بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 أيار 2020 12:00ص مدّاحون في العلن... أولئك المرّاؤون

حجم الخط
غلّف الرياء صنائع الناس وأفسد عقولهم وجعلهم يقعون في شرور أعمالهم ولم يعد مقصدهم مرضاة ربهم بل أصبح مبتغاهم رضا الناس من حولهم.

دمّر الرياء عقول المرّائين وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا فإذا بهم يخسرون الدنيا والآخرة... يخسرون!!! لان الذين امتدحوهم في العلن احتقروهم في السر والذين انبهروا بصنيعهم غلّف الحسد ابتسامتهم وزادت الضغينة في نفوسهم... وهم خسروا الآخرة أيضا لأن ما كان للّه فهو المتصل وما كان لغير الله فهو المنفصل...

وفي هذا السياق أروي واقعة من تاريخ أمتنا الإسلامية العظيمة، والرواية تفيد انه كان مسلمة بن عبد الملك على رأس جيش للمسلمين يحاصرون قلعة عظيمة للروم ولكن القلعة إستعصت على جيش المسلمين لارتفاع أسوارها ولإغلاق جميع المنافذ إليها، الأمر الذي رجّح كفّة جنود الروم، فأخذوا يقذفون جيش المسلمين من أعلاها، فازداد تعب وإنهاك جنود المسلمين.

وفي الليل قام أحد جنود المسلمين بفكرة مستحيلة، إذ أنه تخفّى بمفرده إلى أن وصل باب القلعة وظل ينقب فيه وينقب حتى استطاع أن يُحدث به نقباً ثم رجع دون أن يُخبر أحداً.

وعند الغد تأهّب المسلمون للقتال كعادتهم، فدخل هذا البطل من النقب وقام بفتح الباب فتدافع المسلمون وتسلقوا أسوار القلعة وما هي إلا لحظات حتى سمع الروم أصوات تكبيرات المسلمين على أسوار قلعتهم وداخل ساحتها فتحقق للمسلمين النصر.

وبعد المعركة جمع القائد مسلمة بن عبدالملك الجيش، ونادى بأعلى صوته: مَن أحدث النقب في باب القلعة فليخرج لنُكافئه..

فلم يخرج أحد فعاد وقالها مرة أخرى، من أحدث النقب فليخرج.. فلم يخرج أحد.

ثم وقف من الغد وأعاد ما قاله بالأمس.. فلم يخرج أحد. وفي اليوم الثالث، وقف وقال: أقسمتُ على من أحدث النقب أن يأتيني أي وقت يشاء من ليل أو نهار.

وعند حلول الليل والقائد يجلس في خيمته، دخل عليه رجلٌ ملثم، فقال مسلمة: هل أنت صاحب النقب؟... فقال الرجل: إنَّ صاحب النقب يريد أن يبر قسم أميره ولكن لديه ثلاثة شروط حتى يلبيَ الطلب.. فقال مسلمة: وما هي؟... قال الرجل:

أنْ لا تسأل عن اسمه..

ولا أن يكشف عن وجهه..

ولا أن تأمر له بعطاء..

فقال مسلمة: له ما طلب.

عندها قال الرجل: أنا صاحب النقب ثم عاد أدراجه مسرعاً واختفى بين خيام الجيش.

فوقف مسلمة والدموع تملأ عينيه وتلا قول الله تعالى في القرآن الكريم.: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)..

وبقي مسلمة بعد ذلك يقول في سجوده: اللهم إحشرني مع صاحب النقب..

اللهم إحشرني مع صاحب النقب..

فما أجمل الإخلاص... وما أبشع الرياء الذي يدمّر الأعمال ويفسد العقول...