بيروت - لبنان

اخر الأخبار

30 كانون الثاني 2020 12:04ص ترشيد نفقات الأسرة ضرورة في زمن المحن..

حداد: القرآن الكريم أعطانا منهجاً للتعامل مع الأزمات... والتوعية واجب على الجميع

حجم الخط
لا يخفى على أحد انه نتيجة الأزمة المالية التي يمرُّ بها وطننا لبنان، بدءاً من عدم قدرة المواطن على السحب من ودائعه البنكية، مروراً من قبض الموظفين لنصف رواتبهم وصولاً إلى إرتفاع أسعار المواد الغذائية وجميع مستلزمات المواطن الضرورية، دفع الكثير من الأسر إلى اعتماد سياسة ترشيد الإنفاق لإجتياز هذه الأزمة وربما للبقاء على قيد الحياة في بلد كلبنان تتخبّط فيه الأزمات وتأكله الويلات والمصائب، فترشيد الانفاق داخل الأسرة ربما هو الحل الوحيد للاكتفاء وعدم مد يد العوز إلى الآخرين، كيف يُمكن ترشيد الانفاق في عصر الأزمة داخل الأسرة؟ كيف نميّز بين الأولويات والكماليات، من دون التأثير على نفسية وسلوك الأولاد؟.. هذا ما سنعرضه في تحقيقنا التالي: 

آراء المواطنين

وبعد استطلاعنا لآراء العديد من الأسر تبيّن ان ترشيد الانفاق هو سيّد الموقف داخل المنزل حيث أشارت السيدة منال عياد ان زوجها منذ بدء الأزمة أصبح يتقاضى نصف راتب، «فقمت بالاستغناء عن الكثير من الأمور الكمالية وركّزت فقط على أساس الأساسية حتى قلّصت مصروف الأولاد، ورغم ذلك فالمعاش الذي يتقاضاه زوجي لا يكفي لدفع الايجار ولمستلزماتنا الأساسية».

- أما السيد محمد حطب فقال: ماذا يقول الإنسان في هذه الظروف ان الشكوى لغير الله مذلّة، لقد استغنيت عن كثير من الأمور فقط لأستطيع أن أؤمّن الطعام والشراب للأولاد، فلقد أوقفت خط التلفون العادي والخليوي، وخفّضت خط اشتراك الكهرباء من 10 أمبير إلى 5 أمبير وغيرها من الأمور الكمالية، ماذا علينا في هذا البلد سوى التحمّل والتقشّف فقط لاجتياز المحنة، ونسأل الله الرحمة بهذا الشعب الفقير..

الآراء جميعها أجمعت على ان ترشيد الإنفاق في عصر الأزمة هو الحل الوحيد للبقاء على قيد الحياة وتناول الطعام فقط لا غير..

حداد




{ وفي هذا الإطار، يقول المفتش العام للأوقاف الإسلامية الشيخ د. أسامة حداد: لقد وصف الله عزّ وجلّ عباد الرحمن في سورة الفرقان بأوصاف كثيرة تتعلق بسلوكهم وأخلاقهم وعلاقاتهم مع بعضهم ومجتمعهم وذلك منها صفة نحتاجها في هذه الأيام وهي قول الله تعالى: {والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قَوَاماً}.

فإنطلاقاً من هذه الآية الكريمة يعلّمنا الله عزّ وجلّ كيفية التعاطي مع الإنفاق في الأحوال الطبيعية بأن يكون هناك وسطية فلا إسراف ولا بخل وإنما إنفاق بالوسطية وخير الأمور أوسطها.

وأضاف: وإذا أردنا التعامل مع واقعنا الذي نعانيه جميعنا من قلّة الموارد والسيولة يصبح لزاماً علينا الانتباه إلى أسلوب الانفاق وكيفية صرف المداخيل التي أصبحت قليلة بسبب الأزمات المالية التي تعاني منها كثير من المؤسسات والإدارات والوطن عامة.

وحول كيفية إدارة الأزمة بحيث لا يشعر الأبناء بها وتؤثّر على نفسيتهم، أجاب الشيخ د. حداد: هنا يتجلّى دور الأهل في إدارة الأزمة مع مراعاة مشاعر الأطفال بعدم تحميلهم الهم أو الهموم باكراً، لذلك يمكننا أن نوجّه أولادنا إلى ترشيد الانفاق، وعلى سبيل المثال عدم ترك الإنارة في الغرفة بدون سبب، عدم التبذير في الماء عند الاستحمام وتنظيف الأسنان وغيرها من الأمور، وسكب الطعام قدر الحاجة تلافياً من رمي الطعام وتعليمهم الانتباه على الأغراض الشخصية والحفاظ عليها من التلف تلافياً لشراء غيرها..

فإذا جمعنا بعملية حسابية ما يُمكن توفيره بهذه الأفكار على الأسرة نتج عنا قيمة مالية لا يستهان بها كانت عُرضة للهدر وتساندنا في هذه الأزمة..

ولفت إلى ضرورة مصارحة الأولاد ولا سيما الراشدين باهمية ودقة المال العام وأهمية ترشيد الانفاق والوسطية فيه، وقد أعطانا القرآن الكريم مثلاً يشبه حالنا في قصة سيدنا يوسف عليه السلام عندما خاف المجتمع من المجاعة فعلّمنا كيفية التعامل مع ذلك في تقليل الاستهلاك وتوزيع المدخّر على سنوات الأزمة، فقال تعالى في كتابه العزيز: {فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون}.

وهنا أيضاً على الأهل أن يراعوا الكميات والمقادير في طبخ الطعام بحيث لا نترك مجالاً لرميه وهذا جزء من إسراف وفي هذا المجال نبّه إلى البُعد عن الكماليات في المصروف.

دور العلماء

{ وحول دور العلماء في نشر ثقافة ترشيد الإنفاق لفت على ان للعلماء وخطباء الجمعة والدعاة توجيه النّاس إلى ما ذكرناه، وأشير إلى انه في خلال إحدى الدروس الدينية التي كنت ألقيها للشبان والشابات وبعد شكواهم من إرتفاع فواتيرهم الهاتفية طلبت منهم ضبط كلامهم على الهاتف الخليوي واستعماله للأمور الضرورية، فساهم ذلك بتخفيض فواتير هواتفهم إلى أقل من النصف، فمن خلال الخطب والدروس الدينية نستطيع والعلماء تعليم النّاس ثقافة الإنفاق. فالبعض قد يغيّر نفسه وهذا جيد ويقتنع ان هذا من باب الكماليات ولكن للأسف الشديد البعض يوقع نفسه بالدين لأمر كمالي.

سويد

{ وحول دور الأسرة في ترشيد عملية الإنفاق أشارت الاختصاصية الاجتماعية ندى سويد: أن ترشيد الإنفاق على مستوى الأسرة ينبغي أن يصبح ثقافة وسلوكاً فغالباً ما تهدر ميزانية الأسرة في أمور استهلاكية ليست ذات أهمية ويمكن الاستغناء عنها، أو في كماليات غير ضرورية أو حاجية، كما أن الاسراف والتبذير قد يشكّلان خطراً شديداً على ميزانية العائلة وخصوصاً في الأزمات الاقتصادية.

وتلفت ان الإدارة المنزلية الجيدة للموارد المالية لمؤسسة الأسرة تعتبر وسيلة فعّالة لتجاوز الأزمات الاقتصادية حيث ان لكفاءة إدارة الأسرة لميزانيتها دوراً كبيراً في المحافظة ربما على قدر كبير من جودة الحياة والمعيشة، فالأسرة الحكيمة في تصريف أمور المعيشية تستطيع مواجهة الظروف الاقتصادية القاسية التي تواجهها الأسرة بعكس الأسر التي لا تتفهّم أهمية الترشيد في الاستهلاك الأسري، وعلى الأسرة في الظروف الاقتصادية الصعبة وضع خطة لدراسة الدخل بطريقة عملية من ناحية امكانياتها واحتياجاتها بحيث تحاول إشباع الاحتياجات حسب الأولوية ولعل أفضل من يدير ميزانية الأسرة هو الزوج أو الزوجة، ولكن المحدد الأهم لمن يديرها هو العقلانية والسلوك الشرائي الاقتصادي والانضباط في المصروفات والادخار فإذا كانت الزوجة تتميّز على الزوج في هذه الناحية فإنها الأفضل منه في إدارة ميزانية الأسرة، ومن الضروري أيضاً على الأسرة تربية النشء التأقلم مع الظروف الاقتصادية.

كذلك من الضروري إطّلاع الأبناء على طبيعة الوضع الاقتصادي المتأزّم للأسرة من أجل التعاون وكسب الدعم اللازم لتخطّي المرحلة، وعلى الأبناء التعايش مع الأزمة من خلال ضرورة التوفير وترشيد الانفاق وتتبع المصروفات والبحث عن البدائل والعيش في حدود الإمكانيات المتوفرة..