بيروت - لبنان

اخر الأخبار

9 كانون الثاني 2024 12:00ص أزمة الفن اللبناني 2023 كيف بدأت؟ ولماذا؟ وما الذي خسره الفنان اللبناني عام 2023؟

لوحة لـ محمد عزيزة لوحة لـ محمد عزيزة
حجم الخط
تساءلت كثيراً عن تأثير الأزمة الاقتصادية على الفن التشكيلي في لبنان وتحديداً عام 2023 الذي رحل واللوحة اللبنانية تسافر أكثر من رسامها. وأنا أشعر أنها بشكلها الإيجابي ساعدت على انتشار الفنان في الخارج من خلال هجرتها بعد اصابتها بهبوط سعرها بالنسبة للدولار، مما سهّل الحصول عليها بالنسبة للأثرياء الجدد، كما اطلق عليهم دكتور فضل زيادة. فالتعبير ذاته عن هذه الأزمات التي عاشها الفنان اللبناني بشكل خاص شهدت انتاجيا على فن تشكيلي لمس لبّ المعاناة النفسية التي أصابت الفنان الذي ركّز على الرسم أكثر من المعارض التي كان يقيمها قبل الأزمة، رغم افتتاح الكثير من الغاليريهات الصغيرة في بيروت بشكل خاص. فالوصول للموارد من ألوان أو المادة الخام التشكيلية أو تمويل الفنان لينتج ويرسم بات صعباً بسبب الأزمة وارتفاع اسعار الألوان وما الى ذلك، ورغم ذلك سافرت اللوحة اللبنانية لتنتشر وتجد مكانها في المعارض العربية والغربية بسبب نزول سعرها قياسا لسعر الدولار وارتفاع سعرها داخل لبنان. بينما بقي الفنان في لبّ المعاناة يعاني من أزماته ويمارس الرسم تبعا لمشاعره وأحاسيسه التي أطبقت عليها الأزمات. فهل دخلت اللوحة اللبنانية في عملية العولمة الفنية التشكيلية؟ وهل تخطّت بذلك مشكلتها في الدخول الى الاقتصاد الفني الدولي؟ أم أنها اقتحمت واقع المشهد العربي فنياً بهجرتها وزاحمت بحيويتها الاقتصاد الفني الدولي؟ وهل سنشهد على اندماج الكثير من الفنانين اللبنانيين مع السوق الفنية العالمية؟
يقول الفنان شوقي شمعون: «الفنان إنسان كأي إنسان آخر من الذين ظلمتهم الأزمة الاقتصادية في لبنان التي أصابت الكل دون استثناء، ولم أشعر يوماً أني الوحيد الذي عاش هذه الأزمة بشكل خاص. بالتالي لم أتأثر بالأزمة بما يخص إنتاجي. واللوحة اللبنانية نجحت رغم الأزمة في الخارج والداخل. وبرغم أن اللوحة اللبنانية هاجرت لتفتش عن رزقتها، وهذا يساعد على انتشار الفن اللبناني في العالم وله إيجابياته كما السلبيات التي أصيبت بها على أمل أن تعود الأمور لمكانها الصحيح ليتعامل الفنان اللبناني مع متابعينه. بالنسبة لي المشاهد أو المقتني اللبناني هو أهم إنسان بالكون لأنه يمكن أن يشعر معي بما أطرحه من قضايا فنية ومشاعر وغيره الخ... فهذا التجاوب مع الفنان اللبناني بالنسبة لي أهم تجاوب في العالم وأقول دائما أهم عين تنظر إلى أعمالي هي عين اللبناني، طبعا عين العربي هي كذلك. إنما كعمق إنساني لي أو تاريخي لي عربياً هذا صحيح، لكن كيف ينتشر الفنان العربي عالميا هو وحظه من جهة ومن جهة ثانية إمكانية انتشاره كيف تحدث عن طريق غاليريهات أو من الخارج ويختلف ذلك من فنان لآخر. إنما العمل الفني مستمر والحياة مستمرة إن على صعيد محلي أو عربي أو عالمي. لذلك أرى أن اللوحة اللبنانية يمكن تأثّرت بشكل أو بآخر، إلّا ان كل ذلك يجعل من الفنان أن يبذل مجهوداً آخر كي يسعى للتعويض بشكل أو بآخر عن خسارته على صعيد بلده.
يقول الفنان التشكيلي فضل زيادة: «استفحلت أزمة الفن التشكيلي في لبنان بداية من أزمة نقاد الفن التشكيلي وندرتهم. إذ نعاني من ذلك في أغلب الدول العربية. كما أن الفنان لا يقرأ كما ينبغي بالتالي نحن نفتقد الغنى الثقافي في هذا العصر. والأزمة أكبر تجاريا، فاللوحة هبطت للحضيض من حيث سعرها. فالأثرياء الجدد في الفن يسعون نحو التجارة أكثر من النوعية. كما أن الغرب بدأ باللوحة الديجيتال بالتالي بدأنا نفقد الأنسنة في الفن التشكيلي، ولا أعلم متى يتسرّب هذا إلى عالمنا العربي؟! وأنا ضد التفكير التجاري البحت، بما يخص اللوحة التشكيلية. كما أننا نحتاج لنقّاد على مستوى عالمي. والصراع ما بين اللوحة المرسومة بالألوان الكلاسيكية من مائية أو طبشورية أو زيتية، واللوحة المرسومة بواسطة الذكاء الإصطناعي يزداد، وهذا يحدث كل مدة من السنوات كما هي حال التغيّرات بين قرن وقرن، ولكن عام 2023 كان أكبر بسبب الكورونا والثورات والكوارث الطبيعية وكل ذلك أثّر على نفسية الفنان. وكما قلت فقداننا للنقد الفني الجيد والمعارض الجيدة في الغاليريهات التي تقيم الأعمال الفنية نحن في أزمة نمرّ فيها على أمل أن يمضي كل ذلك ونعود إلى الزمن الغني فنيا من حيث الجيد فنياً ونقدياً.
يقول الفنان محمد عزيزة: «أما بعد باختصار منذ سنة ١٩٧٠ وحتى سنة ٢٠١٥ كانت بيروت ملتقى الفن والحضارات وذلك لإن القيّمين على الفن والنقاد وأصحاب المعارض والكاليريات لديهم ثقافة واسعة وشاملة بمختلف المجالات وكانوا حريصين جدا على أن يكون لبنان بالمراتب الأولى. لذلك كان الفنان عندما يريد أن يقدم أعماله الفنية لأي كاليري كان الناقد لكل كاليري يقيّم أعماله وأسعارها، إذا كانت تقبل أو الرفض، لذلك كان الجمهور لديه معرفة تامة ومستوى ثقافي جيد لما يقدم له، وبعد ذلك التاريخ أخذ الفن بالتراجع، ونظرا لعدم وجود ناقد أو إعلامي حريص على تقديم الأفضل والمواجهة ونظرا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أصبحت صالات العرض مفتوحة أمام الجمهور بدون حسيب ولا رقيب إنما لمكسب المال لذلك هذه السهولة بالتعاطي مع الفن التشكيلي أنجبت جمهور وفير وخصوصا من السيدات اللواتي ليس عندهم خبرة كافية بالفن إنما للتسلية والترفيه، وكذلك انهالت لهم الدعوات للعرض خارج لبنان، مما جعل هناك الكثير من القيّمين على الفن لتوزيع الجوائز وحب الظهور على الساحة الفنية، وهذا ما حدث، لاتخذ مثالا على ذلك، لماذا الفنانين الذين كانوا بالسابق لم يظهروا على الساحة الفنية حرصا منهم علي مكانتهم الفنية أن يتدنّى مستواهم فأصبحوا خارج هذا المجال واكتفائهم بما لديهم؟ ملاحظة كان بذلك الزمن الفنان يرتعد خوفا من الناقد أو الصحفي لما لديه من خبرات كبيرة ولما سوف يكتبه ولكثرة الصحف والمجلات وكذلك القرّاء، لذلك أقول بان الفن سيتراجع أكثر وأكثر ان لم يكن هناك قيّمين عليه ولديهم الجرأة بقول الحقيقة كما هي.
ويقول الفنان ميشال روحانا: الساحة الفنيّة في لبنان بين الفوضى والغياب النقدي البناّء، الى نقدٍ ترويجي فاقد للمعايير الفنيّة، طبعاً ليس أغلبها، فأضحت الساحة الفنيّة بين المبدعين الحقيقيين والمدّعين الفن. يلفت نظرنا الحالة الغريبة والفاقعة في استغلال مواقع التواصل الاجتماعي، وكثرة التنظيمات الهادفة أقلّه الى الظهور المغلّف، وضعف بعض المسؤولين بالشأن الثقافي والفني. أذكر في بداياتي حين كنا نفكّر ألف مرة قبل أن نقوم بعرض أعمالنا ونأخذ بآراء النقّاد والمثقفين والصحافيين المتخصصين وغيرهم، أما اليوم فنحن إبتلينا في فوضى غير إبداعيّة لا يوجد فيها معايير ودخلنا في حالات لمجموعات فنّية رغم عنا دخلت على الساحة بمسميات كبيرة نُفِخَ فيها وتضخمت لتكون ظاهرة في المشهد، هذا ما يحصل، وللأسف منهن من يبيع لوحات مطبوعة أو مطبوعة ومشغولة فوق الطباعة على انها أصلية وأغلبها منقولة عن غيرهم سواء محلية أو أجنبيّة، هذا يبعد الموهوب الأصيل، هنا يخسر الفن.
ان هذا لم يكن ليحدث لو لم يسكت النقاد الحقيقيين. من جهة ثانية ننظر الى تكاثر افتتاح صالات العرض الفنيّة الجديدة (خاصة في منطقة الجميزة) وما حولها وانطلاقها، قد يدعو الى التساؤل والتعجّب عن كيفيّة استمرارها وما هو الداعم لها، كفنان تشكيلي عندي نظرة إيجابية يسودها الشك الجيّد انها تمثّل حركة فنيّة متطورة فكثير من الفنانين المتخرجين والأكفّاء يرون فيها ملاذهم فأكثرها تعرض لهم إنما تبقى صالات تبغى الربح والتجارة.
من نظرة سلبيّة على ما يجري على الأرض لسنا ضد أي نشاط، شرط أن يكون هناك معايير لتفصل الجيد عن الأقل جودة، قد نكون قد خسرنا موقعنا الرائد عربياً وعالمياً قليلاً، غير اننا لم نخسر طموحنا وأملنا ولنا في هذا العالم مواقع مهمة وصلها اللبنانيون بفرديتهم الفنان الأصيل يبقى فنان وبلدنا غني وهذا من اسرار صمودنا.
ويقول الفنان التشكيلي جوزيف العريض: عندما نتحدث عن الفن اللبناني يجب علينا أن لا نتغاضى عن الأزمات المحيطة بالفنان بشكل خاص وبعالمنا العربي وأيضا بالعالم بشكل عام، لأنه لا يمكن الفصل عن ما يجرى على الصعيد الخاص دون أن يتم الربط بالأزمات المتلاحقة التي شكّلت عائقا لازدهار الفنون كافة، بداية من الماضي القريب من دون الغوص في الماضي البعيد أي منذ ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ إلى الرابع من آب ٢٠٢٠ وإنفجار مرفأ إلى الأزمات السياسية والانهيار الاقتصادي وعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وحكومة تصريف أعمال مشلولة، وغياب شبه كامل لدور الدولة على الصعد كافة، مما يجعل المواطنين بشكل عام والفنانين بشكل خاص يرزحون تحت عبء الضغوط المتتالية والمتمادية منها المعيشة والصحية وفقدان الأمان الاجتماعي في ظل عدم إمكانية غالبية الفنانين من بيع لوحاتهم إلّا قلّة قليلة مما لديهم علاقات مع المقتدرين وبالتعاون مع غاليريهات تقدم الدعم لهذه القلّة المحظية، لأن اي فنان ليس لديه دعم مالي لا يمكنه دفع تكاليف الغاليري وأيضا كلفة تسويق نفسه إعلاميا حتى ولو كان بارعا في انتاجه الفني، وليس لديه من يحضنها لإيصال أعماله إلى الجمهور المتلقي والى مقتني الأعمال الفنية، لذلك وأمام عدم توفر الظروف المؤاتية لغالبية الفنانين في هذا العام ٢٠٢٣ على الأقل، يجد الفنان نفسه انه أمام خسارة سنة من عمره من جرّاء عدم تحقيق ما يصبو إليه في خضم كل هذه المشاكل، عسى ولعل أن تكون السنة القادمة ٢٠٢٤ تلوح لنا ببارقة أمل جديد لحل كل الأمور العالقة وتكون سنة ملؤها الخير والسلام.