بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 تشرين الأول 2023 12:00ص أعمال الفنان التشكيلي مصطفى حيدر أبعاد التراكيب التشكيلية وقوامتها

حجم الخط
تسكن الألوان الباردة لوحات الفنان التشكيلي «مصطفى حيدر» (Mustafa Haider) برونق بصري مفتوح فنياً على عدة تأويلات إيهامية المبنى والمعنى، ليمنح الرؤية مؤثرات يمدّها بمخيّلة تتناغم معها الأبعاد البنائية في لوحات غنية بالتآلف الضوئي مع الألوان المثيرة للصمت والتأمل. إذ يخترق الحالات المزاجية بصريا، ويمنحها نوعا من الهدوء اللوني يوظّفه لبثّ فكرة التلاشي بعد التماسك والتعبير عن معنى الملامح العميقة التي تحتاج إلى انعكاسات دلالية مكثّفة تعبيرياً، وبتفاصيل دقيقة تختلط معها الألوان المتحررة من سلطة الكثافة، لتتشعّب وتكشف عن رقة حسّية في رؤية فنية تستقيم معها المعالم البنائية، ومصطلحاتها المتعلقة بالأمكنة والمدن، وحتى الأمكنة الدقيقة المنعزلة في عدة مساحات وفق إشكاليات مردّها الحقيقي هو البحث عن الذات من خلال التأملات الأسلوبية في الرسم، وقوة العلاقات الداخلية المستحدثة شعوريا من خلال التشكيل ومعاييره، ومدلولاته التحليلية التي تمكّن من المقارنة بين الألوان المندمجة سمفونياً مع بعضها البعض، والتي تسمح بالتجلّيات الفراغية لإظهار مقومات الأبعاد عبر المساحة الخاصة المستثمرة تخيّليا، والمحسوبة بوعي موضوعي يتيح للمتلقي استخلاص الأحاسيس المختلفة، فغالبا تعتمد على الهدوء والإيقاع المنخفض. إذ يتجاوز الضجيج والغليان وحرارة الألوان بعدة سمات تكتنز في غالبها رؤية جمالية للعالم، وكأنه في محاولات للكشف عن أماكن العزلة في العالم خاصة تلك التي سكنتها الحضارات القديمة وتحوّلت فيما بعد إلى مدن تحتاج لأحكام فنية معيارية تجعل منها قبلة للجمال، وإن انحصرت في سياق تشكيلي لإحياء العلاقات الإنسانية بتآلف بصري لا يتم إلّا من خلال برودة الألوان وتميّزها حسّياً وفق منطلقات منهجية يُوفرها «مصطفى حيدر» بنهج يرتكز على رصد الحركة اللونية المختلفة باختلاف التدرجات والاتجاهات، لكنها تنطلق من منبع الذات، وتتوزع مع المقامات الخاضعة لعدة تحليلات في لوحات الفنان «مصطفى حيدر». فهل تجلّيات الأسلوب الدقيق في الرسم عبر لوحاته هي من قواعد الفن وميزاته المؤثرة في المتلقّي؟ أم أن الرشاقة اللونية هي إيقاعات مشدودة في ضوء الأشكال وخصائصها من حيث قوة البناء والتأليف؟
يتمسّك الفنان «مصطفى حيدر» بأمكنته، فيبرزها جماليا لتكون نموذجا للتمسّك بالأرض، وان ابتعد عن التحديد، ولكن ثمة ما نلحظه بصرياً في أعماله مثل الارتباط في الشكل المتماسك والمتآلف، كقطعة موسيقية لا تنفصل أنغامها عن الأسس المنتقاة بجمالية في مستوياتها كافة منطلقاً من خصائص كل لون، وما يمكن أن يُسهم فيه من منظور النظم التي تغلب على اختلاف الطبائع الإنسانية. فالتحكّم في آليات الأشكال يُشكّل نوعا من القواعد التي تكتسي معنى يسيطر عليه ويقوده نحو أحلامه المرتبطة بالواقع الذي يريده أن يكون، وبذلك يعتبر الحركة الفراغية أداة أسلوب تمنح الرؤية النسق المفتوحة على معانيها التشكيلية الغارقة بالتأويلات، وببلاغة بصرية ممدودة في الارتفاع، بخصوصية التعبير الفردي المُتجلي بالالتزام بعيداً عن التأرجح في المعاني المُستقاة من تقنيات دقيقة تحتاج لصقل عدة مرات، لتولد اللوحة بأوصاف تنقلنا إلى أمكنة يضمّها في باقات كالأفكار، بل هي أقرب إلى أبعاد التراكيب التشكيلية وقوامتها في إعادة البناء في كل مرحلة يولد فيها إنسان جديد في الحياة. فهل يعيد رؤية مدينته صور التي ولد فيها عام 1944 من خلال إعادة معالمها التاريخية المطموسة حسّياً من خلال هذا الأسلوب؟ أم يغزل الأحداث التي عاشها خلال الحرب اللبنانية بأسلوب يرصّ فيه الألوان والأشكال، كنسّاج أو بنّاء أو مكتشف للآثار، ليعيد تشكيل القديم بجديد يتناسب زمنياً مع الأجيال والحداثة في مستقبل يحدّد فيه مفهوم الحضارات المتجددة عبر الفن؟