بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 شباط 2024 12:03ص قراءة نفسيّة للحب.. في عيده!

حجم الخط
تقول الرواية إن الجريمة التي وقع فيها القديس فالنتاين كانت بسبب تزويج العشاق المسيحيين بعضهم البعض، مخالفاً لأوامر الإمبراطور كلاوديوس الثاني، الذي كان يمنع الزواج آنذاك اعتقاداً منه أنه سبب عزوف بعض الشباب عن الخدمة العسكرية لذلك قرر الاخير إعدامه .

بعد تاريخية عيد الحب، ما حقيقة الدب الاحمر؟!

الاجابة هنا ستكون على قسمين…القسم الاول سيتناول الدب كرمز لحقيقته و طبيعته الغريزية ،أما القسم الآخر فسيتناول الدب كرمز لصورته النفسية…
الحب لدى الدببة هو عبارة عن معارك وصراع وقتال ودماء تسيل ليفوز الدب الذكر بالأنثى،بعد ذلك يتخلى عنها لينتقل بعدها الى الغابة التالية و يعيش نفس الصراعات من اجل السبب نفسه. 
أمّا نفسيّاً، فالفتاة الصغيرة يبدأ تعلّقها بالدب او الدبدوب لانه «ذكر» ويحمل صورة الاب التي تعشقه وتتمناه وهنا كي أوضّح أكثر سأتحدث سريعاً عن عقدة اوديب…
أي عندما يتعلق الطفل بوالدته والطفلة بوالدها و هذا الحب يكون ممنوع ومحرّم وتبدأ هنا مشاعر العدائيّة موجّهة من الطفل نحو احد الوالدين (حسب جنس الطفل). 
فالطفلة هنا تتمنى ان تستحوذ على والدها وان يكون ملكها وحدها و حبها الاول، لتأتي الام ومن خلال وجودها في حياتهم كزوجة لهذا الاب وأمّاً للطفلة وتفصل بين كل من الاب و بينها.
لذلك منذ عمر الثلاث سنوات تبدأ الطفلة بالتعلق بالدبدوب وبوضعه جانبها في السرير كي تعانقه اثناء النوم و تقبّله كتعويض عن غياب الاب الذي ينام فقط الى جانب الام.بالاضافة الى ان الطفلة هنا تعيش مع الدبدوب كل ما هو ممنوع عليها ان تمارسه مع والدها «كحبيب».
لذلك اصبح الدب رمز نفسي لممارسة الحب وللتعبير عنه وهو رمز مقبول جداً ومرغوب به من قبل الفتيات خصوصاً.
أما اللون الاحمر ففي القسم الاول من الاجابة فهو يحمل لون الدماء اي العدائية،بينما في القسم الثاني فهو يحمل معنى تدفق المشاعر وتأجيجها . 

ما هو أول حب يعيشه الانسان؟  

لنعود الى عقدة الاوديب والى التحليل النفسي…
إنها مجموعة الرغبات المحبة والعدائية التي يشعر بها الطفل تجاه والديه (سيغموند فرويد، مقدمة في التحليل النفسي). يسعى الطفل الصغير إلى مداعبة أمه ويحب أن يقدم لها دليلاً على قوته بينما يظهر له والده كمنافس، يعجب به ولكنه يرغب في طرده و استبعاده كي يفوز بأمه لوحده و ينفرد بها. كما تسعى الفتاة الصغيرة إلى حنان الأمومة، ولكنها تكره احياناً وجود والدتها، ثم تلجأ بعد ذلك إلى والدها بسلوك غزلي وتملكي.
الام حينذاك هي حب ابنها الاول…والاب هو البطل الاول في حياة ابنته.

هل الحب هو اضطراب نفسي؟ 

أحياناً نعم…عندما لا نعرف كيف نحب أنفسنا فنبحث عن الاخر كي يغطي هذا النقص خصوصاً عندما يكون هذا النقص قد بدأ منذ مرحلة الطفولة ومنحنا الشعور بأننا لسنا بمحبوبين..
اي اننا لم نحصل على كمية الحب الكافية من الام والاب،هنا البحث عن الشريك والمطالبة بحبه لنا تكون بمثابة مجرد تغطية لذلك النقص القديم وغالبا ما تفشل العلاقات المبنية على هذا الاساس او انها تنجح و لكنها تكون قد أخذت اشكالا مرضيّة 
مثل الذي يختار شريكة له تكبره سنّاً بكثير (صورة الام) 
والامر نفسه ينطبق على التي تختار شريكًا من عمر والدها .
في المقلب الاخر من الصورة،الحب يكون اضطراباً عندما نأتي على ذكر المثلية الجنسية
وكيف ان الفرد يختار شريكاً من نفس جنسه ويكن له مشاعر ورغبات جنسية للسبب نفسه الذي تحدثت عنه اعلاه وهو ديناميكية العلاقة بين الطفل وابويه.
ويكون الحب اضطراباً ايضا عندما نبالغ في حبنا لأنفسنا حد الانانية ولا تهمنا مشاعر هذا الاخر أي الشريك،ولا يهمنا ما هو حقاً بحاجة اليه فوجوده هنا واصرارنا عليه ما هو الا امتداداً لنا ولنرجسيتنا 
وسأترك التفسير أكثر للمحلل النفسي الذي ابدع في وصف الحب بجلّ معانيه.

حقيقة الحب من النظرة الاولى coup de foundre 

يذكر العديد من الاشخاص انهم ريثما يلتقون بشخص يقعون بحبه من النظرة الاولى ويقولون (اول ما شفته/ها حبيته/ها)، ولكن في الحقيقة تفصيل صغير لدى هذا الشخص كفيل بأن يجعلنا نعتقد اننا وقعنا في الحب كلون العيون، رائحة العطر،الملامح، نبرة الصوت…فهذا التفصيل لدى هذا الشخص لاوعينا هو الذي ينتبه له ويجذبنا اليه لانه من المؤكد يذكرنا بأحد ما وأغلب الناس لا تدرك هذه الحقيقة.

كيف فسّر» اريك فروم» الحب؟  

في كتابه «فن الحب» او the art of loving يتناول الفيلسوف و المحلل النفسي فروم نقاشاً حول كلام عالم النفس سيغموند فرويد عن حاجة الطفل إلى الحب في فترة نموه في رحم أمه. هذه الحاجة تنشأ منذ بداية وجود الجنين في رحم أمه، وتبقى غير قابلة للتطوير إلا من خلال حب الأم بعد مرحلة الطفولة. هذا الحب يلعب دوراً مهماً في تلبية احتياجات الطفل للوحدة والاندماج مع والدته.
كما يقول أن «الحب الناضِج هو الوحدة بشرط الحفاظ على تكامل وتفردية الإنسان. فإذا تعلَّقتُ بشخص آخر لأنني لا أستطيع أن أقف على قدمي وحدي، يصبح هذا الشخص منقذاً لحياتي، لكن العلاقَة حينئذ لا تكون علاقَة حب، وعلى نحوٍ متناقِض فإن القدرة على الوحدة هي شرط القدرة على الحب»
فالحب من منظور فروم هو يجب ان لا يختلف عن الحب الامومي…اي التضحية دون انتظار اي مقابل

لماذا الحب في حياتنا ضرورة ؟ 

نفسياً..وبمعزل عن اسباب كثيرة جميعنا نعرفها ونعرف قيمتها ولكن حقيقة الخوف من الوحدة هي السبب الرئيس وراء سعينا الى الحب و الى الارتباط وكي نزيح عن انفسنا قلق الوحدة والغربة الذي شعرنا به عندما طُرِدنا رغماً عنا من رحم الام الى الحياة،يأتي حضن الام والمشاعر والحب ويخفف عنا كل ذلك في تلك اللحظات..
كذلك الشريك وكل المشاعر الدافئة ووجوده في حياتنا يخفف عنا ذلك القلق..

ما هي اشكال الحب ؟ 

 بالنسبة الي،كل واحد منا له طريقته بالحب وبالتعبير عنه ومهمها تعدد اشكال هذه الكلمة المؤلفة من حرفين يبقى مفهومه واحداً…
أن نحب، يعني ان نضحي ويكون همنا الوحيد سعادة المحبوب حتى وان كانت تقف على التخلي المطلق عنه…اي اذا هو أراد ذلك او كانت مصلحته في ذلك فلا يجب هنا ان يتحوّل من محبوب الى عدو…
الحب مهما كان شكله او لونه، يكمن في اللذة بأن نرى من نحب بأفضل حال…وأن نتقبله بصورته التي عليها ونعشقها على حقيقتها وليس الصورة التي في أذهاننا والتي نسعى الى ان نجعله يشبهها.
وهذا هو السبب الرئيس وراء فشل العلاقة الزوجية او العاطفية، نعتقد اننا نحب الشخص حسب تصورنا عنه وليس حسب ما هو عليه…
ان تُحِب شريكك عليك ان تتقبل عيوبه اولاً…
وفي الختام أعزائي القرّاء اترككم مع مقولة تلخص كل ما حاولت ان أفسّره لكم من خلال هذه المقالة…
يقول «ابن عربي»:
«و كُلُّ حبٍّ يزول ليس بحبّ،و كلُّ حبٍّ يتغيّرُ فليس بحبّ،إنّما الحُبّ ما ثَبَت.»
و كل يوم هو عيد الحب يا أعزائي ما دمنا أنا وانتم الى جانب من نحب ، دمتم بخير!

سلام محمد الصغير 
(مختصّة نفسية)