بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 أيار 2023 12:00ص أعمال الفنان نزار عثمان ترجمة الفعل إلى لون

من أعماله من أعماله
حجم الخط
تقدم الفنون الإبداعية أحدث الوسائل التعبيرية التي تستطيع العين من خلاله ترجمة الفعل إلى لون، ومن ثم إلى أفكار ذهنية ترتبط بالوعي القادر على فهم رسالة تحمل قسوة موضوع يقدمه الفنان بطراوة خلفية تظهر قوة الخطوط التي تدل على مفردة ذات أهمية بالغة في تفعيل الحركة المحسوسة للتقارب بين التكنولوجيا الرقمية الحديثة، وبين فرشاة فنان تهتم بالتعبير الإنساني عن معاناة اجتماعية يصعب التفاعل معها لونياً ما لم تستطع الفكرة الأساسية معالجتها لتحدد عوامل البقاء، كلوحات الفنان «نزار عثمان» التي تضج بالحركة، وتجعلك تشعر بثورة قوية تجذبك نحو كل لوحة يتحدى فيها عوامل حركية ترتبط بالزمن، كما ترتبط بالخوف من اندثار الثقافة والفن. كأنه يجمع بين الفن التقليدي والفن الرقمي الحديث، فهو يعكس رؤيته الفنية الخاصة في استخدام الجريدة التي تعاني من شلل في عدد القراء، وتعاني من تشوّه في استعمالها في كل المجالات بدءا من تنظيف الزجاج بها، وصولا لاستعمالها في تغليف الطعام لتختلط الحواس، وكأنها ميديا هستيرية تساعد على زوال المفاهيم الثقافية تحت مسميات العلم الحديث.
لوحات ذات مضامين مختلفة تبدأ من يد رجل رسمها بدقة يسكب جريدة تخرج من عبوة ماء معدنية في سمعه، وكأننا أصبحنا في زمن معلب نسخره تبعا لميولنا الشخصية التي تزداد سرعة، مستعملا شفافية الخطوط التي تبرز الإحساس الفني ضعفه وقوته، وقدرته على اختراق المؤثرات الضوئية التي تؤثر بصرياً على ذهن المتلقي، فتتشبع حواسه لا إراديا وتستقر في وجدانه.
خطوط مع ألوان قدّمها في شفافية عالية ونفوذ ضوئي ذات أبعاد تثير الخيال، وتتفوق على الصوت في وحي سمعي يجعلك تسمع صوت الجعلكة الورقية كأنه موسيقى تخترق كل عنصر متحرك وحتى العناصر القبيحة كتلك الجمجمة التي لفّها تشكيلياً مستخدماً الوسائط اللونية التي تنفي الضوء وتمتصه، وكأنه يعيد الموت والحياة من خلال دمج اللون مع الحركة والضوء، والبيئة الإجتماعية المحيطة بنا إعلامياً من خلال الأخبار وصولا لحضارة يتنبأ بها لكنه استبدلها من أبيض وأسود إلى الألوان الأخرى.
ابتكار وإبداع في خلق فكرة عالجها فنياً وجعل منها منتجاً حديثا يحاكي كل الأجيال، فهو ترجم الإرهاب الإعلامي إلى تشكيل ثقافي في لوحات فنية تخدم الصرخة الموجعة في كل تجعل من اللثام والعيون الجريئة نقطة انطلاق لميديا إبداعية تحقق الازدهار والوعي الاجتماعي للفن المرتبط بالواقع كي تندفع القدرات نحو أفاق مفتوحة زمنياً؟..
استطاع نزار خلق حوار بنّاء بين لوحاته أولا، وبين المتذوق لأعماله من خلال وضوح الرؤية وقوتها، ومن الكولاج، وكأنني في خداع بصري موضوعي يخدم المفهوم الفني الأساسي إلا وهو الثورة الرقمية الفنية القادرة على استخدام الفرشاة دامجة التقليدي مع الحديث في مدرسة جديدة تتخطى أي حدود في إبراز الجمال وإدراكه حسياً، ليستقر في العقل وفق قناعات اجتماعية ذات مضامين سياسية أراد من خلالها نزار محو فكرة الإرهاب التي التصقت بالمجتمع العربي.
تقول كلود عبيد: «الخط يمكن أن يعبّر عن بداية أو نهاية كما يمكن أن يصبح حدّاً فاصلا بين متناقضين، الليل والنهار، أو الظل والنور، قد يعبّر عن قاعدة الشيء، أو حافة لشيء وهو أيضا رمز للتوازن النفسي، والخط يقوم بتعريف الأشياء وتحديدها، وقد يتشكل نتيجة لاندفاع طاقة ما فيمثل حركة الاندفاع والانطلاق من نقطة بعينها ومسار هذه الحركة أو انقطاعها».
لغة بصرية لونية هي اندفاع طاقة حرّرها من الحدود التشكيلية وأعطاها قوة خط قدّمه في رؤية خاصة من خلال وعي موضوعي وضعه في خصائص لها مدلولاتها التي ابتعدت عن التقليد، واندمجت بحداثة استخرجها من خبراته الحياتية، وأحداث اجتماعية تندرج تحت مسميات عديدة صاغها في مشهد جعلنا ندرك ماهيته ونتألم منه بعبقرية تعبيرية مبتعداً عن اللغة التجريدية مما جعله يمنحنا قراءة ممتعة لمفرداته التي ولدت من روح بصرية وسمعية لها قوانين إدراك حسية تقوّي التفكير الإنساني، لتجعله يدرك مخاطر الزمن القادم إلينا من عقلانية تنفي الثقافة وتدعم الإرهاب وتجعل من الفن ميديا مرئية مرتبطة فقط بالفيديو كليب.
بهذه القوة قدّم لنا «نزار عثمان» في لوحاته بشكل عام دون أن ينسى الزمن العجوز المتراكم بأحداثه الماضية ليجعلنا في أبعاد زمنية تتلاشى مع خطوطه التي يترك لها الخيال والضوء، وكأنه يستسلم للقضاء والقدر في تحديد المصير ليجعل من العلاقة الروحية استراحة جعلتني أتنفس بعمق وأنا أتأمل صورة المرأة العجوز التي تضع يدها اليمنى فوق اليسرى وكأن متناقضات الحياة تنتشي بريشة تحمل ألوانها الدافئة وترحل بها نحو الخلود..
يقول نيتشه: «لا تمشِ في طريق من طرق الحياة إلّا ومعك سوط عزيمتك وإرادتك لتلهب به كل عقبة تعترض طريقك». فهل سنستطيع محو أحمر وأسود وجعله لون السلام الذي نحلم به في مجتمع يعاني ما يعانيه إعلامياً وفنياً؟..