بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 تشرين الأول 2023 12:00ص أعمال الفنان غاستون تشايساك الوعي الطفولي وعبثية الوجود

من أعماله من أعماله
حجم الخط
تحرّر الرسام والنحات والشاعر الفرنسي «غاستون تشايساك» (Gaston Chaisac) المولود في 13 أغسطس عام 1910 والمتوفي عام 1964 من القوالب التقليدية في الفن، منطلقاُ نحو التعبير اللوني الأكثر جرأة، وفق تقنيات تتقاطع مع الوعي الطفولي وعبثية الوجود، والثورة على النفس البشرية، وبؤسها في الحياة الضيقة، والتي جعل منها شكلا من الأشكال التي يدمجها في لوحاته، لتكون قصيدة أو لوحة أو كلمة فيها الرضى والإستنكار، وحتى البهجة والحزن، ليلبس الألوان قوة شبيهة بألوان المهرّج الذي يسعى لإضحاك الناس، لينسى مأساته عبر إيماءات تشكيلية تعيده إلى الطفولة، ولكن ضمن الوعي البصري وتعبيرات الألوان التي تتشكل منها عفوية تصويرية غير واقعية، إلّا أنها ساخرة بمجملها من مشاكسات الحياة التي تحدث للإنسان بعد انتهاء فترة الطفولة، ودخوله في عالم التغيّرات العمرية من الشباب للكهولة، فالشيخوخة وبشكل فكاهي لا ينغسل الحزن منه، بل تترسخ في أعماق لوحاته جمالية الحزن في توهج اللون وقلق الأشكال المتداخلة مع بعضها، وكأن اللوحة قصيدة هزلية في مجملها يعتمد من خلالها الى تبطين رؤيته في الحياة بالجمال وسمات المعاني التي لا تخلو من سخرية على الحياة نفسها. فهل حاول ترسيخ فترة الطفولة رافضا لمراحل الحياة الأخرى من خلال رسوماته؟ أم هي سذاجة الإنسان في الانسلاخ عن الطفولة واستكمال الحياة بقساوتها التي جعلته يقطّعها عبر أشكال الألوان التي يمكن لها أن تشبه الحروف البصرية التي تتألف منها رسوماته؟ وهل نتألم ونخفي سذاجة الحياة في عمق أنفسنا وتظهر في انفعالاتنا؟ وهل حساسية تشايساك هي صراخ حقيقي بأسلوب يجسّد الحركة وقوة اختزال المضايقات عندما ننسلخ من طفولة لم نشبع منها؟
ما بين الوعي واللاوعي حشد تشايساك الكثير من التفاصيل الفلسفية الميّالة شاعريا إلى إغراق البصر بفلسفات الحياة الهزلية تحديداً، من خلال الرؤى الدراماتيكية لشخصيات انفعالية تمسّ خيال تشايساك والبُعد العبثي للوجود، فاحتفظ بها في لوحاته التي تمثل تطلّعاته الحسّية، وفق إدراك لمرحلة النضوج التي تجعلنا نستكمل الحياة وفق حميمية يفقدها المرء، إلّا أن لمشاعر اللون صخبا يرتبط بما يضج في النفس ويمثل عودة إلى الذات بشكل درامي في رسوماته، وبشكل نفسي يظهر في الحركة التي يقمعها بالألوان، ليثبط الشعور بالرجولة، وكل ما يرتبط بالقمع في الحياة حتى القمع الطفولي الذي يُمارس على الطفل، ليحد من عبثيته. فهو أدرك الفضاءات العلاجية للنفس من خلال هزلية رسوماته، ليجعل من أحلام اليقظة بعض القصص التي تتمثل بشخصياته المضطربة إن صح القول، أو تلك التي ترمز إلى السخرية من الواقع، وكأنه تم اقتلاعه من فترة الطفولة رغما عنه نافيا مراحل الإنسان التي يتدرج من خلالها من الجنين الى الطفل، فالشباب والكهولة والشيخوخة بعيداً عن المتع الأخرى من نشوة بصرية قبل كل شيء بمعنى كل ما يسمح للطفل باستكشاف نفسه، ويُقمع بما يجعله نشطا بشكل أقوى ومتجها نحو الممنوعات. فهو ربط سلوكيات الوعي والإدراك بالأشكال والتحرر من كل شيء من خلال الألوان وقوتها وتناقضها، وبالتالي جعل من لوحاته متنفّساً لمن يبحث عن العودة للذا بتلغيز يجلب المتعة البصرية لمن أراد الغوص في لوحاته. وهل حاول تحفيز الحس الإنسان على نبش ذكريات الطفولة من خلال رسوماته؟ أم أنه اتجه هزليا نحو التغيير النفسي الذي يعكس جوانب النفس الإنسانية وحبها في التمسك الطفولي؟ أم أنه سعى لتشكيل توازنات مضمونية وأسلوبية في الفن التشكيلي الذي يمكن تكسير قواعده من خلال هذا الفن؟ وهل الفوضى اللونية تعالج النفس من مساوئ أدران الحياة؟