بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 كانون الثاني 2020 12:00ص أعمال الفنان العراقي معتصم الكبيسي : الحس الفني مع الخامة النحتية

من أعماله من أعماله
حجم الخط
يتحسّس النحات العراقي «معتصم الكبيسي» (Muatasim Alkubaisy) الفكرة وخواص الخامة المناسبة لها، ليمنحها روحية جمالية ذات رؤية نحتية تتميّز بالحس الفني المتلائم مع الخامة النحتية وواقعها الخارجي الملتزم بالتوافق بين الأجناس النحتية التي يفرضها على منحوتته، مما يعكس إيماءات الحركة النحتية بطبيعتها المجرّدة على فكرته، فيمنحها المنطق النحتي وطواعيته التي تعيدنا الى صلابة الإنسان وقدرته على تذليل الصعاب، وتسخير المادة بتجانس مع التكوين وخصائصه الفيزيائية، بوعي يعكس قيمة الفن والخيال على الواقع المرّ ان صحّ القول، بفن يسعى من خلاله النحات «معتصم الكبيسي» التوفيق بين الرؤية والخامة والفكرة، وبثلاثية يدرك المتأمّل لها السلوكيات المرتبطة بالفضاءات المتخيّلة في كل عمل من أعماله التي تفرض استنتجاتها الخاصة اجتماعيا وسياسيا ونفسيا وما الى ذلك. فهل مسألة الخامة النحتية وقوّتها في أعمال الفنان الكبيسي هي تحدّيات لتقنيات فنية يبرهن من خلالها على قدراته النحتية؟ أم هي مهارات جمالية يمكن التنبؤ بها من خلال كل منحوتة وما تمثله من إيجابيات في مضمونها وفكرتها وأسلوب تنفيذها؟

تمثل أعمال الفنان «معتصم الكبيسي» مشهدا نحتيا معاصراً يشهد على الغزو العراقي والوجود الأميركي وحتى لبعض الأحداث التاريخية والحروب المؤثرة على العراق وشعبه، فما تمثله كل منحوتة من ثقل أو عبء أو حتى تعرّجات لزجة بطيئة بصريا هي لتمثيل المشهد الراسخ في الذاكرة الفنية العراقية وقدرتها على الاحتفاظ بالملامح والمعاني والأحاسيس التي نتجت عنها المنحوتات، وكأنها تكوّنت على صخور مع مرِّ السنين، ليمنحها الكبيسي خاصية زمنية لا تخلو من قوة المادة، وصراعاتها في التكوين المتحرر من قوة المادة التي تتشكل منها كل منحوتة بتوازن مهيب ما من اختلال في أركانه، فرغم ثقل المادة وسماكتها احتفظ بالشفافية، وبالمعادلات المقرونة بالمساحة والحجم وثلاثية الأبعاد، وبجدلية الحروب والمساوئ الجمالية الناتجة عنها، لتتعايش خطوطه النحتية بصريا مع المكوّنات الحسّية الأخرى، التي استبطنها بسخرية سوداء ملفّعة بالحجم أو المبالغة بالحجم، لنشعر ان الأحجام هي كتلة تمَّ نحتها بصعوبة، كأنه يرفض هذا الوجود المتمثل بالجندي الأميركي والدبابة أو الأحرى الحروب وما ينتج عنها قاطبة. فهل من تراجيديا معتمة في أعماله؟ أم هي فن الرفض النحتي من خلال المادة والقدرة على تطويعها؟

يهزأ الفنان «معتصم الكبيسي» من المعنى من خلال المادة ومساراتها الطبيعية، فيتمثل رفضه ببطء الحركة في منحوتاته حتى ليشعر المتلقي بالجمود أحيانا أو بالتوقف الزمني، وهذا يشير الى مدة الحرب وثقلها والوجود العسكري الذي فرض نفسه في العراق، لتصبح كل منحوتة من أعماله هي سلاح بصري، ولكن ليبقى في الذاكرة النحتية دون فناء أو الأخرى، لترخي كل منحوتة ثقلها المادي والفكري والجمالي في جعبة الزمن الذي وضعه في خامة اختارها، ليمارس عليها الأوزان والأحجام والأشكال والطول والعرض حتى ضمن قياسات فرضها تميل الى استجماع اللمسات كافة، والأحاسيس الناتجة عن أكثر من حدث ولدت منها منحوتاته التي تحتفظ بتواريخ تعيدنا الى الكثير من المشاهد، ولكن ضمن الحجم النحتي الساخر من واقع فرضته الوقائع التي سجلها في أعماله كالدبابة والجندي والرجل الجالس على الكرسي وغير ذلك، مما يجعله يكسر رتابة القواعد الكلاسيكية في النحت العراقي ويتجه نحو المعاصر بأسلوب محفوف بالتراجيديا أو السخرية الملتزمة بالمنطق المثير للمعادلات التي أوجدها في منحوتاته. فهل يمكن اعتباره مرجعا في المشهد النحتي العراقي الرافض للحروب والمراقبة الأميركية المستمرة والمؤمن بالسلام؟

أعمال النحات العراقي «معتصم الكبيسي» (Muatasim Alkubaisy) في غاليري أجيال صالح بركات.




dohamol@hotmail.com