بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 تشرين الثاني 2018 12:05ص علوم الكون والإنسان (3) أربعة أحداث كونية كبرى رافقت خلق المجرات والأرض والإنسان

حجم الخط
هشام طالب *

من الواضح أن موضوع نشوء الكون، شغل بال العالم، وفي مقدمتم علماء الفيزياء والفضاء، الذين تبنوا في منتصف القرن العشرين، نظرية الإنفجار العظيم، دون أن يتمكنوا من إثباتها علميا، حتى الآن، رغم سرعة إنتشارها وتدريسها في المدارس والجامعات..
ويهمني هنا أن أفصح عن المعلومات والإستنتاجات التي توصلت إليها بعد سنوات من البحث والتفكير، وهي معلومات مهمة، قد تكون موضعا جديا لدراستها من قبل العلماء المهتمين  بالظواهر الكونية وكيفية نشوء الكون.
ويمكنني  تقسيم هذا الحدث الكوني، إلى أربعة أحداث عظيمة هي التالية:
الحدث الكوني الأول
تبخر الماء الكوني ونشوء الكتلة الصلبــة الملتهبة 
انشطار الكتلة المائية الكونية عن بعضها البعض من خلال عملية التبخر، التي حدثت جراء تسليط قوة هائلة من الطاقة الحرارية والإشعاعية على هذه الكتلة المائية، بإذن الله. 
ونحن بطبيعة الحال نعرف ماذا يحدث، إذا وضعنا وعاءً فيه ماء،  وتركناه يغلي حتى تتبخر المياه، وما يترافق مع التبخر من اهتزاز وفقاعات هوائية وصوتية وتصاعد للرذاذ وغير ذلك، مما يعتبر هائلاً ومخيفاً اذا كان الغليان والتبخر يحدثان على مستوى كوني عظيم. 
فالتصاعد الناتج عن هذا الغليان يتحول إلى عواصف كونية وبخار مكثف، يحمل المواد العضوية والغازات من معادن وصخور وعناصر مشعة ومتفجرة وملونة لا يعلمها إلا الله تعالى..
وعندما سما بخار الماء، سمي سماء.. وقد ورد ذكر البخار في القرآن الكريم بإسم الدخان في قول الله تعالى بسورة «فصلت»: «الآية »: {ثم استوى إلى السماء وهي دخانٌ}.. 
 والدخان هنا والله أعلم، يعني بخار الماء المتكاثف.
وفيما نعرف، فإن الدخان وهو شبيه بالبخار المتكاثف، ينشأ عن النيران المشتعلة من الحطب والوقود، ويتشكل من أول وثاني أوكسيد الكربون وكبريتيد الهيدروجين وثاني أوكسيد الكبريت وغيرها من العناصر الغازية والسخام أو اليحموم. 
وعملية التبخر الكونية، تعني من الناحية العلمية، إنفصال ذريرات غازية عن بعضها البعض بما تحمله من مواد عضوية وعناصر كونية متعددة.. 
أما ما يتبقى من عملية التبخر، فهي تتحول إلى مادة صلبة، تماماً كما يحدث عندما نترك وعاء الماء يغلي.. فنرى الماء قد اختفى بالتبخر وبقي في قعر الوعاء وأطرافه مادة كلسية بيضاء. 
فالكتلة الكونية الصلبة المتبقية من الماء الكوني المتبخر، هي الجبلة الأولى التي أعيد تفتيتها بهطول المطر الكوني.. وهذا التفتيت حدث – كما قلت سابقاً – في أجواء مضطربة من الرياح العاصفة والشحنات الضوئية ، والحرارية الهائلة القوة والبريق، فضلاً عن تخلق المسارات الجاذبية والكهرومغناطيسية والنشاطات الإشعاعية والطيفيّة ، وجملة معقدة من التصادمات والتفاعلات الكيميائية والفيزيائية والبيولوجية التخليقية.
وقد ساهمت جميع هذه العوامل، بتفتيت القرص العظيم أو النواة البالغة الضخامة التي تتكون من المعادن والصخور والغازات المختلفة، والغبار الكوني والمواد العضوية والذرية والأملاح الكونية، والماء والرياح والغمام والبرق والرعد، والله أعلم. 
المجرات والأرضون السبـع 
نتيجة لتفتت الكتلة الصلبة، تحولت النواة الكونية الأولى إلى تشظظات متناثرة، وأصبحت سدماً ومجرات وكواكب ونجوماً محاطة بالأبخرة والغازات والعناصر المادية التي لا يعرف كنهها إلا الله سبحانه وتعالى. 
ويلاحظ أن معظم الكتل الملتهبة التي تناثرت ، أخذت  الشكل الأسطواني والكروي والإهليليجي في مدارات فلكية محددة بإذن الله ، بسبب ضغط الجاذبية الذي أحاطها من كل الجهات. 
ومن بين هذه الكواكب، كان هناك كوكب الأرض في السماء الدنيا ، وربما هناك ستة كواكب أخرى متشابهة، وهي التي أشار إليها القرآن الكريم في الآية 12 من سورة «الطلاق» بقول الله تعالى: {الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما}..
وقول الله أيضا في الآية 67 من سورة «الزمر»  {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون}.. 
ونلاحظ هنا، أن عبارة «والأرض جميعاً قبضته» تشير إلى عدة أرضين وليس إلى أرض واحدة. وقوله تعالى في الآية  التاسعة من سورة سبأ: {أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض}.. 
وهذه الآيات موجهة والله أعلم، إلى العلماء الذين يكتشفون آلاء الله في الفضاء الخارجي ، ليتثبتوا من قدرة الله جل جلاله في خلق الأكوان.. ومن وجود سبع سموات وسبع أرضين؟
و«السبع أرضون» لا تعني أبداً طبقات الأرض، كما قال كثير من العلماء، ولأن الأرض – كما أثبت العلم – تتألف من القشرة الخارجية، والوشاح الأعلى والوشاح الأسفل واللب .. والله أعلم؟
أما عدم ذكر السبع أرضين في القرآن الكريم فهو للتخفيف.. ولكنها ذكرت جمعاً بالإشارة إلى ذلك، في الآيات التي أوردناها سالفا. 
التوسع الكوني
نشأ عن تفتت الكتلة الكونية الأولى ، الكواكب والمجرات المتناثرة والمحاطة بالسدم والغازات والأبخرة، وهي ما تزال تنزلق، أي تتوسع وفق ما قال العلماء أن الكون يتمدد، ووضعوا لذلك نظرية البالون المنفوخ وغيرها.
والله تعالى قال في القرآن الكريم بسورة «الذاريات» الآية 47: {والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون}. أي أن بناءها كان بقوة ودقة.. وهي في توسع مستمر.
ويبدو أن حالة التمدد وانزلاق الكواكب والمذنبات في الخلاء الكوني، أحدث تصادمات تفجيرية بسبب إحتوائها على عناصر متفجرة، يعرفها العلماء، اذا تلامست مع عناصر أخرى. 
وهذه التفجيرات كانت متناثرة ومتتابعة وهي التي استطاعت التقنية العلمية تصويرها، إن صحّ ذلك.. وهذا ليس مستغرباً أو مستحيلاً، لأن النظريات العلمية أقرت مبدأ «بقاء الطاقة» الحرارية والإشعاعية والكهربائية.
وكذلك مبدأ «بقاء المادة» وفق التفاعل التسلسلي، إما بعمليات كيميائية عادية أو بتفتت وانشطار نواة الذرة. 
والمبدأ العلمي يقول بهذا الصدد: إن الكمية الكلية للمادة في نظام مغلق تبقى ثابتة.. وطبقاً لذلك، يمكن تحويل المادة من شكل إلى شكل آخر، ولا يمكن إفناؤها أو تخليقها إلا بحدوث تفاعلات نووية تنطلق منها كميات هائلة من النيوترون الذي يحدث الانشطارات بين نويات الذرات المتجاورة، الى أن يتم تفتيت جميع الذرات القابلة للإنشطار.. 
الأشعــة الكونيــة 
ومبدأ بقاء الطاقة، ينسحب على الشمس، باعتبارها مصدرا للطاقة التي تمد الأرض بالحرارة والضوء وتتسبب باختلاف الليل والنهار، وخلق الأشكال المتنوعة للحياة ، من خلال دورانها في فلكها الكوني منذ الأزل، وفق ما هو مقرر لها. 
تجدر الإشارة إلى أن الشمس وحتى الشموس التي لم يكتشفها العلم بعد (وإن تحدث العلماء عن شمس كونية ثانية) نشأت ضمن مجموعة برج العقرب   فهي تتخلق من سحابة هائلة من الغبار والغازات التي كانت تدور حول بعضها البعض بسرعة مذهلة – فتضاهت (أي تشاكلت وتشابهت) وتكاثفت جزئياتها بضغط من إشعاعات النجوم وجاذبيتها، حتى غدت السحابة سديماً ثم مجرة، نشأت عنها الشمس واستمرت بالدوران في فلكها الذي يعرفه العلماء. 
ومن الشمس نتجت الإشعاعات الكونية والكهرومغناطيسية ومنها الأشعة السينية ذات الذبذبات الإشعاعية، وأشعة «ألفا» ذات الشحنات الموجبة. وأشعة «بيتا» ذات الإلكترونيات الضوئية. وأشعة «غاما» ذات الأمواج الكهرومغناطيسية. والأشعة «الأكتينية» ذات الأمواج الطيفية الإشعاعية. 
الطاقة المظلمة والبخار الكوني 
أما الحديث عن توسع الكون، فهو أمر طبيعي، لأن المواد المتراكمة والأبخرة والغازات المتكاثفة، ما تزال تنزلق وتتصادم في أرجاء الفضاء اللامتناهي في السماء الدنيا. وهي ما تزال تموج وتتمدد وتنقبض وتتغير وتطوي نفسها، وقد تأكلها وتلفظها ثانية وفق مبدأ الثقوب السوداء  الذي ابتكره العلماء، وقد تفننوا في تسمية هذه الثقوب، طوال عقود من الزمن، إلى أن سميت مؤخراً الطاقة المعتمة، وهي التي تتسبب بخفض هالات الكواكب والمجرات، وليس ابتلاع المجرات والكواكب، كما كان يقال سابقاً.
والطاقة المعتمة هي بكل بساطة ، الظلام الذي يحيط بكامل الكون منذ البدايات الأولى لنشوئه قبل أن تظهر الشموس المضيئة، والله أعلم. 
والباري تعالى يقول في الآية 54 من سورة «الأعراف»: {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألاله الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}.
إكتشاف بخار الماء الكوني خارج درب اللبانة
واللافت هنا، أن العلماء اكتشفوا وجوداً هائلا لبخار الماء خارج نطاق مجرة درب اللبانة أو التبانة أو «طريق اللبن» من خلال مرصد «إيفاسبيرغ»، إذ تبين لهم أن الهليوم والهيدروجين يتكاثران. وأن هذا التكاثر موجود بنسبة 98% من مجموع مركبات المادة المعروفة، وهذا يؤكد أن الكون كان مليئاً بالماء قبل نشوء السموات والأرض.. والله أعلم؟..

* باحث في العلوم الكونية وتاريخ الحضارات