بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 تشرين الأول 2023 12:00ص أعمال الفنان جبران طرزي: تمثيل بصري غير محدود في محتواه الحرّ

من أعماله من أعماله
حجم الخط
تكشف أعمال الفنان «جبران طرزي» (Gebran Tarazi) عن جوانب عديدة من الأبعاد التجريدية هندسيا، والتي تتخذ منحى علاقات فكرية حسّاسة مترابطة بصرياً فيما بينها، من منظور المتناقضات التي يسعى من خلالها طرزي إلى تسليط الضوء عليها عبر الأشكال، وإيقاعات التكرار النغمي، من خلال الألوان الموصوفة بصريا بالخوارزمية التخطيطية القادرة فنيا على فتح مساحات للتأمل في الأشياء المعقدة غير التصويرية، كزخارف ذات قياسات متعددة تعتمد على الإنسجام والترابط والتنافر، والتناقض الهندسي غير الموضوعي في مساحة انضباطية مشدودة لبعضها البعض، مدمجة في تركيبات مختلفة عقلانية التأليف، بمعنى القدرة على الإبتعاد عن التصويري العاطفي، والإقتراب من التجريدي الكوني، لتمثيل فني هندسي وحيوي الأبعاد في محتواه الحر، وتأثيره العميق في النفس، وفي الفكر الباحث عن الشمولية الهندسية في شكل الطبيعة البشرية التي يستمد منها مؤلفاته التشكيلية إن صح القول، مبتعداً بذلك عن التأثيرات الإنسانية مركّزاً على مستقبل الأشكال التي تجعل للمستقبل وجوداً مختلفاً من خلال الفن، والقدرة على التقييم البصري للشكل وارتباطه التسلسلي، وكأنه يخطو خطوة إلى الأمام من خلال الريشة عبر زمن هو فيه بشكل تكراري مستمر عبر رسوماته، ليثير المشاعر بشكل عقلاني دون أي تصوير. فالأشكال والألوان تعبّر عن قوة حساسيته البصرية تجاه الجمال التخيّلي بصريا دون أن يتخلّى عن الشكل الخالص كالأرابيسك والابتعاد عن القيود التي تجعل الفنان محدوداً. فهل من معنى بشري استبطاني في لوحات جبران طرزي؟ أم أنه تحدّى المعتقدات الفنية من خلال الفن الراسخ في الأبعاد الكلاسيكية، والتي تتجه نحو الخوارزمية الحالية، لاستكشاف أنماط السلوك البشري من خلال تقلّبات الأشكال وجغرافيتها الوهمية والتي تقتضي النظر بعمق للداخل لاستدراك الشكل الكامن في المعنى الحركي داخل اللوحة؟
تواجه الأشكال في أعمال الفنان «جبران طرزي» التقييمات التوليدية بقوة حسابية، مرتبطة بنظام ينطلق منه طرزي في التشكيل القائم على حرفية هندسية في توزيع القياسات بين المعايير اللونية، لكي لا تتشابه رسوماته المكثفة حسابيا في لوحاته التي يوزع النقاط فيها تبعا للأحساس بالكونية، ومبدأ الحياة والموت والتجدّد النمطي غير العشوائي، وإن بدت بعض التناقضات الإيقاعية الهادفة بصريا في لوحاته، إلا أنها دقيقة لخلق تأثيرات بصرية جذابة حتى في الكسور التي يعتمد عليها أثناء الرسم، لاستكمال المساحة القابلة للكثير من الأعداد الأخرى بمعنى من لا شيء الى ما لا نهاية، وبذلك يمكن أن تكون التعديلات هي توليدات أخرى بنفس القياسات والمعايير، وبدمج يصغر أو يكبُر، إلّا أنه يمثل جزء من كل، وكأنه يبحث عن ذاته المتجددة في الفن، وفي البُعد الماورائي حيث تتكرر الخلايا البصرية وفق بروتوكولات يحددها بوضوح، لتكون كالقوانين الصارمة المعتمدة على التجدد وفق التأثيرات التنظيمية نسبياً، المتوافقة مع الأعداد بابعادها، لضبط المعايير وفق ابتكارات تتفاوت انطباعاتها اللونية عبر تدرجات الألوان التي يعتمد عليها للتباين، ولمنح الأشكال أبعاداً تكنيكية تُشكل نوعا من الإرتكازات الناشطة بصريا ما بين الفواتح والغوامق، والصغير والكبير، وحتى طبيعة التأثيرات بين الخطوط وانعكاساتها على الأنماط الداخلية والخارجية، والتشكيلات المحددة ما بين الأمام والخلف، بمعنى فروقات الخلفيات في الأشكال المتباعدة والمتقاربة في المكونات الفراغية، والممتلئة عبر تأويلات تشكيلية متعددة يمتلك حسابياتها في الرسم، كأنه يجعلها تتكاثر وفق قانونه الخوارزمي الخاص.
يلتقط الفنان طرزي النقاط التشكيلية المبنية على أسس هندسية تنبثق من أهمية الشكل الثابت، والقدرة على تغيّراته بمعنى تطوّر الشكل، ليخرج من الثابت للمتحرك بصرياً، بمنطق حسابي تمثل كل نقطة فيه جغرافيا معينة لمساحة بصيرية تمثل نوعا من الرؤية المشرقية للفن. فكل خلية تشكيلية في أعماله تحيا منها عدة أشكال إيقاعية بتوليد لا نهائي وغير محدود، مما يعزز فكرة التجديد والابتكار في الأشكال التي تغذّي البصر عبر مفهوم التضاد والتوافق، وحتى المتناقضات بابعادها الحسية وقيمتها الفنية من حيث الحركة ومتغيّراته بين الظل والضوء ولعبة الزوايا التي يمارسها وفق حساباته الخاصة في التشكيل الفني. فهل من لغة طرزية خاصة في رسوماته غير قابلة للتقليد؟ أم هي بصمة فنية تجعلنا نعيد النظر في هذا الفن القديم الحديث والقابل للتطور في عصر الخوارزميات؟