بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 آذار 2020 12:02ص فساد العلماء والقضاة.. سبب فساد البلاد..

حجم الخط
رحم الله الإمام أبي حامد الغزالي عندما شخّص أحوال الأمة بكلماتٍ قليلة معّبرة - يقول فيها:

«إن الفراعنة والأباطرة تألّهوا؛ لأنهم وجدوا جماهير تخدمهم بلا وعي.

إن إقامة صروح العدل الاجتماعي في بلد مختل كإقامة قواعد الأدب في بلد منحل.

إنما فسدت الرعية بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء، فلولا القضاة السوء والعلماء السوء لقلّ فساد الملوك خوفاً من إنكارهم.

إذا أردت أن تغيّر وضعاً خاطئاً فعليك بتجهيز البديل أولًا..»...

وهو بهذه الجمل القليلة، دوّن تشخيصا واقعيا لما يعصف بنا في هذه الأيام، فالحكام الذين ارتقوا رتبة الفراعنة أولا ثم ظنوا أنفسم انهم صاروا آلهة بعد ذلك، إنما صار ذلك بسبب جماهيرهم التي خدمتهم بلا وعي، وصفّقت لهم، ونثرت الأرز على مواكبهم.. واعتبروا زلزلة الأرض تحت أقدامهم، إنها ترقص طربا لعدلهم المزيّف على حد زعمهم.

لقد تسلل الفساد إلى نفوس الناس، وآمنوا بأصنام من الزعماء، وهؤلاء الزعماء تسلل الفساد إلى نفوسهم وأفعالهم بسبب العلماء، فالقضاة والعلماء عندما فسدوا فسد الزعماء ولم يعودوا يخافوا من إنكارهم...

خالف العلماء والقضاة، قول نبيهم محمد  صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وفي الخلاصة فسد العلماء والقضاة وفسد الزعماء ففسد الناس وخرب المجتمع.

رحم الله ذلك القاضي الشرعي في بيروت الذي همّ ذات يوم لشراء دواء لأسرته وقصد الصيدلية بسيارته وبينما كان يركن سيارته أمام الصيدلية رأى الصيدلي داخلها فعرفه بأن له قضية منظورة أمامه فرفض النزول واستعان بأحد المارة فاشترى له الدواء.

أمثال هذا القاضي الشريف، جئني اليوم بمثلهم، يتعففون عما بأيدي الناس، لا يسألون المتقاضين أمامهم عن أموالهم، وصنائعهم ومراكزهم ومراتبهم ونفوذهم كي يستفيدوا منهم ويحكموا لمصلحتهم بما أرادوا...

علماء وقضاة يتزلّفون لأهل السلطة، يقفون على أبوابهم زرافات ووحدانا، يتسوّلون ودّهم، ويستدرون عطفهم، ليحموا أنفسهم من المحاسبة على الفساد الأخلاقي والمالي الذي يمارسونه، وليقتنصوا رتبا ومراتب ووظائف ليسوا أهلا لها. 

هنا مكمن الداء... وهنا الدواء فإذا صلح العلماء والقضاة، صلح الحكام، وصلح البلد... وللحديث بقية.