بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 كانون الأول 2018 12:03ص علوم الكون والإنسان /7 ما هي تقسيمات الزمن الفيزيائية والجيولوجية..

حجم الخط
هشام طالب*
 
تحدثنا في الحلقة السابقة عن الفترة التي فيها الله تعالى خلق السموات والأرض وهي ستة أيام وقلنا أنها تكررت في عدة آيات كريمة في القرآن الكريم، كما عرضنا لعنواين عديدة منها اليوم في اللغـة والعلـم، واليوم والألف يوم، وحساب التنفس والدورة الشمسية.. واليوم نكمل الحديث.. 
الطـَّـور
أقر مجمع اللغة العربية في القاهرة أن «الطور Phase» لفظ يطلق في كل عملية تتغير تغييراً دورياً على: 
الحالة أو المرحلة التي وصلت إليها هذه العملية في لحظة ما .
الفترة الزمنية التي تمضي إبتداءً من لحظة معينة تقاس بالنسبة للدورة الواحدة . 
و«الطور» في علم الصوتيات، ويقال لاهتزازتين أنهما في طور واحد إذا كان تغيّر الإزاحة في كل منهما على لفظ واحد في وقت واحد، أي أن الازاحة تبلغ في كل منهما، نهايتها العظمى أو الصغرى أو قيمة الصفر في وقت واحد. 
وفي المفهوم الكيميائي لمعنى «الطور»، هو الحالة المتجانسة (الصلبة أو السائلة أو الغازية) التي تكون عليها المادة في نظام متجانس، مكونة بذلك جزءاً متميّزاً وطبيعياً، عن بقية أجزاء نظام المادة.
أما في علم الهندسة والرياضيات، فإن الطور يعني نقطة احتساب الزمن الذي مضى، عندما كان الجسم في أقصى مسافة موجبة، حتى وصل إلى هذه النقطة التي هو عليها. 
وفي القرآن الكريم وردت كلمة «أطواراً» بمعنى «مراحل» ومنها: «ما لكم لا ترجون لله وقاراً (13) وقد خلقكم أطوارا (14) (نوح: 13 – 14) أي على مراحل ومن حال إلى حال  ومن المرجح أن يكون اليوم الكوني في خلق السموات والأرض يعادل طوراً.. والطور في المفهوم الزمني قد يصل إلى آلاف السنين، والله أعلم.
الطـُّور – الجبـل 
«الطور» الذي ورد لفظه  10 مرات في القرآن الكريم هو الجبل الذي جعله الله مباركاً وكلم عنده موسى عليه السلام ، في قوله تعالى: {وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجياً} (مريم 52) وفي سورةالتين قال عز وجل: {والتين والزيتون وطور سنين} أي الجبل المبارك بالأشجار المثمرة، كما خصه الله تعالى بسورة مكية تتألف من 49 آية، بدأت بالقسم: «والطور(1) وكتاب مسطور (2) في رق منشور (3) والبيت المعمور (4) والسقف المرفوع (5) والبحر المسجور (6) إن عذاب ربك لواقع (7). وقوله تعالى: {وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ لللآكلين} (المؤمنون:20). 
الحقبــة والدهـــر 
الحقبة هي فترة زمنية غير محددة، مع أن البعض قدرها بثمانين سنة أو أكثر، أسوة بتقديرهم لـ «الدهر» الذي يساوي عمر الانسان ويستعمل مرادفاً للعصر. وقال بعضهم إن الدهر يعادل أربعين سنة، وفق تفسيرهم لقول الله تعالى في سورة «الانسان» الآيتان 1،2: {هل أتى على الإنسان حين  من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا (1) إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيراً}.
الحيــن والدهــر والأبد
يلاحظ مما ورد في الآية الكريمة أن: كلمة «حين» تعني جزءاً من الدهر، وربما هي فترة الحمل التي تمضيها المرأة قبيل ولادة الجنين، أي تسعة أشهر. لكن علماء الجيولوجيا  قالوا إن «الحين» هو أطول مراحل العصر في الزمن الجيولوجي، ويقاس مداه ببضعة ملايين من السنين لا تتجاوز العشر. 
وقد دأب العرب على استخدام كلمة «الدهر» وفي أذهانهم مرادفات لصروف الزمان ، وما يوحي لهم بأن قوى فاعلة خفية، تقف وراء تقلبات الأيام والصروف التي يعاني الإنسان من همومها، ولذلك قالوا: دهرٌ داهر، أي شديد. 
ويلاحظ أن في القرآن الكريم وردت كلمة «الدهر» في موضعين اثنين هما ما أوردناه آنفا : {هل أتى على الإنس حين من الدهر} (الانسان: 1) و{وما يهلكنا إلا الدهر} (الجاثية: 24). 
الدهـــريــة: ومن الدهر برزت طائفة «الدهرية» أو «الدهريون» ويقال لهم الدهاريم و«الدهارمة»: وهم الملحدون الذين جحدوا الصانع المدبر، وزعموا أن العالم لم يزل موجوداً كذلك بنفسه، لا بقدرة صانع هو الله. ولم يزل الحيوان يتوالد من نطفة، والنطفة من حيوان. كذلك كان وكذلك يكون أبداً. وقالوا أن الدهر مصدر الحياة ومصدر نظامها.
الأبـــــد: والدهر في بعض التفاسير تعني «الأبد» فيقال: أبد الدهر. والجيولوجيون يرون أن «الدهر» يعني، أطول المراحل التي ينقسم إليها أحد الآباد الجيولوجية، ويقاس مداه بعشرات الملايين من السنين، أو بعدد قليل من مئات السنين، وهو المدة الزمنية التي ترسبت فيها الصخور، ويرى الفلاسفة أن الدهر تعني «الدائم » أي أنه امتداد للحضرة الالهية. 
الزمــن الشمســي 
الزمن هو الفترة الفاصلة بين حدثين متعاقبين مثل شروق الشمس وغروبها. وقد جعلته النظرية النسبية بعداً رابعاً، أضيف إلى الأبعاد الثلاثة : الطول والعرض والارتفاع. . والزمن، وقد اختار الإنسان الزمن الشمسي للتوقيت اليومي باعتباره أساس المدة التي تستغرقها الأرض في دورانها دورة كاملة حول محورها بالنسبة إلى الشمس، وهذه الدورة مقدارها 23 ساعة و 56 دقيقة، وليس 24 ساعة، بسبب ميلان محور الأرض ودورانها حول الشمس، في مسار إهليلجي وليس دائري، وقد تم التعارف على إعتبار الكسر (56 دقيقة) وحدة كاملة، فصار مقدار الدورة أو اليوم الأرضي (24 ساعة). 
«الزمــان» إله الصرفانيــة: من غريب ما عثرت عليه، أن كلمة «الزمن» أو «الزمان» هي إسم لإله طائفة الصرفانية Zervanism التي أسست للمانوية، و«الزمان» هو الإله الأبدي أو القدر المحتوم – وفق اعتقادهم -. وزعمت الميثولوجيا اليونانية أن «الزمن» هو الإله «كرونوس» وقد سماه الرومان : «زحل»،  وتقول الرواية أن كرونوس أو زحل أو «زمن» طرد أباه «أيروس» بقسوة وعنف وتزوج أمه «غيه» ليصبح سيد العالم. 
كلمة «زمان» لم ترد في القرآن الكريم أبداً. غير أن العرب اتفقوا على استعمالها كمصطلح لقياس الوقت، كثيره وقليلة. وأصبحت تستخدم لأيام الشدة والعسرة مثل «زمن القحط » و«زمن الجفاف». وفي العربية يقال: الزمانة: العاهة. فلأن زمن الرغبة، أي ضعيفها: وتقال للمبتلي أيضاً، أما المزامنة فتعين قياس الزمن أسوة بالمشاهرة من الشهر، كما قال الكسائي. والزمانة: آفة في الحيوان، والتزامن: حدوث شيئين في وقت واحد، واستخدم الكيميائيون والفيزيائيون ومهندسو الميكانيكا والإلكترونيات وغيرهم كلمة «الزمن» للتعبير عن حركات توافقية ومتساوية للذبذبات وفترات التقابل والتباعد وغيرها. 
الآن: فسر الفلاسفة كلمة «الزمان» Time  أو Temps بأنه مقدار للحركة. إلا أنه ليس له وضع ، إذ لا توجد أجزاؤه معاً وإن كان له اتصال، لأن ماضيه ومستقبله يتّحدان بظرف واحد محدد، هو «الآن». وهوية هذا المقدار الذي للحركة، هي أنه لحركة مستديرة. وهو مقدار للحركة المستديرة من جهة المتقدم والمتأخر. والحركة متصلة بطبيعتها، وكذلك الزمان، لأنه يطابق المتصل. وكل ما طابق المتصل فهو متصل . والزمان يتهيأ لأن ينقسم بالتوهم، وكل متصل كذلك. فإذا قسمنا الزمان، ثبتت له في الوهم نهايات.. وهذا ما يسمى: آن وآنات. 
السـرمد والأزل: السرمد، ما لا أول له ولا آخر. فهو خارج عن الزمن الذي نعرفه على سطح الكرة الأرضية. وهو موجود بلا بداية وبلا نهاية، أما الأزل فهو يماثل السرمد والأبد، أي أنه استمرار للوجود في الماضي إلى غير نهاية في المستقبل، وحسب «الجرجاني» فإن الأزلي والأبدي والسرمدي، تعني القديم الذي لا يوجد غيره في الوجود. واذا أريد به الله تعالى، فهو ما لا أول له ولا آخر. 
البــرهة والثانيــة: البرهة مرحلة من الزمن أو جزء منه. يستخدمها العامة كقياس صغير للوقت وهو يشابه الثانية، (تتكون الدقيقة من 60 ثانية).. ويقول الجيولوجيون، إن البرهة في الزمن الجيولوجي، يقاس مداها بمئات الآلاف من السنين، ويندر أن يبلغ مداها أكثر من مليون سنة. وهي أطول مرحلة ينقسم إليها «حين» من «الأحيان» الجيولوجية. وتتميز بازدهار نوع معين أو عدة أنواع محددة من الحيوانات والنباتات التي تنقرض أو تقل كثيراً في الأهمية الجيولوجية مع نهايتها. فإذا كانت البرهة بهذا المقياس من السنين الأرضية، فماذا عسى أن يكون مقياس اليوم الكوني يا ترى؟
العصر.. والعهد: العصر، هو فترة زمنية بين مناسبتين، كأن نقول بين الظهر والعصر. والعصر بمفردها، تعني  جزء من الوقت، كأن نقول العصر الأموي أوالعصر الذهبي. والعصر، هو وقت الصلاة الوسطى عند المسلمين، بين الظهر وبين المغرب. ووردت في القرآن الكريم بمثابة قسم في قول الله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر}. 
والعصران، هما الليل والنهار، والغداة والعشي. وتأتي العصر بمعنى العهد، فنقول عهد الرئيس فلان. وللعصر عدة معان، أهمها «الزمان» و«الحين» و«الحقبة» و«الفترة الزمنية».
الساعة وأصل تسميتها: ذكرنا أن اليوم يعادل 24 ساعة، والساعة تنقسم إلى 60 دقيقة، والدقيقة تنقسم إالى ستين ثانية، وترمز الساعة، إلى أنها جزء من ساعات اليوم الـ 24 ساعة.. وعندما أقول: سآتيك الساعة. فهذا يعني أنني سآتي إليك الآن، إنما سٌمّيت «ساعة» لأن الإنسان يسعى لتحديد الوقت من أجل إنجاز عمل سريع، في وقت محدد، وأصلها «سايع» من سعى، يسعى . وجمعها ساعة . وهي على وزن « بايع « و»باعة « و «صايغ «وصاغة»، ويقال: «سِعو» من الليل  (بكسر السين وفتح الواو ) أي ساعة من الليل، ويقال أيضا :  سِعواً من الليل، وسِعواء من الليل  (بكسر السين) وسعواء من الليل (بضم السين). 

* باحث في العلوم الكونية وتاريخ الحضارات