فيكونون في حصّن حصين، أسوة بالأنبياء والمرسلين، الذين حرصوا على تزكية النفوس، وتوعية العقول، ونشر العلم، قال الله تعالى: {كما ارسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون} فعليكم أيها الشباب أن تعوا هذا، وتحرصوا على الارتقاء بأنفسكم، والمحافظة على هويتكم الإسلامية الصحيحة، دون تفريط إفراط، وإنما بوسطية واعتدال وفهم صحيح.
وعليكم أن تتحروا الذي ينفعكم ولا تنخدعوا بالإشاعات، ولا تغتروا بكل معلومة منشورة في الشبكات ووسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما في باب الفتوى والخطاب الديني، فليس كل ما ينشر صواباً، واحذروا من الصوتيات والمرئيات التي تضر بكم، وتتلاعب بعواطفكم، وإياكم من الذين يوظفون الشعارات البراقة لخداعكم، فليس كل مدع نصرة الإسلام ناصره، واجتنبوا التيارات والثقافات التي تُهدّد قيم اليسر والسماحة والاعتدال، وكونوا حصفاء العقل، ولا تثقوا فيمن لا تعرفون، فلا يصح الوثوق بكل أحد، إذ هناك المحسن والمسيء، والصادق والكاذب، والصالح والطالح، قال ربنا تبارك وتعالى: {وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور}.
تحصين الشباب
ومما يعين على تحصين الشباب: أن نغرس فيهم قيمة الوقت، ونربيهم على حسن اغتنامه في النافع المفيد، فان الفراغ إذا خلا من الخير اضر واضل، فأعماركم أيها الشباب هي أيامكم، فلا تفرطوا فيها، وعمروا أوقاتكم بما ينفعكم في دينكم ودنياكم، من القيام بحوائج أهليكم، وزيارة أرحامكم، وتنمية مهاراتكم بالأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية والمشاركة في الأعمال التطوعية، فقد قال نبينا  صلى الله عليه وسلم : «أحب النّاس إلى الله تعالى انفعهم للناس» وقراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه خير معين لكم على الصلاح، قال الله تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً}، وقد أمر الله سبحانه نبينا محمّداً  صلى الله عليه وسلم  أن يتفرغ لعبادته إذا انتهى من اشغاله، فقال تعالى: {فإذا فرغت فانصب}، أي: إذا فرغت من مهامك فانصب في طاعته وعبادته.
ونحصن الشباب بإرشادهم إلى الصداقة الإيجابية والصحبة الطيبة، فإن تأثير الأصدقاء على السلوك والفكر كبير، يقول نبينا  صلى الله عليه وسلم : «الرجل على دين خليله، فلينظر احدكم من يخالل»، فعلى شبابنا أن يبحثوا عن الجلساء الصالحين، وعلى الأسر أن تحتضن الشباب بالمعاملة الجميلة، وأن تشبع حاجاتهم العاطفية والنفسية، فإن إهمال هذا الجانب من شأنه أن يجعل الأبناء أكثر ميلاً لأصدقائهم من أسرهم، ويفضلوا ما يتلقونه منهم على ما يتلقونه من والديهم، فكونوا قريبين إلى قلوب أبنائكم، وتعاهدوهم بالتنشئة الطيبة، والمتابعة المستمرة، وأرشدوهم إلى الرفقة الصالحة، وأكثروا لهم من الدعاء بالخير والصلاح، يقول نبينا  صلى الله عليه وسلم : «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم».
ومن وسائل تحصين الشباب أيضاً أن نغرس فيهم الوعي واليقظة وحسن المسؤولية، والتفكير الإيجابي البناء، الذي يعينهم على حسن انتقاء الفكرة، والتثبت من المعلومة، والتحلي بالروية والحكمة، فاللهم احفظ شبابنا، واجعلهم قرة أعين لأسرهم ومجتمعهم ووطنهم.
إن العناية بالشباب مسؤولية مشتركة، تحتاج إلى تكاتف الجهود، وبذل الأسباب المثمرة على مستوى الأفراد والأسر والمؤسسات، سواء أكانت دينية أم تعليمية أو إعلامية أو مجتمعية، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها النّاس والحجارة} فعلينا جميعاً أن نكون على قدرٍ من المسؤولية في المحافظة على شبابنا، وأن نحرص في تعليمنا وإعلامنا وأنشطتنا المختلفة على المخرجات الدينية الصحيحة، الموافقة للشرع الحنيف، التي تبني ولا تهدم، وتصحح الخلل، وتصون من الزلل، وتبصر شبابنا بالمفاهيم الإسلامية الصحيحة، التي تربطهم بالله تعالى، وتدعوهم إلى المحافظة على وطنهم، والإحسان إلى أسرهم ومجتمعهم، وحماية مكتسباتهم.

 * إمام وخطيب المركز الإسلامي في بعبدا - سبنيه.