بيروت - لبنان

اخر الأخبار

6 شباط 2020 12:03ص ثورة التواصل الاجتماعي وأثره على الأسرة والمجتمع...

حجم الخط
السلاح المزدوج الذي غزا منصات التواصل الاجتماعي عبر هواتفنا الذكية والتي دخل كل بيت وكل شركة وكل فرد من أفراد المجتمع بكافة الأعمار والطبقات والألوان والأجناس نجدها اليوم - رغم سهولة حركتها - أضحت مصدر قلق وخطر تُهدّد عقول أبنائنا وبناتنا، ففي الوقت التي كانت تلك المنصات تفتح آفاق المجتمع برمّته نحو علوم الأرض من كافة الثقافات والاختصاصات الدينية منها والاجتماعية والصحية قامت بعض المنصات بنشر سلوكيات غير منضبطة شرعياً وأخلاقياً لسببين رئيسيين:

أولاً: خرق الضوابط الأخلاقية لأبناء وبنات مجتمعاتنا وخاصة الفتيان منهم والفتيات وإطلاعهم على صور ومناهج ونصوص لا تليق بالسلوك السويّ والخُلق الإسلامي القويم مما سبّب فساداً لعقولهم وتقصيراً في دراساتهم المنهجية وعلومهم.

ثانياً: تغيير سلوك من تأثّر بالتواصل الاجتماعي من الكبار سلباً وإضاعة الكثير من ساعات العبادة والتفكّر حتى لأبسط الواجبات المطلوبة الأمر الذي انعكس سلباً على المجتمع برمّته، فلقد ورد من حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه الإمام الترمذي أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال: «لن تزولَ قدماً عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن شبابه فيما أبلْاه، وعن عمره فيما أفْنَاه، وعن مَالِه من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن عِلْمِه ماذا عمل به».

كما أن تلك المنصات قد أسهمت وتُسهم بشكل كبير في جعل الشباب والشابات فريسة سهلة للتطرف الالكتروني من خلال ترويج وانتشار وتناقل الأفكار الخاطئة والمفاهيم المغلوطة، وحتى إلى إيصال معلومات غير صحيحة أحياناً لفتاوى شرعية وآراء فقهية وأخبار كاذبة وغير موثقة لإيديولوجيات معينة، الكثير منها ما هو مقصود والقليل والنادر ما يمتّ إلى الحقيقة العلمية والدينية بصلة، إضافة إلى أن بعض الأفكار المغلوطة ترسخ بعض العقول لأعمال عنف وتخريب بغية نشر الفتنة بين أبناء المجتمع.

ولقد سهّلت منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية مثل الـ «فايسبوك» والـ «تويتر» والـ «يوتيوب» وغيرها الدخول إليها بسهولة مطلقة وأضحت تتحكّم بعقول مستخدميها وضاعت الضوابط العلمية والسلوكية في متاهات تلك المنصات وأصبح أولياء الأمور عاجزين عن تصويب عقول أبنائهم وبناتهم نحو السلوك السويّ، فقد دخلت هذه المنهجية إلى نفوسهم وسيطرت على سلوكهم تجاه آبائهم وأمهاتهم وأساتذتهم وأصدقائهم وأقربائهم وكل من يحيط بهم.

فما هي السبل العلمية والشرعية الناجعة لإعادة تصويب تلك العقول وتوجيهها التوجيه الصحيح؟

التصويب والتصحيح

إن نبينا الكريم محمّد  صلى الله عليه وسلم أرشدنا أن التصويب والتقويم يكون بالعودة إلى كتاب الله تعالى وسنّته عليه الصلاة والسلام وتنظيم العلاقة بداية بين أفراد الأسرة ثم المجتمع.

ولا ريب أن ذلك ليس بالأمر السهل بل يحتاج قبل كل شيء إلى زرع المحبة والمودّة، فالأبناء أمانة والله سائل كل امرئ عمّا استرعاه وائتمنه عليه، فلقد رُوي عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والرجلُ راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته».

والرعاية تكون بنشر بذور الدين الصحيح في نفوس أبنائنا وبناتنا وتعهدهم بالتهذيب والنصح والارشاد وعدم الغفلة عن ذلك وبخاصة في مرحلة الطفولة واليناعة، يقول رسول الله  صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجة «رحم الله والداً أعان ولده على برِّه»، أي لم يحمله على العقوق بسوء تربيته وقسوة معاملته.

فالأب مطالب اليوم بأن يكون لأولاده دائماً عيناً ساهرة، تحرس وترعى وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لا تنام ولا تفتر لكي ينشأ الأبناء والبنات نشأة صالحة وليكونوا ذرية طيبة تسعد القلب في الدنيا وتكون ذخراً لهم يوم القيامة.

وعلى أن تربية الأبناء والبنات في الإسلام لا تأخذ نمطاً واحداً في كل سن وإنما ترعى في كل مرحلة من العمر ما يلائمها من التوجيه والإرشاد والحنان الذي ينبغي إسباغه على الأبناء ولا يعني ذلك التدليل والإغضاء عن الهفوات والأخطاء وإنما يعني أن يكون مع الرحمة حزم، ومع الحنان محاسبة ومعاقبة، إذا اقتضى الأمر.

آثار هدّمت الأسرة

أما الآثار التي أدّت إلى تهديم الأسرة بسبب الخلافات بين الزوج وزوجه - قصدت الآثار السلبية عن طريق سوء استعمال تلك المنصات فحدّث ولا حرج ولأنها باستعمال منصات التواصل الاجتماعي من خلال المحادثات بين الأصدقاء والصديقات في أمور غير أخلاقية وسلوكيات غير منضبطة أدّت إلى التفريق بين الزوجين وإلى فقد الثقة والمودّة والرحمة التي جعلها الله تعالى في قلب كل زوجين، وإذا ما عولجت هذه الظاهرة وعاد كل من الزوجين إلى أصل الدين وقيمه السامية وأساس العقيدة والإلتزام بحبل الله المتين ونهج نبيه  صلى الله عليه وسلم الأمين فإننا مقبلون على زمان يُهدّد الأسرة ويفكك المجتمعات وتضيع فيه الذرية.

نعم لقد منيت الأمة الإسلامية في الماضي بنكبات سلوكية استطاعت إلى تقويم سلوكها ونهجها بعودتها إلى الدين القويم واليوم -نرى - أن الإنسان الذي ابتدع هذه المنصات في مضارها ومنافعها أن يعود ويقوّم ضوابطها نحو صلاح المجتمع فيكون مصدر خير لا مصدر شر، وعلينا - نحن المسلمين - أمام هذه الظاهرة بمضاعفة الحث على الطاعة والتوجيه والارشاد نحو مجتمعاتنا وأفرادنا وأن تدرك تلك المجتمعات أن الفوضى الخلقية والسلوكية ستظل قائمة وستستمر باطراد نحو الأسوأ وستتغلغل في عقولنا ونفوسنا إذا ما نحن أيقظنا الضمير وقوّمنا السلوك وضبطنا تلك الظاهرة بدقة ورعاية صحيحة وفق ضوابط علمية دقيقة لخير المجتمع لا لمجتمع تستباح فيه الفتن والرذائل والأحقاد والمفاسد والكراهيات وغيرها من المفاسد الاجتماعية.

العودة إلى شرعنا الحنيف

فما أحوجنا - نحن المسلمين - اليوم إلى العودة إلى كتاب الله تعالى وسنّة رسوله الكريم  صلى الله عليه وسلم وإلى ضبط برامجنا الاجتماعية نحو الخير وإلغاء الضار منها والفاسد وإلى تقويم اعوجاجنا ونكون من أهل الآية الكريمة: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}.

ما أحوجنا - نحن المسلمين - وقد فسدت المفاهيم واستبيحت الضوابط السلوكية في مجتمعاتنا أن نتمسّك بحبل الله تعالى المتين وسنّة نبيه المصطفى الأمين  صلى الله عليه وسلم الذي قال في حديثه الشريف «تركت فيكم أمرين ما إن تمسكتم بها لن تضلّوا بعدي كتاب الله وسنّتي».

ما أحوجنا - نحن المسلمين - أن ندعوا الله مخلصين له الدين حنفاء بأن يثبت أبناءنا وبناتنا وأزواجنا وزوجاتنا وذرياتنا على التقوى والطاعة والعمل بكتابه واتباعه سنّة نبيه  صلى الله عليه وسلم إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.

* قاضي بيروت الشرعي