بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 كانون الأول 2023 12:00ص أعمال الفنان فتوح شكر الله: الوعي التجريدي المبني على المعاني الواقعية

حجم الخط
تتكيّف الألوان في لوحات الفنان «فتوح شكر الله» (FATTOUH Chucrallah) مع الضوء ومرآوية الخطوط العشوائية المتكسرة أحيانا، والمندمجة مع الأشكال تبعاً لتجريدية شفافة وغامضة موصولة بمعاني داخلية، حيث يتجلّى الخط بمختلف حالاته المؤثرة في تشكيل يجمع ما بين المعاني الفنية بتعقيد تجريدي يتركه الفنان «فتوح شكر الله» لخلق إيحاءات مختلفة في صورها الذهنية، وعبر فرضيات ضوئية صاغها في نسيج طيف لون أبيض يزيد من قيمة الألوان الأخرى ذات الحبكة اللونية المشدودة ككتل تستند على الانعكاسات البصرية، ليمنح لوحاته لغته الخاصة، الوعي التجريدي المبني على المعاني الواقعية المندمجة تعبيرياً في حركة تتناقض فيها الاتجاهات الإيقاعية لكل لون، لتعزيز التدرّجات والتباينات بقوة نسبية لها علاقاتها المترابطة مع بعضها البعض، لتبدو اللوحة منفصلة عن الواقع والطبيعة بينما هي تمثل الحياة بكل تضادها الفني.
يصوغ «فتوح شكر الله» رؤيته التجريدية وفق أبعاد تتكيّف مع الضوء، شدّته وخفوته، وحتى السطوع لتتكوّن رؤية تحليلية مزدوجة مرتبطة بالمتلقّي واللوحة والريشة، ليتحرر على سطوح لوحاته من عقلانية الواقع، ويتمسّك بعاطفة اللون، كمادة يبني منها سمفونياته التجريدية، وتصويراته المجازية التخيّلية ضمن الواقع الملموس في عمق لوحاته التي يجرّدها من الحقيقة التي نهرب منها في لحظات اللاوعي الفني الذي يشكّل جزءا مهمّا في بناء اللوحة، والحفاظ على جماليتها الفلسفية، وشاعرية إيقاعات اللون المنسجم مع فوضوية الأحاسيس والمشاعر التي يسردها الضوء عبر سلطة اللون الأبيض ومعانيه الطيفية ذات المعطيات الحسّية المتمثلة بالأشكال الهندسية المخفية ضمن الألوان المترائية، والأطر الفراغية الخارجية المحيطة بالفكرة، وبوجدانية الرؤى المتلائمة مع الأطر الخارجية للوحة، ومع المعنى المنطقي للتجريد وحركته السكونية المزدانة بالصفاء.
يختزل الفنان «فتوح شكر الله» المعالم الطبيعية ليسيطر على ذاتية المسار الباطني للخط المنصهر مع الشكل والحجم، ومع ضبابية التشكيل الذي يغلّفه بتكوينات هندسية تتعادل فيها قيمة الحركة والسكون ما بين الخارج والداخل، لنشعر بالإنجذاب الحسي نحو اللوحة وأشكالها التي تنمو بصرياً، وتتلاشى مع اللون الأبيض فجأة، ليثير ذهنية المتلقّي، ويحفّزها على اكتشاف المزيد من الحركة والسكون أو بالأحرى إلى مزيد من المعاني الشاعرية المجازية مع الحفاظ على تكنيك اللوحة وموروثاتها الجمالية النابعة من ذات الفنان، حيث ترتبط المحسوسات بالماديات، وبمحصلة الرؤية التخيّلية المستوحاة من الصور الواقعية وجوهرها الفني، إذ يخلط بين العشوائية اللونية والفكرة المنظمة في إظهار المعنى الهندسي المتولد من داخل الحركة التجريدية، وشحناتها الإبداعية المؤدية إلى تكوين الأشكال والألوان ضمن مساحة معينة، لمشهد تخيّلي أو فنتازي، فلا يستطيع المتلقّي الفصل ما بين الحقيقة والخيال المغطاة بمرونة اللون الأبيض وحساسيته الضوئية والشاعرية معا.
تتألف مسرحية اللوحة في أعمال الفنان «فتوح شكر الله» من أجزاء حلم لملم ألوانه من الطبيعة التي تاه منها اللون الأخضر حيث ضبابية السماء تغطي بتخيّلاتها على الواقع، والتصويرات التي هي جزء من الحياة، لنشعر أن شخوصه غامضة ذات تعبيرات تتلوّن مع طيف يتلاعب بشفافيته وبسطوعه، وبكثافته وبتعتيمه، وبضوء مكمل لمعنى التحرر من مادية الأشياء والإنفلات نحو شاعرية الإنسان، لوجدانية تتيح له خلق عوالمه الداخلية التي يحاكيها بكل عناصره الفنية متجاوزا بذلك المنطق العام نحو الخاص، لتكون اللوحة بذلك هي عالمه المتصارع مع التجريد والتعبير من واقع يغطيه بشتى الالوان الحالمة التي تكشف عن حس فني إبداعي ذي شاعرية تتحد فيها المضامين والأساليب، كما تتحد فيها الرؤية الفنية الازدواجية.
تتيقظ الأحاسيس الفنية من خلال اللون الأبيض واشراقاته الضوئية ذات المستويات الملامسة لإيقاع الطبيعة، ليجسّد بذلك الإنسان بمختلف حالاته أو البحر أو الطبيعة من غضب، وفرح، وحزن، وجمال، وضجيج، وهدوء، وحركة، وسكون، ليؤثر حسيا بمعنى اللون، ورهافة المشاعر الإنسانية المتشابهة مع ما حولها، لتنصهر أجزاء اللوحة مع العناصر الفنية، وتشمل الفكرة التي يرسمها «فتوح شكر الله» وفق تغيّرات تتغيّر من حال الى حال تبعا للبصيرة المتأملة أعماله الفنية بدينامية التذوق الشاعري، والوجداني المتلاشي مع المادي المحسوس ضمن تلاحم الأجزاء في وحدة فنية ذات كتلة لونية متراصة، ووحدة متماسكة العناصر، وهذا يشكّل قصيدة أوبرالية متشكّلة تبعا للرؤية الفنية التشكيلية وسينوغرافيتها متخذا من اللون الأبيض والتجريدية التعبيرية موضوعه الفني، لتكتحل اللوحة بالأطر والمفاهيم الجمالية المحاكية للحس الإنساني في كل زمان ومكان.
تخضع لوحات الفنان «فتوح شكر الله» الى مؤثرات الطبيعة الممزوجة بضبابية الحلم السمفوني، وإيقاعاته المتوازنة مع الرؤية التي يسبغها بشاعريته المرهفة بوصفها نغمة ضابطة لبيئة اللوحة، وتأثيراتها البصرية الكفيلة بإدراك جمالية حركة اللون المنسجمة مع حركة الخطوط، وتماسكها الفعلي مع بعضها البعض كنوتات اتقن استشعارها بحس فني تشكيلي عارم بالتجريد والتعبير، والتنامي الحركي المنعكس على الذات وسكونها الداخلي.